يس العيوطي يكتب : الإجهاض ومشاغل العباد

يس العيوطي يكتب : الإجهاض ومشاغل العباد
يس العيوطي يكتب : الإجهاض ومشاغل العباد
 
أمريكا، وهى شبه قارة يفوق غناها أموال وبلايين قارون، مشغولة للغاية. ليست مشغولة بنفس الدرجة بالحرب الأوكرانية ولا بارتفاع معدل الجريمة فى الشارع الأمريكي، ولابتغيير سياسة التعذيب التى دشنتها فى أبو غريب بالعراق، وفى كابول بأفغانستان.
ليست مشغولة بالتضخم المالى الذى يهدد مستوى معيشة الطبقة المتوسطة، ولاحتى بمصائب التغيير المناخى. ليست مشغولة باحتمال تفكيك الامبراطورية المالية للرئيس السابق دونالد ترامب، ولا بمشكلة إتاحة الدستور للمواطن الأمريكى أن يملك علنا مسدساً للدفاع عن النفس أو لسرقة عابر سبيل أو سرقة سيارة.
شبه القارة الأمريكية المكونة من خمسين ولاية كل منها تعتبر دولة مستقلة بحسب النصوص الدستورية التى تجعل أى أمر غير قانونى فى ولاية وقانونى فى الولاية المجاورة، الغنى الامريكي الفاحش لافائدة منه فى رفع الأداء الحكومى فى امريكا. هنا تجد المستوى الفدرالى، وتحته المستوى لحكم الولاية، وتحته مستوى كل الجمعيات الأهلية التى يمكن إقامتها بمجرد طلب من عاصمة الولاية ورسوم لاتزيد عن 75 دولار، مصلحة المياه حكومة، ومصلحة المطافئ حكومة، ومصلحة ضرائب الولاية حكومة، ومجلس أولياء اية مجموعة من المدارس حكومة، منظمات الشرطة التى تتسول المعونات المالية بالتليفون حكومة، ومنظمات حقوق الانسان هى فى الواقع فوق الحكومة لأنها معفاة من الضرائب.
مصر مثلاً دولة أمنية، ودولة ادارية، ودولة لها دستور عام 2014، الكل يعرف أنك إن خالفت القانون ضربت على قفاك وانت فى طريقك الى الزنزانة، الشاويش ينادون عليه بلقب "باشا" ومعاون المرور له لقب "بك" الألقاب مهمة فى مصر لدرجة أن من يحملون شهادة الدكتوراة ينادون عليهم بـ "دكتور"، وحينما تطلب شخصاً بالتليفون فى مصر يرد عليك "انا الدكتور فلان" وكأنما اعطته امه فور ولادته شهادة الدكتوراه.
ومع هذه التناقض فمصر بالمقارنة بأمريكا دولة منظمة فالقانون واحد يسرى على الجميع من دمياط شمالاً الى وادى حلفا جنوباً ومن عين القصيمة شرقاً في سيناء إلى واحة جغبوب غرباً. مشاكلنا  توزيع المياه – المواد الغذائية، وظائف للملايين من الخرجيين، احترام اشارات المرور والامن الطائفي مشاكل حقيقية.
ولكن فى امريكا بل وفى كل ولاية بل وفى كل مدينة معظمها لها أساس ديني، لا أساس دستوري، فالدستور الأمريكي يعاد تفسيره كل يوم فى المحاكم الامريكية. ثم يلغى التفسير ليحل محله تفسير آخر. والقاضى المحلى يعين بالانتخاب المحلى والقاضى الفدرالى يعين ايضا بالانتخابات ولكن وظيفته تدوم مدى الحياة لايمكن عزل القاضى حتى ولو أصدر حكماً يتنافى مع حكم زميله فى نفس المحكمة. وفى أمريكا تسمى تلك الأحكام بـ "قانون القاضي" gudge Made law.
