د . منى حلمى تكتب : الحُرة لا تهين جسدها ولا تؤذيه حينما تملكه

د . منى حلمى تكتب : الحُرة لا تهين جسدها ولا تؤذيه حينما تملكه
د . منى حلمى تكتب : الحُرة لا تهين جسدها ولا تؤذيه حينما تملكه

 " تجديد الخطاب الجسدى "، هذا ما تحتاج إليه مجتمعاتنا العربية، النائمة فى العسل ، وتشخر فى صوت مرتفع منفر ، مزعج. 

 فى الحقيقة ، نحن نحتاج الى تجديد كامل شامل، متقن، دقيق، جذرى، فى جميع مجالات الفكر، والثقافة، والدين، والجنس، والزواج، والطلاق، والحب، والانجاب، والعمل، والنظافة، والحب، والصداقة.

علاقتنا بالحياة، كلها، " معوجة "، " مختلة "، " مدمرة "، 

" متناقضة "، " مزيفة ". 

       سأخص هنا " تجديد الخطاب الجسدى " ، بعد أن مللت الكتابة عن " تجديد الخطاب الدينى ". 

جسمى ملكية خاصة لى وحدى، وبما أن «جسمى» ملكية خاصة لى، إذن 

أنا «حرة» فى تحديد التعامل معه، ولدينا مثل مشهور يردده الجميع دائمًا ويوافقون عليه: «كل واحد حر فى ملكه»، أو يقولون: «ملكى وأنا حر فيه». 

     بحكم قانون حماية الملكية الخاصة ،  أستطيع أن أرفع قضية ضد منْ يؤذى جسمى، وأن «أجرجره» فى المحاكم وأطالبه بتعويض كبير يجعله يعلن الإفلاس المادى والأخلاقى، ويندم على التدخل فيما لا يعنيه ولا يملكه . 

     الجسد له «حُرمة»، والجسد له «خصوصية»، كل إنسان امرأة كانت أو رجلًا، ما دام عاقلًا ورشيدًا وكامل المواطنة وحرًا، سوف يحافظ تلقائيًا دون مواعظ على جسده، وسوف يكون مسئولًا عنه ويقاوم كل محاولات إيذائه، أو أن يكون هو مصدرًا لإيذاء الغير.

ألسنا نؤمن بمبدأ «الخصخصة» ونعتبرها الأنسب توافقًا وتناغمًا مع فطرة البشر المُحبة للتملّك، ونردد دائمًا أن ملكية الفرد لشىء معين تجعله ينميه ويحافظ عليه ؟؟.  

«خصخصة الجسم» هى أهم مشروع استثمارى نقوم به، وإذا فشلنا فيه فلن ننجح فى أى مشاريع أخرى.

لى صديقة لا تستطيع مواجهة زوجها، أنها تكره بشدة العلاقة الجسدية الحميمة معه. فهو يوقظها حينما تكون نائمة لتلبية شهوته، لا يهمه إذا كانت «تعبانة»، أو«ليست راغبة»، أو «مريضة»، أو «قرفانة» كما أنه يؤلمها بسبب تصرفاته العنيفة، أمها تنصحها بالصبر والتحمل وألا تخرب بيتها بيديها، قائلة: «كل الرجالة كده حتى أبوكى»، وشيوخ الفتوى قالوا لها: «إن جسمها ملكية خاصة لجوزها يعمل فيه اللى هو عايزه وقتما شاء وكيفما أراد وليس لها حق التذمر والشكوى»، وأصبحت صديقتى تكره جسمها «المستعبد» وتكره زوجها وتكره حياتها كلها.  وهذه الزوجة تملك أموالا فى البنوك ، وتملك فيللا فى أرقى الأحياء ، وتملك أغلى الثياب . ولكنها لا تملك جسمها ، أقرب الأشياء اليها .

