صفوت عطا الله يكتب: تجربة نهاية العالم

صفوت عطا الله يكتب: تجربة نهاية العالم
صفوت عطا الله يكتب:  تجربة نهاية العالم

أين أنت يا آدم

منذ أن خلق الله الإنسان ويتردد سؤال بصفة دائمة على مر العصور والأزمان والأجيال هذا السؤال:

أين أنت ياآدم معظمنا يعرف قصة عصيان أبونا آدم وأمنا حواء لوصايا الله بعدم الاقتراب من شجرة معرفة الخير والشر وعندما تم ارتكاب الخطأ وأكلا منها انفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانين وهربا من وجه الرب وحاولا الاختباء وعندما سأله الرب أين أنت ياآدم أجاب عليه بأنني عريان واختبأت هكذا نرى تلك الأيام نجد آدم هو هو لم يتغير .. البني آدم يفعل نفس الخطأ بل ويرتكب الأعمال المشينة والخطايا كأنه يشربها كالماء فيأتي الصوت الإلهي يتردد في الفضاء الفسيح أين أنت يا إنسان فلا نجد سوى الإجابة التقليدية التي تعلمها من أبيه الأول:

إنني عريان، وأختبأت داخل بيتي منعزلاً وخائفاً ومرعوباً ومفزوعاً !

لا يستطيع انسان العصر الحديث أن يخرج أو يدخل بل أكثر من ذلك وهو أنه صار لا يقترب من أعز الناس له ولا حتى أن يسلم أو يقبل أبنه أو حفيده أو يأخذه في حضنه فالأبناء لا يزورون آبائهم خوفاً عليهم من العدوى والعجائز متروكون منعزلون مرفوضون من الجميع لملاقاة مصيرهم المحتوم.

الموت قادم والوباء الفتاك

تم فرض الحظر على الجميع وتحولت المدن في لحظة من الزمن إلى مدن فقدت كل مظاهر الحياة التي كانت تعج بها وبالحركة والنشاط، أصبحت المدن مهجورة خالية لا حياة فيها، فالشوارع والطرقات والمطاعم والمحلات والمدارس والمسارح والمتاحف ودور السينما والحدائق والمزارات مغلقة.

ومن أعجب الأمور حتى السفن المبحرة في وسط البحار أصيبت بنفس الداء حيث ترفض الموانئ استقبالها خوفاً من انتشار الوباء.

التعليمات والتحذيرات والاحتياطات فاقت كل وصف أو تخيل، أغسل يديك عشرات المرات ولا تلمس ولا تقترب ولا تسلم ولا تقبل ولا تتكلم ولا تختلط، ضع كمامة على أنفك وقفاز في يديك أمور لم يتعود عليها هذا الكائن في حياته العادية، فهو يعيش اليوم على المطهرات، فأين أين أنت يا بني آدم، أين نشاطك وقوتك وسلطانك وجبروتك وشموخك وغرورك وكبريائك وطموحك وعلمك، أين أسلحتك التي تنتجها في مصانعك وأين ترساناتك الحربية من دبابات ومدرعات وصواريخ وطائرات وبوارج وغواصات وقنابل ذرية مدمرة فتاكة، أين كل ذلك الذي أصبح عاجزاً في التصدي لهذا الفيروس المتناهي الصغر حتى أصبحت أسلحتك مجرد حديد صدئ في أماكنها وخردة لا تنفع ولا تصلح ولا تعمل، ولم تستطع ولن تستطيع أن تمنع انتشاره الذي يحصد أرواح البشر ويخترق الأماكن والأبواب المغلقة والقلاع الحصينة والقصور الشاهقة والمنازل المشيدة ولا يفرق بين ملك وعبد بين عالم وجاهل، بين عني أو فقير، رجل أو أمرأة، رأينا رؤساء وأمراء وأغنياء ورجال أعمال ولاعبي كرة قدم مشهورين وفنانين وأطباء لم يفلت أحد من هذا الوباء الفتاك وحتى هذه اللحظة يفشل العلماء والباحثين رغم عظمة علمهم وخبرتهم أن يكتشفوا لقاحاً أو دواءً فهم يدورون حول أنفسهم ويصرخون أين المفر والمهرب والمخرج.

