أخبار عاجلة

صفوت عطا الله يكتب: قول للزمان ارجع

صفوت عطا الله يكتب: قول للزمان ارجع
صفوت عطا الله يكتب: قول للزمان ارجع

لا أظن أو أتصور أو أتخيل إنسان على وجه الأرض كلها يمر بظروف أو أحوال أو أحداث ومصائب وكوارث أقصى وأصعب من تلك الجائحة أو الوباء الغدار المدمر الذي يقضي على الكثيرين بكل قسوة ووحشية ويسلب منهم أغلى ما يمتلكون وهي نسمة الحياة وحتى إن قدر له النجاة يترك هذا الفيروس اللعين بصماته ومشاكلة كتذكرة بهذا الداء الفتاك وبطبيعة الحال خلاف حالة الخوف والرعب والقلق والألم والاحباط داخله ومن حوله، أين المهرب وأين يذهب حتى لو كنتم في بروج مشيدة تدرككم كورونا، فكم من أشخاص انعزلوا عن الحياة تماماً وإلتزموامنازلهم وبالرغم من ذلك تمكن منهم هذا الفيروس الفتاك وقضى عليهم، وهنا يتوقف العقل عن التفكير ويصمت اللسان ويجفف دموعهويسأل لماذا كل هذا؟، هل هو عقاب إلهى للبشرية، أم هي تجربة قاسية للامتحان أو قضاء وقدر أم أنه فيروس يهاجم الكرة الأرضية، لقد اصبح اليوم  شئ عادي وطبيعي أن نسمع ونرى الاحصائيات والنشرات الاخبارية اليومية والعلم والعلماء عاجزون في القضاء عليه سوى تلك اللقاحات المتداولة في الأسواق على أمل ورجاء ولكن تأتي الأنباء عن سلالات جديدة ويتطور الفيروس كأنه يخر منا ويخرج لنا لسانه ويضحك علينا معلناً انتصاره ويبرز جبروته وقوته ووحشيته أيضاً ويتحدى العلماء بل والبشرية كلها.

دوام الحال من المحال ومن المستحيل أن عود الزمان ويرجع لعهد الأمان والاطمئنان والسلام، إنها مجرد أحلام فما بالك حينما يتمادى المرء ويتمنى الكثير وأردد القول التعجيزي العودة للزمن الجميل ليس على المستوى الفردي فقط وإنما على مستوى المجتمع والوطن كله على سبيل الأمنيات في أول العام.

ومن حسن حظنا نحن الجيل الذي عاصر وشاهد وعاش فترات من الزمن الجميل والعلاقات الإنسانية وممارسة العادات والتقاليد الراقية والمجاملات والمشاعر الرقيقة ومع الأيام والتغير والتحول والتطور هناك شيئاً ذهب مع الريح ومازال يراودني الأمل والتفاؤل أن نستعيد حتى القليل منه خاصة في تلك الأجواء والضيق والأزمة المتحكمة من وباء كورونا، إنها محاولات متواضعة لاسترداد إنسانية الإنسان وأخلاقياته الضائعة وطبيعته الأولى التي ربما تكون هي الأمل الأخير وسبباً حقيقياً في القضاء على هذا الوباء القاتل وهزيمته، تعالوا معاً نخلع ثوب المظاهر الكاذبة  والتصرفات الخاطئة والسلوكيات السيئة والتدين الشكلي ونسقط كل الأقنعة المزيفة المدمرة لحياتنا الجميلة.

بمنتهى الصراحة علينا ( فقط ) الاعتراف بالداء والمرض والحالة المزرية التي وصلنا إليها حتى يسهل علينا تحديد العلاج والدواء المناسب الفعال أقصد الإنسان والمجتمعوالدولة ولا شأن لي إلى وباء كورونا الآن.

 

كنا وأصبحنا...

لتقريب وجهة نظري سأقوم بعمل مقارنة بسيطة بطريقة كُنا واصبحنا على ثلاثة مستويات وهي على الترتيب: النفس البشرية – المجتمع – الدولة بين الماضي والحاضر.

