أخبار عاجلة

خالد منتصر يكتب: عقلية الإنتصارات الوهمية

خالد منتصر يكتب: عقلية الإنتصارات الوهمية
خالد منتصر يكتب: عقلية الإنتصارات الوهمية

" طالبان تنتصر " التريند على تويتر في مصر هذا الأسبوع ، وهذا خبر كارثي لو تعلمون ،أن يكون لديك على أرض هذا الوطن عدد لابأس به ممن لايزالون مقتنعين بأن طالبان هي ممثل الإسلام ،وأن إنتصارها هو إنتصار وعزة للإسلام ، يستدعون القاموس التراثي ويسمونه فتح كابول وغزوة قندهار ، هناك من يشاهد مناظر السبي وبيعهن في الأسواق وذبح البشر على الهواء ورجم النساء بمنتهى القسوة والبشاعة ،ويصفق ويقول هاهو الإسلام قد إنتصر! بيننا من يرى في طالبان النموذج الذي يحلم به ، طالبان التي كانت أولى قراراتها منع لقاح كورونا ،طالبان التي طاردت قوافل تطعيم شلل الأطفال بحجة أنه مختلط بدهن الخنزير ويسبب العقم ! طالبان التي تحرم زرع الأعضاء لأنه تأجيل لمشيئة الله ! المشكلة أنك لو تابعت من يبتهج ويفرح لإنتصار طالبان ستجد أغلبهم من الشباب ،وهذه مأساة أخرى تجعلنا نناقش العقلية الإسلامية المعاصرة وماهو معنى الإنتصار عندها ؟ لم يكن هذا التريند هو الوحيد المعبر عن ملامح العقلية التي تتبنى هذا النوع من الإنتصارات الوهمية ،فقد حدث في الأيام الأخيرة نفس الشعور بالفخر والإنتصار مع أحداث أخرى متتالية لو ربطناها في خيط واحد لإكتشفنا كم البؤس الذي صار يحتل أمخاخنا ، فقبل الإحتفال بإنتصار طالبان كما أطلقوا عليه ،إحتفلت نفس القبيلة بإنتصار من نوع آخر أقامو ا له الأفراح والليالي الملاح ، وهو دخول لاعب ريال مدريد البلجيكي إلى الإسلام ونطقه للشهادتين ،برغم أن اللاعب لم يعلق على هذا الخبر ولم يذكر شيئاً من بعيد أو من قريب يشير إلى ذلك،وبرغم أن المصدر هو الويكيبيديا التي من الممكن أن يضيف إليها أي شخص أي أكاذيب ، لكننا بالرغم من كل هذا وبدون أي تحقق أو توثيق جعلناه "ترينداً" عنوانه اللهم أعز الإسلام باللاعب هازارد! كما فعلنا من قبل في إسلام اللاعب ميسي وكانت فضيحة عندما خرج أحد الدعاة علينا في الفضائيات يعلن أن ميسي قد نطق الشهادتين ! وبالطبع كان الخبر مضروباً من أضغاث أحلام فضيلة الداعية المشهور ،وللأسف حتى هذه اللحظة لا أعرف لماذا ننفرد دوناً عن بقية شعوب وعقائد وجنسيات العالم بهذه الفرحة العارمة بدخول نجم كرة أو سينما إلى الإسلام!؟ لماذا لاأري الصينيين يحتفلون بدخول نجوم هوليوود إلى البوذية مثلاً ؟ لماذا لم أسمع عن أن الهند نشرت في صدارة النشرات الإخبارية عن إعتناق ستيف جوبز صاحب Apple للديانة الهندوسية وأن التريند قد أصبح في نيودلهي الهندوسية تعتز بجوبز ؟! ببساطة هم أناس واثقون من أنفسهم لايحسون بأي دونية ،غارقون في تحديث بلادهم بالعلم والعمل ، لايسكنهم وسواس أن دينهم سيضيع إذا لم ينضم إليه ألتراس جديد ،ويعرفون أن هذا الوسواس لو سكنهم فإنهم بتلك التصرفات يهينون الدين ويعتبرونه هشاً يحتاج إلى دعم فنان أو لاعب كرة أجنبي، قبلها بأيام حولنا إنتصار فتياتنا في الأولمبياد لإنتصار ديني ،وكان التريند هو إنتصار فتياتنا المحجبات ، تركنا وصف المصريات لنردد وصف المحجبات ،وإنقلب الموضوع إلى أن إنتصار البطلات هو إنتصار للدين لا الوطن ، وتناسى جمهور التريند أن الصين واليابان وأمريكا وكوبا حصدوا أكثر من نصف الميداليات ،وبمنطق أصحاب تلك العقلية البائسة من حق تلك الدول أن تقول أنه إنتصار للمسيحية الأمريكية أو البوذية الصينية أو الشنتو الياباني أو الشيوعية الكوبية ..الخ ،وقبلها إحتفلنا بإنتصار اللاعب الجزائري لأنه إنسحب أمام اللاعب الإسرائيلي ،والمدهش أنه إستقبل في المطار إستقبال الفاتحين ! السؤال ماذا أصاب عقل الأمة الإسلامية وجعلها تمارس كل هذا الكم من المغالطات المنطقية وضلالات الإنتصارات؟،ما الذي يجعلها تعيش تلك النشوة الزائفة بإنتصارات وهمية من نسج خيالهم فقط ، لتنظر بعدها إلى أرض الواقع فتجده مليئاً بالهزائم مشحوناً بالإنكسار لا الإنتصار؟، لماذا تلك العقدة التي تفرض علينا تديين كل شيء وصبغه بالصبغة الطائفية العنصرية ؟، إنتصارنا هو أن ننتصر للعلم والتخطيط والعرق والجهد والعمل ،وأن نعرف أن الدين هو الضمير قبل الطقوس ، وأنه لايكفي أن يحكم بلداً جلباب ولحية ونقاب لكي تتحول أوتوماتيكياً إلى جنة الخلد ، ومن العيب في القرن الحادي والعشرين أن نحتفل بمن يعيد أوطاناً إلى غياهب وسراديب الكهوف ! إنتصاراتكم تذكرني بكلمات المشهد السينمائي الخالد الذي يترنح فيه المقهور البائس وهو يصرخ "أنا مش عتريس ..أنا ستين عتريس في بعض".