إدوارد فيلبس جرجس يكتب : الـقيـامـــة

إدوارد فيلبس جرجس يكتب : الـقيـامـــة
إدوارد فيلبس جرجس يكتب : الـقيـامـــة
عنوان القيامة ليس هو العنوان الذي كان في فكري أن أكتب عنه ، لكن بعد أن كتبت عنوان " الحرب بين روسيا وأوكرانيا والكشف عن المستور " أحسست أن ما سأكتبه أسفله كلمات جوفاء لا معنى لها ، بل هي كلمات ممسوخة محملة باعوجاج العقول البشرية ومخضبة بالدماء وسياسات عاهرة ،  قباحتها فاقت قباحة بشر قبل الطوفان الذي غرقوا جميعا بأثمهم ، بعد أن خرجوا عن مسمى البشر والبشرية بأعمالهم الهمجية والتي أتصور أنها لم تكن تزيد عن همجية الأعمال الآن ،  بل قد تكون أقل كثيرا لأن همجية الآن أصبحت همجية يمكن أن أطلق عليها وبكل سخرية همجية راقية وهي أسوأ من همجية ما قبل الطوفان ،  لأنها تقتل وتخدع وترتكب جميع الفظائع بإسلوب العصر الحديث الأكثر فتكا بكل المبادئ تحت مسميات ومصطلحات الذي لا يفهمها يظن أنها من الإتيكيت العصري !!. لن أتعجب إذا استيقظنا يوما على طوفان آخر وإن كان الله وعد بعدم تكراره إلا أنه سيكون أسوأ من الطوفان الأول لأن الله سيترك البشر هم الذين يصنعونه بأنفسهم فيأتي أضل سبيلا من سابقه لأن الغرق سيكون في الدماء ، فهل تستحق الكتابة تحت هذا العنوان أن أترك مناسبة عظيمة وفريدة مثل قيامة السيد المسيح من بين الأموات دون تهنئة الجميع بهذه المناسبة العظيمة وأن أتحدث عن هذه القيامة حديث القوة بأنه لولاها لأصبحت كل الحياة باطلة تنتهي بانتهاء العمر والعودة إلى التراب دون أمل في حياة أبدية أفضل لا يمكن مقارنتها بالحياة الأرضية بأي حال من الأحوال . لا أستطيع أن تمر هذه المناسبة دون أن أتحدث عن الدماء الذكية التي سُفِكت من أجل جميع البشر والتي قال عنها السيد المسيح نفسه لتلاميذه وهو يقدم لهم الكأس في العشاء هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا . البشر الآن يسفكون دماء بعضهم وغاب عن عقلهم أن السيد المسيح سمح بسفك دمه من أجلهم ، ومن هم الذين سفكوه ؟!  أليس هم البشرالذين جاء من أجل خلاصهم من عقوبة الموت الأبدي !! بشر لا توقفهم سدود أو موانع عن أفعال الشر ، امتدت يدهم االآثمة والمجرمة وسفكت دم ابن الإنسان الذي هو ابن الله الذي جاء لخلاصهم ، أيادي كثيرة امتدت لسفك هذه الدماء سواء بالتآمر أو الخيانة أو العظمة الباطلة أو الخوف على المنصب أو المحاكمة الجبانة على يد الوالي بيلاطس الذي خاف على كرسيه وقدم لهم السيد المسيح ليصلب بالرغم من تأكده من براءته ولا ننسى الأيادي التي امتدت لتهزأ من السيد المسيح أو التي نفذت الصلب والذي طعن جنبه بالحربة . أيادي آثمة كثيرة وفكر أشد أثما من الأيادي . لكن هل انتهى السيد المسيح بموته على خشبة الصليب ؟ كما ينتهي أي إنسان عادي أو حتى نبي ، حاشا ، الصلب لم يكن سوى البداية لعهد جديد لخلاص البشرية من خطيئة حُكمهَا الموت وجاءت قيامته لتهنئ البشرية بخلاصها وفتح باب السماء أمامها ، قيامة مجيدة لا يمكن أن نصفها كاملة بكلماتنا الأرضية ،  لكن أولا أدعو نفسي بكل فرح وانتهز هذه الفرصة الهائلة في سعادتها وأقدم مرة ثانية تهنئة للجميع وكل عام وأنتم بخير وأفراح القيامة . الحديث عن القيامة المجيدة لا يمكن أن يُجمل في مقال أو كتاب أو مجموعة من الكتب لأن الصلب والقيامة مرتبطان بحياة السيد المسيح على الأرض وبالتحديد الفترة التي قضاها بين الناس والتي انتهت بصلبه وقيامته وهى لا تتعدى الثلاث سنوات ونصف السنة والتي قال عنها التلميذ يوحنا البشير بأنها لو كتبت فيها الكتب فالعالم نفسه لا يسع هذه الكتب ، ولو تأملنا السيد المسيح وهو على الصليب والتي تحتاج لقوة خيال جبارة لتستعيد هذا المشهد الرهيب والإيمان القوي بأن هذا الذي صُلب بين لصين هو رب المجد ، مشهد لم تنجح الكتب ولا ماجاءت به السينما أن تبرز ولا حتى واحد من المليون