العالم كله ضربه الفيروس الخطير وكل يوم الإصابات تتزايد بالملايين والموتى بعشرات الآلاف والذين يتلقون العلاج مئات الآلاف على أمل الشفاء بالرغم من الانعزال والاختباء ويعيش الآن في قمقم وهو لا يدري أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة، الموت قادم، ويتردد السؤال:

أين أنت يا إنسان؟

فيصرخ: إني خائف وعريان ومختبئ وفي انتظار مصيري ولا أعرف أو أعلم من أين يأتي هذا الوحش الكاسر والوباء القاتل والفيروس الجامح.

دور الإعلام في تلك المحنة

مازال الإعلام الفاشل الفاسد الساقط في ممارسة هوايته المسمومة في إشعال نيران الفتن وإثارة ونشر الأخبار المفزعة المفجعة عن هذا الوباء في كل مكان بالعالم، فهذه الإصابات وتلك الوفيات وإشاعة أجواء الإحباط والاكتئاب واليأس والرعب ربما تأثيرها السلبي أكثر ضراوة من الموت نفسه بهذا الفيروس.

لقد كان الإعلام قبلاً مصدراً للأخبار السيئة وإذاعة الأحداث والمبالغة في الصراعات والحروب في مناطق العالم والعمل على تأجيج وتأليب الدول على بعضها والمزايدة على إشعالها في كل مكان ومنذ بدأ غزو الفيروس توقفت نهائياً عن ترديدها وأصبح الخبر الأول والأخير هذا الفيروس مما يكشف دورها القبيح ودورها القذر في تدمير العالم لصالح الدول العظمى المنتجة للسلاح لتسويقها في تلك المناطق الملتهبة من الحروب مثلما ما يدور في منطقة الشرق الأوسط وبدلاً من إذاعة أخبار مطمئنة ومفرحة ومبشرة وإضفاء الأجواء الإيجابية تحولت إلى أداة فاشلة ساقطة تحاول تدمير البشرية بشتى الطرق وبكل وسيلة ولا يهمها إن كانت حروب وقتال أو وباء فتاك فإن هدفها معروف ومفضوح ومكشوف والحل الوحيد هو عدم الانسياق أو الاستماع لتلك الأخبار.

توابع زلزال الوباء         

واضح أن الناجين من هذا الوباء لو قدر لهم النجاة سوف يتعرضون إلى هزات نفسية قاسية ربما يحتاجون إلى خضوعهم للعلاج النفسي مدد طويلة لأجل التعافي والعودة للحياة مرة أخرى.

لا أظن أن العالم يستطيع أن يفكر حالياً في مدى الخسائر التي يتكبدها أو حجم الآثار السلبية التي حاق باقتصادها خاصة الدول الفقيرة والفترة الزمنية الكافية للرجوع إلى عافيتها وانتعاش اقتصادها.

والشئ السيئ الآخر نتيجة نقص المواد الغذائية والمنتجات الزراعية وعدم تداولها وصعوبة نقلها من مكان لآخر والقيود المفروضة على البعض منها مما ينذر بحدوث مشاكل قد تصل إلى حد المجاعات وربما ستكون نتيجتها ضحايا يفوقون حجم ضحايا فيروس كورونا !.

مازالت ميديا الإعلام تحتفظ بتلك المعلومات والتحليلات والأخبار لحين العودة لتقوم بدورها القذر وممارسة هوايتها في إثارة الرعب والخوف والهلع لترجع ريما لعادتها القديمة ويرجع بني آدم لممارسة حياته ومع الأيام ينسى ما حدث له ولن يتعظ أو يتعلم من حكمة انتشار هذا الوباء في العالم كله.

