هراتشيا بولاديان- سفير أرمينيا لدى مصر لـ"صوت بلادى " : العلاقات الأرمنية – المصرية تشكلت في عمق التاريخ وتطورت نتيجة الاحتكاك والتعامل المباشر بين الشعبين على مدى العصور

هراتشيا بولاديان- سفير أرمينيا لدى مصر لـ"صوت بلادى " : العلاقات الأرمنية – المصرية تشكلت في عمق التاريخ وتطورت نتيجة الاحتكاك والتعامل المباشر بين الشعبين على مدى العصور
هراتشيا بولاديان- سفير أرمينيا لدى مصر لـ"صوت بلادى " : العلاقات الأرمنية – المصرية تشكلت في عمق التاريخ وتطورت نتيجة الاحتكاك والتعامل المباشر بين الشعبين على مدى العصور
هراتشيا بولاديان- سفير أرمينيا لدى مصر لـ"صوت بلادى "
: العلاقات الأرمنية – المصرية تشكلت في عمق التاريخ وتطورت نتيجة الاحتكاك والتعامل المباشر بين الشعبين على مدى العصور
حوار : جاكلين جرجس
 
   و نحن نُحى الذكرى السابعة بعد المائة للإبادة الجماعية للأرمن تلك الإبادة التى يرفض أن يتجاهلها أو ينساها أى إنسان يعرف معنى الإنسانية له عقل و قلب نابض فتلك المشاهد البشعة و الصور الدامية دامغة فى العقل و القلب فجراح القلوب لا تندمل مهما مرت السنوات فقد حُفرت فى ذاكرتهم خاصة و أن تمرير الروايات والقصص يشكل تصورات الحاضر عن الماضي فالروايات هي التي تشكل أفكار الأجيال التالية عن الأشخاص الذين وقعوا ضحية للإبادة الجماعية أو نفذوا تلك الإبادة  ؛ لكن يبقى التوثيق خير دليل و أثبات على بشاعة الأحداث حيث توجد ملايين الوثائق التى أرسلها الدبلوماسيون الغربيون بالأستانة والولايات العثمانية إلى وزراء الخارجية التابعين لها: بريطانيا، الولايات المتحدة، فرنسا، ألمانيا، النمسا، روسيا وغيرها.
 
 وهذه الوثائق توثق لحظة بلحظة ما جرى للأرمن من انتهاكات واضطهادات وملاحقات وتعذيب واغتصابات باختصار، توثق كل المآسى التى ألحقها الأتراك والأكراد بالشعب الأرمنى الأعزل، وفى العالم العربى عمومًا ومصر خصوصًا هناك آلاف الشواهد الدالة على فظاعة الجرم التركى بحق الأرمن والإنسانية ، ومن هنا تأتى أهمية اللقاء مع سفير أرمنيا لدى مصر السيد هراتشيا بولاديان ليفتح لنا خزانة أسراره و يحدثنا من خلال الوثائق عن بشاعة الجرم التركى فى حق شعب الأرمن المسالم البرىء .
 
و إليكم الحوار : 
 
 
 
• لغرض قطع رأس الجسد الأرمني اعتقلت الأستانة النخبة المثقفة للأرمن من سياسيين ورجال دين وكتاب وشعراء وفنانين ومحامين وصحفيين وتم قتلهم بوحشية 
• جريمة الإبادة الأرمنية الوحشية في الإمبراطورية العثمانية التي تمتد جذورها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر لكنها مازالت مستمرة حتى يومنا هذا
• تركيا تتبنى سياسة إنكار الإبادة و تحاول بكل الوسائل المتاحة عدم تداولها وتسعى إلى تزوير وتشويه الحقائق التاريخية 
• الصحف العالمية تناقلت أخبار المذابح ووثقتها بالصور، مما أثار موجة من الضجيج والاستغاثة أدى إلى إستثارة الرأي العام الأوروبي
• الدولة العثمانية عجزت عن استئصال الجذور التاريخية والحضارية والجغرافية والديموغرافية والإنسانية للشعب الأرمنى الحى ، بالرغم من أنها نجحت جزئياً في اقتلاع البعض منه ونفيه خارج أرضه ووطنه ؛ لكن أصبحت قضيته إحدى أهم قضايا العصر الحالي
 
 
 
 
 