على مدى حياتى تقربت من بعض المرضى عاصروا إذلال وجع الجسم، وكيف يهدهم المرض ومذلته وآلامه المبرحة. القاسم المشترك بينهم مقولة يائسة: «نحن لا شىء إلا أجسامنا، ومنْ تعرض للاكتئاب هو خير منْ ينبئنا كيف أن هذا المرض الخطير يبدأ بالتسلل من بوابة الجسم».

«العقل السليم فى الجسم السليم» هذا صحيح، لكن سلامة الجسم مرهونة بشرط أساسى لا غنى عنه، وهو ألا يكون «سلعة» تُباع وتُشترى، وألا يكون «مملوكًا» لأحد غير صاحب الجسم أو صاحبة الجسم، إن «نظافة» الجسم و«نظافة» الفكر و«نظافة» الأحلام و«نظافة» الرؤية و«نظافة» الضمير و«نظافة» الأخلاق و«نظافة» الذمة ،  تبدأ كلها من «نظافة» الجسم.  

أحب الرقص ، وأعشقه ، لأنه يعبر عن انطلاق الجسم دون أى قيود ، حركات حرة رشيقة ، تلهم القوة والاستغناء والكبرياء والكرامة . 

جسمى ، هو وطنى ، وبيتى . فكيف أفرط فى ملكيته ؟؟.  

منْ لا يملك جسمه ، لم يبق له شئ . يعيش شريدا ، مهانا ، مذلولا .

إن علاقة الإنسان العربى بجسمه ، وعلاقة الإنسانة العربية بجسمها ، علاقة «مُلغمة»، «معقدة»، «مريضة»، «متناقضة»، وليست بخير على الإطلاق، وإذا كنا نريد الصحة الجسمية والصحة النفسية ،  فعلينا تصحيح هذه العلاقة .

منذ أيام كنت أناقش «ملكية الجسد» مع رجل اعلامى ، محسوب على التنوير والتقدم وحقوق المرأة . فى نبرة مستنكرة غاضبة متهمة سألنى: «يعنى إيه تملكى جسمك؟، ده كلام واحدة عايزة تمشى على حَل شعرها زى الغرب الكفرة؟» .  " غرب كفرة " ، أهذا كلام معقول ، يصدر من رجل محسوب على التنوير ، متعلم ،  اعلامى ؟؟ . ما علينا . سألته: «ألا تملك جسمك؟»، بسرعة حاسمة وفى فخر ذكورى قال: «طبعًا، أملك جسمى هو أنا عبد مملوك للأسياد»، قلت: «تبقى عايز تمشى على حَل شعرك زى الغرب الكفرة».. فلم يرد.

أعتقد أن سبب عدم رده يكمن فى المثل القائل: «كل بئر تنضح بما فيها»، وأقول لهذا الرجل وغيره ممنْ لهم التفكير نفسه ، أن الذى يمنعنى فعلًا من أن أمشى على حل شعرى ، هو بالتحديد أننى «أمتلك جسمى»، ومسئولة عنه ولست أرضى له المهانة بجميع أشكالها ودرجاتها.

----------------------------------------------- 

من بستان قصائدى

----------------------    

 قصيدة : فى صمت أسكب آهاتى

-----------------

 

ماذا أفعل هنا

فوق الأرض

وكل منْ أحبهم

تحت التراب ؟

كلما أحببت أحدا

فجأة أو بعد تلميحات غامضة

يروح عنى ويختفى

ولا يبقى لى شئ

الا المرارة والألم وشطحات الذهول

كل منْ أحببت

اسمه مدون

فى دفتر الانصراف

لكنه بالدم منحوت

فى دفتر الحضور

أحمل حسرتى وارتعاشات قلبى

وأذهب الى زيارة القبور

أسكب آهاتى فى صمت

وأضع باقة من الزهور

أصل الى البيت منهكة

أعد القهوة ورائحة البخور

وأشرد طويلا أتأمل حالى

ألتحف بالسؤال المحرم المحظور

لماذا يُمنع كل أحبائى

ويُسمح لى أنا بالمرور ؟

لماذا فى مكانهم يتجمدون

وأنا أستطيع التحرك والعبور ؟