وسوف يلاحظ فور الانتهاء من هوجة هذا الفيروس الرجوع لأخبار الحروب والصراعات بين الدول وتظهر الجماعات الإرهابية ممارسة لأعمالها التخريبية في المناطق الملتهبة مرة أخرى وسوف تشهد منطقتنا زيادة متوقعة وضحت بوادرها منذ أيام في نشر الإشاعات والأكاذيب والتجهيز لعمليات وانفجارات، إنها فرصة ذهبية للجماعة الإرهابية خاصة الإخوان المسلمين في استغلالها وإثارة الفتن وزعزعة النظام.

وكما ضرب الإرهاب والصراع في العالم الإسلامي ومن المنتظر والمتوقع انتشار الإلحاد والإباحية والانحراف الأخلاقي في العالم الغربي بصورة مفزعة ربما تفرض سطوتها وجبروتها وقوتها على بقية الخلق من الضعفاء والجهلاء الآخرين وينغمس العالم كله في الانحدار في المستنقع ولن يستفيد من الدروس أو العظة أو التجربة التي مر بها بالفعل من فيروس كورونا فقد كانت تجربة حقيقية لنهاية العالم وتحذيراً للبشر حتى يعودوا لله طالبين الرحمة والغفران ولكن إذا واصل الناس العناد والنسيان والعمى مرة أخرى حتماً ستكون الضربات القادمة أشد قسوة ووجعاً ولن يفلت منها أحد.

إنه جرس إنذار لكل البشرية ليعلم الجميع ما هو الخطأ وما هو الصواب وأين الطريق المستقيم والطريق المعوج ونهاية كل منهما ؟

وواضح تماماً أن العالم قادم إلى عصر جديد .. عصر آخر مختلف تماماً عما سبق وسيتم تحديد تاريخ فاصل بين ما قبل الفيروس وما بعده، وأن المتغيرات التي ستحدث ستكون على المستوى الفردي الشخصي أو المستوى الدولي وأنها ستكون حادة وقاسية لا يستطيع أي إنسان مهما بلغ علمه وخبرته وحكمته أن يحدد ماذا سيحدث إن كان للأفضل أو للأسوأ !

علينا من الآن أن نستعد نفسياً لقبول هذا التغيير والانتظار لانفراج الغمة والمحنة والتجربة ومحاولة الإفلات والنجاة بسلام في الوقت الحالي.

أمثال عامية تخص الموضوع:

جالك الموت ياتارك الصلاه

إللي يخاف من العقربة تطلع له أم اربعة وأربعين

مين دق الباب سمع الجواب

اللي بيروح مابيرجعش

اللي يخرج من داره يقل مقداره

اللي راجع الدنيا يبكي عليها

اللي سلم من الموت اتجنن

اللي قرصه التعبان يخاف م الحبل

زي العقربة تقرص وتلبد.

آخر الحياة الموت

إن عاشوا أكلوا الدبان وإن ماتوا مايلاقوش الأكفان

الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح

على مايجي الترياق من العراق يكون العليل مات

المتغطي بالأيام عريان

مين شاف الشر وجري عليه يستاهل ما يجرى ليه

 

شعر حلمنتيشي خاص بالحظر:

اقفلوا الأبواب بالضبة والمفتاح زي الزنزانات

أدعوا لرب العباد يجعل المنازل هادية بدون خناقات

ويتوفر لنا القوت الضروري لقمة صغيرة مع المأكولات

وأرفعوا الأيادي والقلوب بالصلوات

أن يرفع عن العالم الوباء والغلاء والأموات

ونفتح من تاني الأبواب والشبابيك والبلكونات

وترجع الضحكة الحلوة والأحضان والسلامات

ونقابل الأهل والأصحاب بالقبلات

ترجع لينا رحلات القطارات والطائرات

ويعيد علينا الأيام المباركة مع كل التمنيات

ونهتف مع الأهل والأصدقاء بالدعوات

ونصرخ لله بالتهليل والابتهالات

ونشكره على كل حال يارب الكون والمخلوقات

وناخد الحذر والالتزام بالتعليمات

بإذن الله نقضي على الوباء والفيروسات

ربنا يرحم كل الأموات ويشفي كل الاصابات

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

فرجت وكنت أظنها لن تفرجُ