 
• فى البداية كيف تثمنون دور مصر التاريخى مع الأرمن بعد المذابح التى تعرضوا لها قبل أكثر من مائة عام ؟ 
     مصر بلد مضيافة و معطاءة وقفت إلى جانب الأرمن أيام المحّن و الشدائد التى تعرضوا لها ؛ كذلك الشعب المصرى احتضن الأرمن، وإلى اليوم منحونا الفرصة والحرية كى نعيش معهم فصرنا جزءا من البلد ؛ كما أوجه الشكر لفخامة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على خطابه في ميونيخ في 13 فبراير  2019 :" مصر استضافت قبل 100 سنة الأرمن بعد المذابح التي تعرضوا لها، ووجدوا الأمن والسلام والاستقرار لدينا" - واليوم - كما كان من قبل ، تعتبر الجالية الأرمنية المصرية جزءًا لا يتجزأ من فسيفساء المجتمع المصري ؛ أن العلاقات الأرمنية – المصرية تشكلت في عمق التاريخ وتطورت نتيجة الاحتكاك والتعامل المباشر بين الشعبين على مدى العصور، على الأراضي المصرية لقى الأرمن الملجأ والمأوى والرعاية والاهتمام بعد عمليات الإبادة ، وككل شعب عريق حافظ الشعب الأرمني الود والمحبة لمصر وللمصريين الذين وقفوا إلى جانبهم أيام المحن والشدائد،  وتجدر بنا الإشارة إلى أن حوالي ثلاثين دولة اعترفت بالإبادة الجماعية للأرمن ، من بينها سوريا ولبنان. 
 
 
 