من جوانبه ، نعم قد يكونوا قد نجحوا في تصوير أقصى درجات العنف الذي عومل به السيد المسيح من جلاديه ومن قاموا بصلبه ، لكنهم لم ينجحوا ولم ولن ينجح أحد في تصوير الرهبة التي تحيط بالمشهد ككل ، رهبة حتى الذين قاموا بصلبه ، رهبة داخلية لكنهم مجبرون على التنفيذ لأن عصيان الأمر قد يقودهم إلى الموت من رؤسائهم ، رهبة تحولت إلى إيمان بعد ذلك فالذي طعنه بالحربة آمن وقائد المئة آمن وبالتأكيد ليس هم فقط بل الكثيرين من الذين كانوا ينظرون صلبه آمنوا وحتى إن لم يأت ذكرهم في الكتب ، الرهبة هي التي دعت اللص اليمين أن يطلب منه أن يذكره في ملكوته ، آمن بالملك السماوي بالرغم من أنه كان معلقا ومصلوبا مثله بالضبط ، بالتأكيد كانت بداخله القوة التي يمكن أن تتقبل الإيمان ولو في آخر لحظة بالرغم من غرابة الموقف وأعماله الآثمة السابقة والتي انتهت في هذه اللحظة بتوبته . نفس هذه القوة هي التي دعت يوسف الرامي ونيقوديموس معلم الناموس أن يأتيا خفية في الليل خوفا من رؤساء اليهود ليكفناه . وفي نفس الوقت يبرز لنا على الجانب الآخر الاتجاه المخالف والمعاكس تماما ، الضعف البشري المُهلك أو موت الإحساس الداخلي تماماً الذي  اشترك فيه اللص اليسار الذي نطق بعبارات السخرية والمعايرة للسيد المسيح وهو واقع تحت الآلام نفسها وهو لا يختلف عن رؤساء الكهنة والشيوخ ومن نادوا بصلبه . السيد المسيح  منذ طفولته وحتى صلبوته في صورته الإنسانية " ناسوته " وهو معلق على الخشبة كانت تحيط به رهبة الملك السمائي " لاهوته " ،  ولم يشعر بها سوى الذي يملك الحس الإيجابي الذي كان يتمتع به البعض في ذلك الوقت نتيجة للصلة الحقيقية بالله التي بلا غش أو رياء ، الحس الإيجابي كان موجودا في سمعان الشيخ لأنه تعرف على الطفل يسوع وهو ابن ثمانية أيام عندما دخل به أبواه إلى الهيكل ليصنعا له حسب عادة الناموس وأخذه على ذراعيه وبارك الله وقال الآن تطلق عبدك بسلام  ياسيد حسب قولك ، لأنه كان أُوحِيّ إليه بالروح القدس أنه لا يرى الموت قبل أن يرى مسيح الرب وأيضا كان في نبية حنة المتقدمة في الأيام كثيرا وهي لا تفارق الهيكل بعد ترملها وقد وقفت تسبح الله وتكلمت عنه مع الموجودين وهو لا يزال طفلا ، إحساس إيجابي نحو طفل عمره ثمانية أيام لم يروا بعد أعماله أو معجزاته أو رهبته التي جذبت التلاميذ لأن يتركوا كل شئ ويلتصقوا به ،  وعلى الجانب السلبي أيضاً كان الكثيرون نتيجة لعدم وجود الصلة الحقيقية بالله  ، رؤساء الكهنة والفريسيين الذين عاصروا أعماله ومعجزاته وبالرغم ذلك لم يكن بداخلهم ذلك الحس الإيجابي الذي يمكن أن يقودهم للفكر المضبوط بأنه من المستحيل أن يقوم أي شخص بهذه الأعمال إلا إذا كان من الله فاتفقوا عليه وسلموه للموت والأدهى من هؤلاء يهوذا الإسخريوطي الذي كان واحدا من تلاميذ السيد المسيح الأثنى عشر بل وأمين الصندوق لكن لم يكن بداخله عمق الإيمان الذي يقود إلى النور فكان لصا وخائناً وأسلم السيد المسيح لرؤساء الكهنة وخيانة ليس لها مسمى وبالرغم من هذا كان يمكن أن يغفرها له السيد المسيح لو أن ندمه قاده للتوبة بدلا من الانتحار لأن الانتحار جاء نتيجة إحساسه السلبي نحو الإيمان بأن الذي اختاره ليكون تلميذا له هو رب المجد بذاته ، سلبية فتحت الباب للشيطان ليقوده قيادة أعمى الإحساس قبل البصر . قيامة السيد المسيح بعد صلبه وموته لا تؤخذ بمحدودية الفكر على أنها الموت العادي لإنسان أو ابن الإنسان أو حتى كنبي من الأنبياء فكيف لكل هؤلاء أن يهزموا الموت بقوتهم الذاتية ؟! ، نعم السيد المسيح كان نبيا ولا شك في ذلك فلقد كانت له رسالته التي دونها الإنجيليون الأربعة متى ومرقس ولوقا ويوحنا ، دونوها حسب ما رأوا وعاينوا بأنفسهم تحمل جوهرا واحدا وهو أن من قدم هذه الرسالة وقام بهذه الأعمال قام بها كنبي يدعو البشرية للتوبة ، لكنه جمع في ذاته