 

النفس البشرية:

لعل الكثير تمر عليهم ذكريات جميلة لزمن جميل يعتبر طفرة في حياتنا لم يستمر طويلاً وكلما نغوص فيه ونسترجع تلك الحقبة يتولد فينا اصرار عجيب لإبلاغ الأجيال الجديدة عظمة وحلاوة وجمال ورقي هذا العصر، فبلادنا المصرية لم تكن المدينة الفاضلة ولكنها كانت كسائر الشعوب، أغلبيتها العظمى تتسم بصفات خاصة ومميزة من بشاشة وجه ونقاوة قلب وروح هادئة ونفس شبعانة مع رضا وقناعة وأمانة وإخلاص وشهامة ورجولة، كذلك كانت تلك الغالية تتمتع بالتسامح والكلمة الرقيقة وقوة التحمل والتضحية والمجاملات في الأفراح والأحزان، ربما تلك هي العلامات القليلة من كثير كانت تتمتع به هذه الغالبية في سلوكها الطيب، وأقف وأنظر خلفي وأسأل باستغراب أين ذهب كل ذلك ثم أستسلم قائلاً: حقاً لن تعود لنا مرة أخرى، وهل النفس البشرية الآن تمر بحالة مرضية كارهة للحياة وحاقدة وناقمة ومتمردة وقلوب قاسية وعقول متحجرة ونفوس مريضة بالكراهية والتعصب والحقد وجفاف العلاقات الإنسانية وجمود في المشاعر والعواطف والطمع والرشوة وانحدار في الأخلاق، والغريب والعجيب أن أعين الكثير طمست والعقول أغلقت والأكثر من ذلك عمى البصيرة التي وضعت جداراً سميكاً وعالياً يحجب مجرد التفكير أو الرجوع إلى النفس مجرد مقارنة بين ما كنا عليه وما اصبحنا نعانيه دون أن ندري خطورة الانجراف خلف ذئاب مفترسة وضعت أقنعة الحملان وتسوق القطعان إلى هاوية وضاعت معها معالم الإنسان المصري البسيط وشوهت صفاته وأخلاقياته وانسانيته تحت أكاذيب ومفاهيم خاطئة ومبررات وحجج واهية سواء كانت بدعوة التطور أو استخدام الدين كستار بغرض السيطرة على العقول.

مجرد قراءة للحوادث حيث نكتشف بشاعتها وقسوتها خاصة حالات الاغتصاب والخطف والتحرش وزنا المحارم واستباحة الدم والمال والعرض حتى نتأكد من مدى انحداره إلى مستنقع عفن قذر مصيره بالتأكيد هو الضياع والموت وليس أمامنا مفر سوى أمر واحد هو أن يفيق الانسان من غفلته ويحاول اصلاح نفسه بنفسه وتصحيح مفاهيم خاطئة وأفكار شاذة والرجوع لأصول الدين الصحيح وتعاليمه السمحة السامية والتمسك بالعادات والتقاليد الأصيلة وعدم الانجراف أو الانسياق خلف تجار الدين الجدد أو الفضائيات التي تغذي روح الاحباط واليأس وكذلك البعد عن المظاهر الشكلية حيث كل ذلك يحتاج إلى جهد وعرق وكفاح يبذلها الإنسان العادي لإنقاذه قبل استفحال المرض.

 

المجتمع المصري:

كان هو صمام الأمان لحفظ مجموعة العادات والتقاليد والأعراف المتوارثة الأصيلة التي يمارسها الأشخاص بكل دقة ويحاول الحفاظ عليها من الضياع والإندثار وكانت تعرف صفوة المجتمع بصفوة الحكماء والعقلاء وهم مسئولين عن تطبيق وتنفيذ هذه المسائل وتشجيع الناس عليها، ولعل من أوضح الصفات المتعارف عليها هى علاقات الجيران وطبيعة التعامل اليومي مع بعضهم البعض بغض النظر عن أي اختلاف ديني أو ثقافي أو اجتماعي وكانت العلاقات الإنسانية واضحة وأفضل وأروع وأجمل ما في الحياة المصرية تصل لحد الثقة التامة بين الأشخاص ومحافظة المال والعرض بعضهم لبعض وكذلك المجاملات الرقيقة خاصة في الأفراح والأحزان وتبادل الزيارات في المناسبات ظاهرة تنفرد بها الأسر المصرية والمجتمع المصري عن باقي بقاع العالم.