• هل لكم بتعريف القارئ الحقيقة الكاملة عن ما حدث فترة المذابح و الإبادة؟
   قلما تعرض شعب من شعوب الكرة الأرضية إلى عملية إبادة شنيعة وتهجير قسري وإرهاب في وطنه، مثلما تعرض له الأرمن على أيدي الطغاة الطورانيين في أواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين- في الواقع - حدث ما يلي.
   حسب المعطيات المتوفرة فى محاضر اجتماعات الاتحاديين ومذكرات رجال الدولة وكبار الموظفين،  فالتحضيرات عملياً بدأت في 2 آب عام 1914 بعد قرار الإدارة العثمانية بشأن تجنيد الذكور الأرمن من الفئات العمرية 20 إلى 45 سنة إجبارياً. وبهذه المناسبة صدر في شباط عام 1915 قرار أنور باشا بشأن القضاء على الجنود الأرمن ومصادرة أسلحتهم وتشغيلهم أعمالاً شاقة وقتلهم بدم بارد. فكانت هذه الخطة، بداية عمليات السلطات العثمانية الهادفة الى تشتيت الأرمن والتي سهلت تنفيذ الإبادة فيما بعد. بعد ذلك تم زج النساء والأطفال والعجزة في فخ الموت من دون حماية واستعداد للمقاومة وقتل معظمهم على الطرق أثناء التهجير والمشي لأسابيع و تعرضوا لأبشع الفظائع. 
   في شهر تشرين الأول عام 1914 أجرى وزير الداخلية طلعت باشا اجتماع تم خلاله تشكيل "لجنة التنفيذ الثلاثية" بعضوية قادة حزب "الاتحاد والترقي" ناظم باشا وبهاء الدين شاكر وشكري، وأعطيت لهذه اللجنة صلاحيات واسعة وأسلحة وأموال وفُوضت للقيام بالتدابير اللازمة لتنفيذ ذلك المخطط الهمجي، وتم تشكيل فرق سميت "الفرق الخاصة"، إحدى ثمرات المشروع المرعب والغير الإنساني، والتي كان قوامها مجرمين محترفين أطلقوا من السجون. وأرسلت هذه الفرق الإجرامية غالباً بقيادة أعضاء من الحزب الإتحادي إلى مناطق الأرمن، بهدف القيام بأعمال الشغب وإشعال فتيل النزاع بين الأرمن والقوميات المجاورة. كما أصدر طلعت باشا أوامر حاسمة وتعليمات خاصة بتهجير الأرمن وأبلغت جمعية "الاتحاد والترقي" كل فروعها في الولايات وكل الحزبيين والمفتشين والمسؤولين عن تنفيذ تلك الأوامر، متهمين الأرمن بالفساد وتقديم المساعدات للروس وقيامهم بإثارة الفوضى في شتى مناطق الإمبراطورية وإرباك حركات الجيش العثماني ....
    وانطلاقاً من حرص الإدارة العثمانية على سلامة الدولة والدين، حسب الرواية التركية، قرر المسؤولون الأتراك تهجير الأرمن دون استثناء سواء من الشيوخ أو المرضى قسراً من جميع مقاطعاتهم إلى خارج المناطق الساخنة حتى انتهاء الحرب، وأن تحدد كل ولاية من ولاية حلب ولواء دير الزور مراكز مؤقتة يجرى حشدهم فيها. وفي الوقت نفسه أعطيت تعليمات سرية إلى الجهات المعنية بشأن تشتيت الأرمن. و صدر طلعت باشا في 14 أيار عام 1915 أوامره على هذا النحو:
   بناءً على الضرورة التي تقتضي بالحفاظ على سلامة الجيش وعلى سلامة الأمن والهدوء في المملكة، نقرر إجلاء الأرمن من المناطق الحربية التي يقيمون فيها، إلى أماكن أخرى لا يكون الجيش فيها عرضة لحركاتهم المريبة. كما تقتضي الضرورة بإتخاذ التدابير العاجلة الحاسمة لتنفيذ هذا القرار المبرم وفق الشروط المبينة أدناه. 
   إن الدولة تدفع بالآلاف من أبنائها إلى ميادين الحرب وهم يضحون بأرواحهم في سبيل الدفاع عن الوطن، وتنتظر من رعاياها من دون اي فرق بين اجانسهم ومذاهبهم، وأن يكون ارتباطهم بها في هذه الآونة العصيبة أوثق مما هو في أي زمن آخر، لذا فإنها تولي وضعه موضع التنفيذ أهمية خاصة.
  من المعلوم أن الإمبراطورية العثمانية دخلت في 31 تشرين الأول عام 1914 الحرب العالمية الأولى إلى جانب قوات المحور المتمثلة في ألمانيا و النمسا والمجر. فكانت السلطات العثمانية تأمل بطرد روسيا من القوقاس لتوحيد الشعوب التركية في الشرق الأوسط والقوقاز وروسيا وآسيا الوسطى في إطار دولة طورانية. فكانت العقبة في تحقيق هذا المشروع ليس روسيا فقط، بل أرمينيا التي كانت منقسمةً بين دولتين - القيصرية الروسية والإمبراطورية العثمانية. فكانت السياسة الداخلية والخارجية لكل منهما تختلف عن الأخرى جذرياً. فهذا الاختلاف كان ينعكس على تصرفات هاتين الدولتين تجاه الشعب الأرمني. واستغلت الحكومة العثمانية هذا الوضع لتنفيذ مشاريعها المُعدة مسبقاً لتنفيذ عمليات الإبادة عن طريق إيجاد المبررات الكافية لمواقفها المتطرفة القادمة.
   إن أحداث الحرب كانت فرصة ذهبية وفسحت المجال أمام حزب "الاتحاد والترقي" الحاكم لتنفيذ مشروع "حل القضية الأرمنية" وإجهاض تطبيق الإصلاحات في الولايات الأرمنية نهائياً. إن مواقف الأتراك الشباب أيضاً كانت ثابتة بشأن الإصلاحات، وكانوا يحاولون بكل السبل عدم تنفيذها، فكانوا يعتبرون الولايات الشرقية قلب الإمبراطورية ويدركون أن خطر الإصلاحات يهدد أمن واستقرار الدولة العثمانية. فكان التدخل الأوروبي في الشأن الأرمني يثير الغضب في أوساط الأتراك الشباب أيضاً ويشهد على ذلك الحديث الودي الذي دار بين جمال باشا وصديقه فاردكيس عضو المجلس التركي من حزب الطاشناق حيث قال جمال: "انتبهوا، تخلوا عن الأوروبيين وتعالوا لنقم نحن بالإصلاحات. لا نسمح أبداً تدخل الدول الأوروبية، وإذا فُرض علينا الإصلاحات في الولايات الأرمنية مرة اخرى وإذا قبلتم من دون الأخذ بعين الاعتبار الخطر الكبير، فأنا أؤكد لك أنه سيُقتل في الولايات الشرقية الست عدداً لا يقل عن 300 ألف أرمني" وهذا يعني أن الأتراك الشباب أيضاً تبنوا مواقف السلطان عبد الحميد نفسها بشأن القضية الأرمنية بعد أحداث البلقان وكما قيل اعتبروا تنفيذ الإصلاحات في الولايات الأرمنية انهياراً نهائياً للإمبراطورية العثمانية. 
 