أيضا كونه ابن الإنسان الذي ولد متجسداً من الروح القدس ومن السيدة مريم العذراء الطاهرة وابن الله النازل من السماء وهو الله المرئي في الجسد ، وبلهجة الدهشة والاستنكار يمكن أن تجد أي إنسان يستنكر كل هذا ويقول كيف يكون هذا ؟! ، كما دهش نيقوديموس معلم اليهود عندما جاء إلى السيد المسيح ليلا وقال له يامعلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الأيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه ، وأجابه يسوع وقال له الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله . فقال له نيقوديموس كيف يمكن لإنسان أن يولد وهو شيخ ؟. ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد! . أؤيده في دهشته لأنه  لم يفهم قول السيد المسيح لأن فكره كان محدودا بالناموس ، لكن أعتقد أنه فهم بعد ذلك بعد أن دارت مناقشة طويلة بينه وبين السيد المسيح وقال له السيد المسيح ضمنها إن قلت لكم الأرضيات لستم تؤمنون فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات ، وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء . نعم فهم نيقوديموس لكنه خاف على منصبه كمعلم لليهود وهذا الذي دفعه ليذهب ليلا ليكفن السيد المسيح  . أن الله الذي نتحدث عنه وتتحدث عنه كل العقائد ونؤمن به  ، كائن غير محدود في كل شئ أي لا يُستَوعب باللمس أو بالفكر أو بالعقل بل بالإيمان المطلق وحده ، الله هو روح لا نعرف أبعادها ولا مقاييسها ولا أحد قط يستطيع أن يصل إلى كنهها ، ففي سفر التكوين " أصحاح واحد عدد 2 " وكانت الأرض خربة وخالية وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه الماء ولو تتبعنا خطوات الخلق في ستة أيام بعد ذلك بما فيها الإنسان أتحدى إن كان أي أحد مهما كان جبروت فكره والذي يخضع في النهاية إلى اللامحدوية أن يستطيع رسم فكرة عن لله أو فكره أو عقله  أو حكمته أو قوته فهو الكائن الذي لم يره أحد ولا يستطيع أحد أن يستشعر بمثقال ذرة كنه هذه القوة الهائلة غير المحدودة ، وهذا يدعوني لأن أقول لكل من يستنكر أن السيد المسيح هو ابن الإنسان المولود من الروح القدس وهو ابن الله وهو الله الظاهر في الجسد ، هل تدهش أن كانت الروح والقوة غير المحدودتين ، اللتان تحملان الصفة اللاهوتية أن تظهرا على الأرض للبشر من أجل إنقاذ البشرية كلها وهو الذي خلقها بيده وروحه وأحبها منذ بدايتها ، لقد أحب الأباء الأوائل حتى قبل أن يوقع أول  شريعة على لوحي الحجر ويسلمها إلى موسى النبي ، لقد سار الله متمهلا مع خليقته حتى يصل بها إلى درجة معينة من الفكر حتى يمكن أن يُظهر لها ذاته الإلهية متمثلة في ابن الإنسان ، ليروه ويلمسوه ويروا معجزاته وأعماله التي لا يستطيع أن يصل إليها البشر مهما كانت قوتهم أو فكرهم ويختمها بصعوده على الصليب كأبشع موتة من أجل أن يعطي الإنسان الفرصة ليكون محررا من الموت الأبدي الذي كان محتما عليه منذ البدء ، ومنذ القيامة ونحن نعلم بأن هناك من آمن وهناك من لم يؤمن وهؤلاء هم الذين دفعوه بخطيئة تفوق خطايا بشر قبل الطوفان ليعلق على الصليب بين الأثمة ، لكنه برحمته الفائقة وتسامحه حتى مع الذين صلبوه قال: أمامكم الفرصة آتية لتتوبوا وأمامكم أكبر مثل أعطيه لكم واختتم بها حياتي على الأرض وهو اللص اليمين الذي كسب الحياة الأبدية في آخر لحظة عندما آمن وقال اذكرني متى جئت في ملكوتك وأجبته " اليوم ستكون معي في الفردوس "  . نعم اللص اليمين خطف الحياة الأبدية في لحظة واحدة وذُكرت في الأناجيل لتكون أمام البشر جميعا لتقول لهم في آخر لحظة لحياة السيد المسيح له المجد على الأرض هذا هو المفتاح الذي يفتح الفردوس أمام الجميع .                                         
 ولثالث مرة أقول :عيد القيامة المجيد وكل عام والجميع بكل خير وبركة وسعادة وأفراح . . . المسيح قام بالحقيقة قام.