أخبار عاجلة
اليابان تعتزم استئناف تمويلها للأونروا -

أمل جمال تكتب: العلاج بالفن التحدي وصناعة البهجة

أمل جمال تكتب: العلاج بالفن التحدي وصناعة البهجة
أمل جمال تكتب: العلاج بالفن التحدي وصناعة البهجة

ليست هي المرة الأولى التي سأكتب فيها عن الفن وأهميته في تحسين الحالة الصحية للمرضى بشكل عام. ولن أتطرق إلى مشروعنا كعائلة في التعامل مع الأطفال المحاربين لمرض السرطان. المعروف بورشة جدو محمد كتجربة نشارك أبطالها الفرح في محاولة للانتصار على الألم. فما يهمني اليوم هو العودة إلى الوراء لمعرفة أصل الحكاية. نقول ببساطة إن الأمر يرجع إلى علم النفس يرجع إلى ربط الفن بالحالة النفسية التي تتحسن. فترتفع مناعة المريض ويكون أكثر مقاومة للمرض وأكثر سرعة في الوصول إلى الشفاء. في هذا المقال سأتحدث عن اللون والخطوط والوجوه. عن الفن التشكيلي. عن قدرة المريض على الرسم أو حتى التلوين وما يحدثه من أثر إيجابي في نفسية المريض لأنه يعبر عما بداخله من مشاعر العالم أو تجاه أزمته أو أن يلون رسوما جاهزة. يضع اللون الساخن بجوار البارد أو يضع اللون الساخن بدرجاته ثم يلامس درجات جديدة تخلق حالة من الانسجام الذي يريح العين، ويستغرق العقل في خلق الجمال، وكأنه انتقل إلى بعد آخر من السكينة خارج حيز المرض وجدران المستشفى والعالم المختزل في سرير آخره حدود غرفة بجوار أخرى في ممر طويل. هناك بحث مشهور قام به مهندس معماري أمريكي اسمه روجر أولريتش أثبت من خلاله أن الفن يمكن أن يكون من العوامل التي تسهم في شفاء المرضى. ربما الفكرة ليست بجديدة، فقد أشار إليها علماء مسلمون قدماء ولم يقصروا الأمر على الرسم بكل تأكيد، وإنما على الموسيقى أيضا. أما الفيلسوف الكبير جون ديوي فقد شرح تأثير الرسم من وجهة نفسية في كتابه" الفن خبرة " الذي تحدث فيه القيم الجمالية بوصفها " تعبيرًا عن تجربة (خبرة) مشتركة" لا بوصفها "ظاهرة على حدة" أي أن التعبير الفني لا بد أن يكون مرتبطا بحياة الفرد وتجاربه. وفي تتبعنا هذا يجب أن نكون منصفين، ولا ننسى ذكر أول من نادى بالعلاج عن طريق الفن في عام 1942، وهو الفنان أدريان هيل الذي اكتشف الفوائد العلاجية للرسم والتلوين، وحينما كان مريضا ومقيما في المستشفى. كان مصابا بالسل وقتها. وأثناء تواجده بالمصحة بدأ بالرسم وأطلق طاقاته الإبداعية وحسب قوله استطاع" بناء دفاع قوي ضد مصائبه" واقترح على زملائه من المرضى أن يفعلوا نفس الشىء أن يلونوا ويرسموا. ثم بدأ عمله بالعلاح بالفن ووثق ذلك في كتابه " الفن ضد المرض" 1945. إن ما أعطاني فكرة هذا المقال لم يكن مرضي الأخير المعتاد من الحساسية. في الحقيقة كان هناك سببان آخران أولهما مشاهدة فيلم- أتذكر أكثر حينما أرسم- وهو يعرض لأمراض الشيخوخة وخرف الشيخوخة، وكيف يعيد الرسم تواصلهم مع الحياة والعالم مرة أخرى. وثانيهما هو مشروع التخرج للشاب الفنان الرائع محمد المعتصم ابن كلية الفنون الجميلة بالمنصورة، والتي أعرف قدر الموهوبين بها وتميزهم بدعم ورعاية عميدها الدكتور عمر غنيم. حيث خصص محمد المعتصم مشروع تخرجه ( العلاج بالفن ) إلى طاقة نور. وتجربة يمكن تطبيقها بسهولة في المستشفيات وهي تجربة تستحق الإشادة تخلص بها محمد من ضغط وقلق الحياة الذي قد يوصل البعض إلى الاكتئاب. محمد لم يتخذ الألوان سلاحه في تنفيذ مسروع تخرجه فقط، وإنما زادها بقراءته في علم النفس وتأثير الألوان وطريقة التعامل مع المرضى. والأجمل من كل هذا هو اختياره من الفن ما يتحرك ويصعد إلى غرف المرضى ويسعدهم ويفرحهم ويعطيهم الفرصة للتحرر من الألم والتعبير عما يدور بداخلهم من مشاعر أو على الأقل يفصلهم عن ألمهم لساعات يلونون فيها مدة بقائهم بسرير المرض بألوان مبهجة تنتصر للحياة. شكرا للمعتصم نموذجا لواحد من شباب مصر النبلاء.