 
 
 
• هل أصدرت الحكومة التركية أى قوانين لتفعيل عمليات التهجير و المذابح بشكل رسمى ؟ 
    فى البداية كانت القرارات تتخذ شكل التعميم إلى أن تم نشر قانون من ثلاث مواد جاء فيه:
مادة (1) أثناء التعبئة العامة يخول ويلزم قادة فرق الجيش ووكلاؤهم وقادة المواقع المستقلة، بمقاومة وقمع كل حركة تخل بالأمن يقوم بها الأهالي وكل مخالفة لأوامر الحكومة و للإجراءات المتعلقة بالحفاظ على الأمن وعلى سلامة المملكة والدفاع عنها، كما أنهم ملزمون بأن يقمعوا بشدة وبقوة السلاح وحتى بالقتل ومحو كل من يقدم على مقاومتهم بقوة السلاح.
مادة (2) يكون على قادة فرق الجيش وقادة الوحدات الخاصة المستقلة، أن يهجروا أهالي المدن والقصبات بصورة منفردة أو جماعات، من أماكن إقامتهم إلى مناطق أخرى إذا قضت الضرورات العسكرية أو مقتضيات قمع التجسس والخيانة  أو إذا شعروا بالإقدام على ارتكاب تلك الأعمال.
مادة ( 3) يعتبر هذا القانون نافذاً من تاريخ نشره فى 13 رجب 1333- 14 أيار 1915.                                  
  ثم  بدأ أعضاء الحزب الحاكم والمسؤولون في السلطات التركية بعد تلقي الأوامر من الأستانة بتنفيذها مباشرة، وباشر معظم هؤلاء المعنيين القيام بمهماتهم بكل جهد حسب الأوامر والتعليمات الصادرة من الأستانة التي اتخذت في شباط عام 1915 خلال اجتماع سري للجنة المركزية لحزب "الاتحاد والترقي" بمشاركة قادة الحزب طلعت باشا وأنور باشا وبهاء الدين شاكر وناظم باشا وأحمد أوغلي. وتقرر نهائياً خلال هذه الجلسة السرية إفناء الأرمن بالكامل، حيث وصفهم طلعت باشا بـ"الثعابين"، وأضاف ناظم باشا قائلاً: إن "الأرمن أشبه بالقرحة التي يجب أن تستأصل على يد جراح ماهر ولذلك يجب أن تكون عملية التطهير شاملة ونهائية، كما يجب ألا نترك أرمنياً واحداً على قيد الحياة في بلادنا، لا بل يجب أن نزيل الأسم الأرمني من الوجود". أما الصدر الأعظم سعيد حليم باشا فقال: إن "أفضل حل للمسألة الأرمنية هو استئصال الأرمن وإزالتهم من الوجود".إن أقوال قادة الحكومة الاتحادية هذه كانت دليلاً قاطعاً على القرار النهائي لإبادة أرمن الإمبراطورية، والذي بدأ عملياً من شهر آذار عام 1915، حيث تم بموجبه تدمير المراكز الأساسية للمقاومة الأرمنية في مدن "زيتون" و"وان". 
 
 
 