هى دوامة قانونية قضائية سياسية موسمية محلية فيدرالية، يزأر كل صاحب رأي برأيه ويتوه رجل الشارع الأمريكي فى نخبة من "أين المفر" كل يعتمد على محام ليساعده على النصر فى القضية، ولذا ارتفعت أجور المحامين ارتفاعاً باهظاً. أضرب لكم بنفسي مثلاً: اتصل بي الرئيس السابق لنقابة القانونيين الأمريكيين واسمه جيمس سيلكينات. قال لى أنك تتقاضى 450 دولار فقط عن كل ساعة تقضيها فى مساعدة موكليك". قلت "نعم" هل تراه مبلغاً غير عادل؟ قال انها يجب ألا تقل ساعتك القانونية عن الف دولار". "قلت لماذا؟" قال "لأنك تعرف القانون وتمارسه، وتعلمه، وتعرف المفاوضات القانونية، وتعرف اربع لغات، ولك كاريزما الهدوء وحسن الاستماع، ومن بلد (مصر) ذات ثقافة منذ 7000 (سبعة آلاف سنة) و..و..و.. استمعت إليه وشكرته، ورفعت الساعة القانونية الى 600 دولار فإن عملت فى قضية ما للتحضير كان اجري 300 دولار، ولا أحتسب الدردشة من الأهل والأصدقاء قابلاً لإدخالها في استمارات القضية.
وليس فى امريكا حاجز بين المحامى والقاضي. والأمر غير ذلك فى مصر وكيل النيابة ثم القاضى فى جانب والمحامى فى جانب آخر وهو أمر محزن. كنت قاضياً بتكليف القضاء الأمريكى فى ولاية نيويورك حينما قمت بتصفية مستحقات أسر ضحايا سقوط طائرة مصر للطيران عام 1999. قمت بذلك فى عام 2006 بتفويض من وزارة الخارجية المصرية والقنصل العام فى نيويورك الأخ السفير شريف الخولى.
هذه التعقيدات فى نظام القانون والإدارة في أمريكا تتمحور الآن في موضوع الإجهاض. قضية رو Roe انتجت مشروعية الإجهاض. والآن تسرب رأى أحد قضاة المحكمة الامريكية العليا واسمه صموئيل أليتو Samuel Alito وهو من القضاة المحافظين. وكان هذا الرأي - وهو ليس حكماً للمحكمة العليا حتى الآن - بأن الإجهاض في امريكا قد يصبح غير قانونى. أي الغاء الحكم فى قضية Roe. قامت الدنيا وبقوة فى امريكا بين مؤيد ومخالف، وفى 19 مايو هذا العام سوف تسير المظاهرة فى الخمسين ولاية تطالب بالمحافظة على مشروعية الإجهاض.
سارع مجلس النواب الأمريكي بزعامة رئيسه أو رئيسته نانسى بيلوسى Nancy Pelosi بعرض مشروع قانون يخلد Roe في قانون فدرالي. ولم يمر في مجلس النواب، لأن المعارضين من الحزب الجمهوري استخدموا سلاح التعطيل Filibuster ( أي اللجوء إلى الأساليب التعويقية لتأخير بل ولمنع التصديق على مشروع القانون بإلقاء الخطب الطويلة جداً ) ونجح الجمهوريين في عملهم.
تعقيدات فوق تعقيدات. المؤيدين لمشروعية الاجهاض يقولون أنه يؤدى الى تخفيض معدلات الجريمة. زيادة على ذلك سيساعد الأسر الفقيرة على الحصول على أجازات للزوجة بأجر وعلى زيادة المنافع للأولاد والموجودين وعلى دفع مرتبات للزوجة وهى فى منزلها للعناية بأطفالها مع توفير أجور الذين يعملون فى رعاية الاطفال فى غياب ذويهم.
أما المعارضون للاجهاض، فإنهم يعتمدون على المعتقدات الدينية الكاثوليكية التى تقول إن خيرات الدنيا تستطيع أن تفى بحاجاتنا جميعا حتى ولو ازداد العدد من 7 بلايين الى 40 بليون نسمة. الكل يجند الاحصاء والدين والتكنولوجيا لدعم وجهة نظره ومحورها الغاء قانون Roe الذى جعل من الاجهاض حق.
وحينما اطلعت على الدستور الأمريكي لم أجد ما يشير إلى هذا الأمر لا بالنص ولا بالتفسير ولا بالتخمين. الكل فى امريكا ابتداء من المحمة الامريكيه العليا ذات الغالبية المحافظة حتى بائع الفطائر فى الشارع يجند الدستور كأداة او كسلاح ذى اكثر من حد واحد قاطع.