والشيء الملفت في المجتمع هو قدسية الكلمة التي كانت كالسيف على الرقاب عند النطق بها تتفوق على أي مستند مكتوب أو اتفاقية أو ميثاق مسجل، كانت الفوارق الطبقية ليست كبيرة سواء في مستوى التعليم أو الثقافة أو الناحية المادية وكانت القلوب غنية والنفوس نقية والنيّات صادقة والعقول متفتحة، كان المجتمع بمثابة أسرة كبيرة متعددة الأفراد والأشخاص ويحملون جميعهم مبادئ وتقاليد وعادات ثابتة وفكر واحد ورأي واحد ومشورة واحدة، اصبحنا بعد انقراض تلك الفئة المميزة في المجتمع نعاني من فئة أخرى من المتشددين وآخرين من اصحاب الأفكار المنحرفة والآراء الملتوية والأقوال المعسولة والتفاسير الخاطئة حيث يخدعون بها البسطاء لتضيع دفة الوطن وتتغير الموازين وتتبدل المفاهيم التي اصبحت تحارب العادات والتقاليد باعتبارها ضد الدين وفرض منطق القوة على العدل والحق ومزقت الروابط الانسانية تحت مظلة سيطرة العرق والديانة، وانفك العقد الواحد إلى حبات متناثرة متباعدة ولم يعد المجتمع أسرة واحدة وتحولت العلاقات والجيرة والمعارف إلى أعداء وقسم المجتمع إلى ( فسطاط ) مؤمنين و( فسطاط ) كفره، حلال وحرام، جنة ونار، تحت شعارات وفتاوى حتى فقد الناس الثقة والأمان الذي حل مكانهما الطمع والقسوة والكذب والغش والخداع والجشع وضاعت معالم المجتمع الجميل وبمرور الوقت جاءت أجيال لا تعلم أو تعرف عن هذا الزمن شيئاً بعد أن حل زمن آخر ردئ بالرغم من ارتفاع نسبة المتعلمين فيه وارتفاع مستوى الناس الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، زمن ردئ أصبح فيه انقسام المجتمع سمة غالبة وتشرذم الناس وتناحرهم وتصارعهم طبيعة واضحة، إلى جانب الآراء المختلفة والتصرفات المستهجنة حيث الكل يحاول فرض رأيه ومنطقه على الآخرين بالقوة والإرهاب الفكري لدرجة أننا في هذا الزمن تركنا الأصل وتمسكنا بالفرع الهش وتركنا الجوهر وتشبثنا بالمظاهر.

 

الدولة:

لا يختلف أثنين على أن الفترة الذهبية والزمن الجميل الذي مر على مصر كان منذ إعلان استقلال مصر عقب إلغاء الخلفاء الإسلامية في تركيا بثورة كمال أتاتورك وتخلي مصر عن تبعية الباب العالي العثماني ووضع دستور 1923م وحتى تحولها للنظام الاشتراكي بقرارات التأميم عام 1961م وضح تماماً أمام الجميع مظاهر الدولة المدنية بكل معالمها وسلوكها ونظامها في كافة المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية والأدبية لكن حدثت ردة في كل شئ وانحدرت القيم والأخلاقيات والمبادئ منذ فروع التطرف الديني وميول الدولة ناحية التأسلم السياسي برعاية الرئيس السابق أنور السادات واستمرارها بقوة طوال فترة الرئيس حسني مبارك حيث اختلط الدين بالسياسة بل وبكل مناحي الحياة ومن الغريب أنه كان من المنتظر عقب الصحوة الدينية وانتصار أكتوبر أن يرتفع الإنسان المصري بسلوكه وأخلاقه وتصرفاته بمنتهى الصراحة والشفافية حدث العكس بصورة مفزعة ومرعبة ومخيفة حيث سقط الانسان وسقط المجتمع وسقطت الدول في مستنقع الانقسام والانحراف والصراع وزاد الفساد وزادت الرشوة والمحسوبية وانعدام الضمير لكل طبقات المجتمع وأطيافه، واصبح المنطق السائد والمسيطر على المشهد قانون القوة والميل للفكر المتشدد والمتطرف والإرهاب الفكري، وانحسار تام لبنود الدستور ومواد القانون وكأنهما حبر على ورق فضاعت معالم الدولة المدنية خاصة عقب استيلاء جماعة الإخوان المسلمين وحتى قيام ثورة الشعب وإزاحة تلك الجماعة الإرهابية من مصر مما أحدث شرخ وانقسام وظهور بوادر العمليات الإجرامية ومع كل ذلك نرى العجب من ادعاء الأغلبية بالتحلي بالصفات الحميدة والأخلاق السديدة وفي الواقع الحقيقة عكس ذلك تماماً عملاً بالمثل القائل: اسمع كلامك اصدقك اشوف أمورك استعجب.