• كيف تحددت خطتهم لتنفيذ عمليات الإبادة بشكل ممنهج ؟ 
  في الثامن من نيسان 1915 صدر مرسوم حكومي يتضمن خطة الإبادة وترتيباتها الزمنية، وحدد كيفية تنفيذ هذا المرسوم على الشكل التالي:
1- لغرض قطع رأس الجسد الأرمني قرر القبض على قادة الأرمن من سياسيين ومفكرين وأساتذة وأدباء وغيرهم في الأستانة.
2- نزع السلاح من جميع فئات الشعب الأرمني.
3- بدء عمليات القتل والنفي والترحيل قسرياً.
وفق جدول زمني تمت بموجبه عمليات إخلاء المقاطعات الأرمنية من سكانها بكل بربرية وهمجية، وتنفيذاً للقرار المذكور في 24 نيسان عام 1915 والأيام القليلة التي تلتها تم اعتقال حوالي 800 شخص في الأستانة من النخبة المثقفة للأرمن من سياسيين ورجال دين وكتاب وشعراء وفنانين ومحامين وصحفيين واقتصاديين وأساتذة جامعيين ومديري مدارس وغيرهم، ومن بينهم أعضاء المجلس العثماني، بعد الاعتقالات جرى نفي المفكرين الأرمن إلى أعماق الأناضول، حيث تم قتلهم بأقصى درجات الوحشية، كما عمدت السلطات الإتحادية إلى قتل ضباط وجنود أرمن كانوا قد أدوا واجبهم بإخلاص على جبهات القوقاز.
هذا وخلال شهري أيار وحزيران عام 1915 استمرت عمليات الترحيل القسري والنفي والقتل وإحراق الأملاك والنهب والسلب والاغتصاب والتذليل في جميع الولايات الأرمنية بدءاً من مرعش ووان وموش وصاصون وأرضروم وخربوط وطرابزون وسيواس ودياربكر وأنقرة والأستانة وكيليكيا وغرب الأناضول وغيرها من سائر المدن والقرى. فمن المعلوم أن ترحيل الأرمن من المقاطعات الأرمنية ونفيهم إلى بلاد النهرين وسورية وتشتيتهم كان يجري بذريعة حماية المدنيين والقوات العثمانية، من خيانة متوقعة من طرف الأرمن الموالين للروس. وتم تنفيذ هذه العمليات الإجرامية على مرحلتين: أولاً قتل كل الرجال الأكفاء، وثانياً نفي الباقين ولم يكن الفصل الثاني سوى تنضيد برنامج الإبادة. ولنهاية شهر تموز عام 1915 تم ترحيل الأرمن وإبادتهم على قدم وساق. ولم يبق أحد في الولايات الأرمنية، التي كانت أوروبا تطالب السلطة العثمانية من سبعينيات القرن التاسع عشر بإجراء الإصلاحات فيها. وتمكن الاتحاديون بأفظع السبل البربرية في تصفية السكان الأرمن من أراضيهم التاريخية التي قطنوها منذ آلاف السنين.
 في الحادي والثلاثين من آب عام 1915 أعلن طلعت باشا بكل وقاحة: الآن لم تعد هناك مسألة أرمنية، لأن تركيا أنجزت مهمتها بشكل عام، وذلك بتجريد أرمينيا الغربية وكيليكيا والأناضول الغربي من سكانها الأرمن وبقتل معظمهم، أما ما تبقى منهم أحياء، فالقضاء عليهم أمر يسير للغاية، إذ بالإمكان إبادتهم في الصحراء شيئاً فشيئاً. وبذلك أكون قد حققت خلال ثلاثة أشهر ما حققه السلطان عبد الحميد الثاني خلال ثلاثين عاماً.إن المسؤولين الاتحاديين، كما رأينا، قاموا بتصريحات ودعايات متضاربة حول إبادة الأرمن كعنصر أساسي في الإمبراطورية العثمانية. فمن جهة كانوا يعلنون بكل فخر واعتزاز عن مشروعهم الهمجي بحق الأرمن، ومن جهة أخرى ينكرون الحقائق التاريخية والجرائم غير الإنسانية بحق شعب بكامله.
لم تكن أرمينيا العقبة الكبرى في تحقيق المشروع (البان- طوراني) فقط، خاصة بعد الانهيار التدريجي للإمبراطورية العثمانية، بل كانت أهداف الأرمن الرامية إلى حصول الاستقلال تقلق العثمانيين أكثر من ذلك. ويدل على ذلك شهادات إحدى الشخصيات العسكرية النمساوية، الذي كان شاهد عيان من عام 1909 وحتى نهاية الحرب على جميع قرارات ونشاطات الحكومة التركية، حيث يكتب أن شبح قيام أرمينيا الكبرى في المستقبل كان يرعب زعماء حزب "الاتحاد والترقي"، قائلاً: إن "البرابرة الاتحاديين، الذين لم يتوانوا عن ارتكاب أي جريمة، اعتبروا إبادة الشعب الأرمني الوسيلة الوحيدة للاستيلاء على المقاطعات الأرمنية الست نهائياً، وصدّ كل التطلعات الأرمنية المستقبلية.
 