اما نحن فى العالم العربى والعالم الاسلامي فعندنا من المشاكل مايجعلنا نضحك على انغماس الامريكيين لغاية الشفتين فى موضوع الاجهاض. نقول "الارزاق على الله" ونقول "لن يصيبنا الا ماكتب الله لنا" ونقول" وكأين من دابة لاتحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم" (العنكبوت/ الآية 60) ثم نضيف ايضاً: "الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له إن الله بكل شئ عليم" (العنكبوت/ الآية 62).
هل لي، أي في هذا الأمر الشائك؟ أن أختبئ وراء قلمي؟ لى رأى: هل للحكومة أية حكومة دور فى حجرة النوم؟ لا!! ولكن العقلية العربية تسخر القانون فى الدعاية وتسمى الأخبار الصادرة من المخالفين بأخبار زائفة Fake News. وتشحن القنوات الإخبارية بصراع ليس له من حل، لأن الحل مختبئ فى حجرة النوم وفى حجرة المحكمة، إن كان القاضى ليبراليا أصبح الاجهاض مشروعاً، وإن كان محافظاً أصبح الاجهاض كفراً وخروجاً على القانون.
كل هذا لن يوقف ودوران الارض حول الشمس، أو دوران القمر حول الأرض، او اطعام الملايين الجائعين لأن صادرات القمح من اوكرانيا قد اوقفتها الحرب الاوكرانية، ان كان استخدام الدين امراً مشروعاً فى تسيير الحياة اليومية، لماذا نعارض الارهاب الإخواني؟ نعارض ذلك الارهاب لأنه يزهق الارواح البريئة، وهنا نتساءل اليس الاجهاض قتلاً لروح بريئة ويرد المؤيد للإجهاض "ليس الجنين شخصاً حتى يبلغ الاسبوع السادس من عمره فى رحم أمه. ويقول المعارض للإجهاض منذ اول ساعة لوصول المنى لتلقيح البويضة فقد اصبح الجنين شخصاً"
من أبرز قواعد القانون هو القانون الذى لانص فيه، عدم وجود النص يؤدى الى التأويل ويزيد من مساحة التفسير ومن هوية البرزخ الذى يفصل مابين المؤيد والمعارض. واستنكر القرآن قتل الابرياء إذ كانت من عادة العرب قبل الإسلام وأد البنات حين ولادتهن. وهنا تناول القرآن عن ذلك الأمر فى صورة حوار ربانى جاء فيه: وإذا الموؤدة سئلت، يأي ذنب قتلت؟" (التكوير/ الآية 9)
وحينما ولدت فاطمة ابنة النبى محمد، كان الفرح فى بيته غامراً، مما منح المساواة بين المرأة والرجل فى عرف المسلمين، وجاء على ابن عم الرسول يطلب يدها من أبيها وهو معدم فقير، فوافقه محمد وأثنى عليه على مسمع من فاطمة الزهراء، وقال الرسول فى حديث له : "النساء شقائق الرجال" وحسم الأمر حينئذ: لا إجهاض ولا وأد ولا تفرقة، بل واجلس محمد النساء فى مجالس صنع القرار بالمدينة المنورة ولم تذكر كلمة واحدة لا في القرآن ولا في السنة عن "الحجاب" ولا عن "السيف" ولا عن ارغام غير المسلمين بإعتناق الإسلام ولا بالعدوان على الكنائس والمعابد. وهى جرائم تزيد من اقتداءنا بأننا فى مصر والعالم العربى والاسلامى نعود الى الوراء، ونصبح كاذبين ومنافقين "من هنا نبدأ"
هل نبدأ باعتداء مجرم خائن لدينه ووطنه بطعن قس فى الاسكندرية وهو فى طريقه آمنا، معتقداً بما جاء فى القرآن "ادخلوا مصر آمنين". ماذا حدث للصلح التاريخي والمؤاخاة التاريخية بين المقوقس وعمرو بن العاص حين دخل العرب ارض مصر؟ وما دخل هذا كله بأمر الاجهاض؟
هى امثله على أن الغباء هو علم احمر يؤدى الى هياج الثور فى الشارع المصرى الى الاعتقاد بما هو غير موجود، والى الاستماع الى ابواق النفاق والفتنة الطائفية. نعم: من هنا نبدأ "والبدء بالتعليم وباحياء الجامعه الشعبيه وبإغلاق قصور الثقافة، وهى قصور بمعنى التقصير. الدين لله والوطن للجميع. علينا بإجهاض الجهل فى ارض الوطن.