إذا كنا نرغب في التغيير الحقيقي للأفضل علينا تطبيق مبدأ ( قوة القانون ) وإعلاؤه فوق بلطجة ( قانون القوة ) عندها فقط سنتحرر، سنشعر بالأمان والعدل ويبدأ من هنا المجتمع ومعه الدولة في الانطلاق دون ضغوط أو خوف من سيطرة المؤسسة الدينية.

 

بالمختصر المفيد في عودة الزمان:

يلاحظ هنا أن العلاقات السوية الجميلة التي كانت يتمتع بها الإنسان المصري والمجتمع المصري كانت تبدأ دائماً من القاعدة الشعبية الراسخة والممثلة بالنفس البشرية ثم تصعد باسلوب نموذجي راقي إلى عموم المجتمع وبالتالي تظهر الدول وهي مرآه حقيقية على المستويات التنفيذية أو التشريعية أو القضائية وكذلك يكون لها تأثير إيجابي على باقي مناحي الحياة، لهذا كنا نرى مصر الجميلة والزمن الجميل في كل شئ وعلى كل شئ وعندما تغيرت الأحوال بدأ الانحراف من أعلى السلطة متدرجاً إلى أسفل حتى وصلنا إلى القاع والهاوية والمظهر السيئ.

كان من المنطقي والطبيعي أن يبدأ الاصلاح والتصحيح من بداية النفس البشرية وصعوداً إلى أعلى الدولة ولكن بعد تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ سبعة سنوات وهو يحاول بكل جهد بصفته أعلى هرم السلطة في الدولة عملية الإصلاح التي للأسف لا يجد المساندة والمعونة والمساعدة من باقي اطياف الشعب ولكن توجد عوائق وصعاب وهو الأمر الذي قد يجعل الاصلاح يأخذ وقتاً وجهداً أكبر لا حداث التغيير على مستوى الإنسان والمجتمع للعودة إلى ما كنا عليه في ماضي الزمن الجميل.

لعل كان محمد علي أوائل القرن التاسع عشر تأسيس نهضة مصر الحديثة عندما واكب التطور والتعليم والتصنيع حتى جاء القرن العشرين بمظاهر ورواد النهضة المصرية بداية من الشيخ محمد عبده ورفاعة الطهطاوي والأخوين علي ومصطفى عبد الرازق وهدى شعراوي وقاسم أمين وأحمد  شوقي وحافظ إبراهيم وطه حسين وسلامة موسى وطلعت حرب ومحمد عبد الوهاب وأم كلثوم ونبوية موسى وسعد زغلول ومصطفى كامل ونجيب محفوظ ومئات أنجبتهم مصر لهذا يتولد في داخلنا احساس وأمل ورجاء واطمئنان أن مصر ولاّدة وقادرة على النهوض من كبوتها وتعود مرة أخرى نحو غد مشرق ومستقبل أفضل وحياة أجمل وزمن جميل أكثر من الماضي الذي نتغني به.

إن مظاهر وبوادر الدولة الدينية نراها ونشاهدها واضحة تؤكد لإصدار الدولة على تنفيذها والقفز إلى مصاف الدول المتقدمة ومنتظرين تغيير الفكر والعقل الانساني لتكتمل الحلقات الثلاث: النفس البشرية، والمجتمع، والدولة، لنعيش في زمن جميل مرة أخرى.