 
 
• هل صمت المجتمع الدولى عن تلك الممارسات الهمجية الشرسة ضد الأرمن أم كان هناك بعض الدول التى تبنت حملات الإدانة لتركيا ؟ 
   في 24 أيار عام 1915، أي بعد شهر من بداية الإبادة الأرمنية، وجهت دول الإئتلاف الثلاثي  بريطانيا وفرنسا وروسيا بياناً إلى الإدارة العثمانية، والذي نشرته وكالات الأنباء، ينص على مايلي:" اتفقت دول إنجلترا وفرنسا وروسيا على أن يقوم الأتراك وموظفي الحكومة التركية في عمليات قتل عام تستهدف الشعب الأرمني. حدثت تلك المجزرة بصورة خاصة في أرضروم، ترجان، بتليس، موش، صاصون، زيتون، كيليكيا وجميع المناطق المجاورة لها في حوالي منتصف شهر نيسان. كما قتل قرب مدينة "وان" سكان حوالي مئة قرية عن بكرة أبيهم. وفي الوقت نفسه تتسلط الحكومة العثمانية في دار السعادة (الأستانة) على السكان الأرمن المسالمين. ولذلك فإن دول الائتلاف تبلغ حكومة الباب العالي، بصورة علنية أنها تلقي على عاتق الحكومة العثمانية، وعلى عاتق جميع الذين اشتركوا وسيشتركون في هذه المجازر الجماعية مسؤولية هذه الجرائم التي استهدفت بها الحكومة التركية الحضارة والمدنية والإنسانية24 أيار 1915"
   يعتبر هذا البيان كان أول إدانة دولية رسمية من قبل الدول الأوروبية، والذي حذر من مغبة استمرار الظلم ضدّ الأرمن وعمليات القتل الجماعي التي يتعرضون لها، وحمل الحكومة الإتحادية المسؤولية عن تلك الجريمة النكراء أثار هذا البيان غضب الحكومة التركية، التي أصدرت بياناً جوابياً مفصلاً يرفض فيه كلياً اتهامات دول الائتلاف الثلاثي ويعتبرها كاذبة لا تطابق الحقيقة ويقول: "تنفي الحكومة السنية (الاتحادية) نفياً قاطعاً، محتوى البيان الآنف الذكر، وما جاء فيه من تداعيات، إنه لكذب محض، أن يكون قد حدث قتل عام للشعب الأرمني داخل الممالك العثمانية...."وفي الوقت نفسه اعتبر الباب العالي مواقف الدول الأوروبية المذكورة كمؤامرة وعمل عدواني ضد الإمبراطورية قائلاً: "الباب العالي يملك الدلائل والبراهين على محاولات هذه الدول ومؤامراتها، وعلى ما قامت به من أعمال عدوانية نعجز على وصفها ولم  يشهد لها مثيل... والبيان المقدم من الدول المذكورة إنما هو، بحد ذاته، بمثابة مستند يقدم البرهان على تحريض وتشجيع الأرمن على الاستمرار في حركاتهم المخلة بالأمن" ،كما نرى أن الحكومة الاتحادية منذ البداية تبنت سياسة الرفض والإنكار للجرائم المشينة التي ارتكبتها بحق الشعب الأرمني المسالم، كأول جريمة إبادة عرقية في تاريخ البشرية. وفي ظل الصرخة العالمية ووسائل الإعلام واصلت السلطات العثمانية أعمالها الشنيعة من دون تراجع وبكل وقاحة.
 
 
 
• هل وثقت وسائل الإعلام فى ذلك الوقت تلك المذابح بمهنية و موضوعية ؟
   بالرغم من الرقابة المشددة التي فرضتها الدولة الاتحادية لمنع نشر أخبار تلك الأعمال الشنيعة والوحشية، إلا أن الأخبار قد تسربت بكل تفاصيلها الإجرامية المروعة إلى أوروبا وأمريكا. فتناقلتها الصحف العالمية ووثقتها بالصور، مما أثار موجة من الضجيج والاستغاثة والشكاوات ،إن أخبار المظالم الوحشية التي ارتكبت بحق الأرمن في جميع المقاطعات الأرمنية، أثارت موجة كبيرة من ثورة الرأي العام الأوروبي. وعلى أثر الهجوم الذي شنته الصحافة، بادرت دول الائتلاف الثلاثي – بريطانيا، وفرنسا وروسيا إلى توجيه العديد من المذكرات شديدة اللهجة إلى كل من الحكومة الاتحادية وألمانيا. كما وجهت الولايات المتحدة مذكرةً احتجاجية إلى الباب العالي والتي أثارت غضب طلعت باشا. إضافة إلى ذلك بعد إدراكهما مدى وحشية الجرائم والضجة العالمية التي جرت بشأنها، حملتا حليفتي الإمبراطورية العثمانية ألمانيا والنمسا على الكف عن المجازر، ولكن بعد قتل الآلاف من الأرمن الأبرياء.
 
• حكومة تركيا الحديثة بوصفها الوريث الشرعي للإمبراطورية العثمانية تروج وتتبنى سياسة إنكار الإبادة و تدعى وقوع نفس عدد الضحايا من الجانبين ... فما ردكم عليها ؟ 
إن ترويج لمثل هذه النظريات الخطيرة من قبل السلطات التركية، بلا شك يُعد تكراراً للجريمة التي ارتكبتها قيادات حزب الأتحاد والترقي الحاكم آنذاك في الإمبراطورية العثمانية بحق الشعب الأرمني و لكن بطريقة معنوية .
فتحاول بكل الوسائل المتاحة عدم تداول أحداث الإبادة وتسعى إلى تزوير وتشويه الحقائق التاريخية و تقديمها للمجتمع الدولي بمرآة ملتوية ووصف الأحداث التي وقعت كأنها حرب أهلية دارت في الإمبراطورية بين الأتراك و الأرمن أبان الحرب العالمية الأولى ووقع نفس العدد من الضحايا من الجانبين ،ويكمن أساس هذه المآساة في تبني الاتحاديين المتعصبين قومية متطرفة، وليس خيانة الأرمن كما ادعت السلطات العثمانية، والحقيقة أن التخلص من الأرمن، كان سيجنب الحكومة التركية من التدخلات الأوروبية المستمرة وسيزيل العقبة الرئيسة بين الأتراك العثمانيين والشعوب التركية الأخرى فيما وراء القوقاس وبحر قزوين، ويمهد السبيل لملكية جديدة أمام أبطال الطورانية.  
 
 
 
• فى رأيكم هل نال الأتراك مساعيهم بمحو الأمة الأرمنية بعد عملية الإبادة و التهجير ؟
 فى رأيى المشروع لم ينته بعد باعتباره لم يحقق الهدف المركزي والمتمثل بمحو الأمة الأرمنية من خارطة الوجود، وكما عجز عن استئصال الجذور التاريخية والحضارية والجغرافية والديموغرافية والإنسانية لهذا الشعب الحي، مع أنه نجح جزئياً في اقتلاع البعض منه ونفيه خارج أرضه ووطنه وأصبحت قضيته إحدى أهم قضايا العصر الحالي وربما في العصور القادمة. وخير دليل على ذلك نوايا تركيا الاستعمارية والعمليات العسكرية في ناغورني كاراباخ في سبتمبر عام 2020، حيث دعمت تركيا آذربيجان عسكرياً وسياسياً وقامت بجلب مقاتلين مرتزقة من سورية و زجهم في الحرب ضد الشعب الأرمني في إقليم ناغورني كاراباخ.
إن جريمة الإبادة الأرمنية الوحشية في الإمبراطورية العثمانية التي تمتد جذورها إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر مازالت مستمرة حتى يومنا هذا، حيث ان حكومة تركيا الحديثة بوصفها الوريث الشرعي للإمبراطورية العثمانية تتبنى سياسة إنكار الإبادة و تحاول بكل الوسائل المتاحة عدم تداولها وتسعى الى تزوير وتشويه الحقائق التاريخية و تقديمها للمجتمع الدولي بمرآة ملتوية ووصف الاحداث التي وقعت  كأنها حرب أهلية دارت في الإمبراطورية بين الأتراك و الأرمن أبان الحرب العالمية الأولى ووقع نفس العدد من الضحايا من الجانبين.
 
 
 
• هل هناك طقوس معتادة لإحياء ذكرى مذابح الأرمن ؟ 
في الرابع و العشرين من شهر إبريل كل عام، تُحيي أرمينيا وآرتساخ وجميع المجتمعات الأرمنية في العالم، ذكرى 1.5 مليون من ضحايا الأبرياء القديسين الذين قتلوا على يد العثمانيين و يوجد نصب تذكاري على قمة “تسيتسيرناكابيرد” في يريفان، حيث يزوره مئات الآلاف من الأرمن تخليدًا لذكراهم .