أخبار عاجلة
حريق ضخم يلتهم مبنى شاهقا فى البرازيل -
سامر الجمال.. مشوار ممتد مع «الكبير أوى» -

مدحت بشاي يكتب : المصري.. ومعالجاته النقدية الساخرة

مدحت بشاي يكتب : المصري.. ومعالجاته النقدية الساخرة
مدحت بشاي يكتب : المصري.. ومعالجاته النقدية الساخرة
 
معلوم أن أقدم نكتة فرعونية ، تعود إلى العام 1600 قبل الميلاد ، وهي نكتة محفورة على المعابد المصرية القديمة وبالتحديد في عصر الملك سنفرو ، وتقول النكتة الفرعونية ، إذا أردت أن تسلي الفرعون العظيم سنفرو وتخفف عنه همومه فعليك بدفع مركب في مياه النيل على متنها أجمل فتيات مصر ، على أن تستبدل تلك الحسناوات ملابسهن بشباك الصيد ، ثم تطلب من الفرعون الذهاب لصيد الأسماك في النيل بدون شبكة صيد لينتقي الشباك التي تروق له ..
وأشار أستاذ علم التاريخ بجامعة وولويرامبتون الدكتور بول ماكدونلد الذي نجح من خلال دراسة أجراها جمع أقدم 10 " نكت " في التاريخ ، إلا أن النكتة كانت تتغير بتغير الأزمنة والقرون ، فتارة تأخذ شكل فزورة أو لغز وتارة أخرى تأخذ شكل الفكاهة والدعابة ، لافتًا إلى أن الغرض من التنكيت منذ فجر التاريخ ، هو تناول موضوعات محظور الاقتراب منها بروح من الدعابة ، للتملص من الوقوع تحت طائلة القانون من أكبر مهددي أي رجل منذ فجر التاريخ وهما الزوجة والحاكم ..
كما سخر المصريون من الهكسوس ، فصوروهم على جدارياتهم على شكل فئران ، وقد جلسوا على مقعد الفرعون ، بينما القطط وهى حيوانات فرعونية مقدسة تقوم بخدمتهم ، فالمصري صار تابعًا  للمحتل ! ، ويقول هيرودوت إن " المصريين شعب ماكر ، لاذع القول ، روحه مرحة .. " ..
لقد عرف المصريون النكتة بأشكالها ووسائطها المختلفة عبر تاريخنا المصري المعاصر ، وحتى ظهرت على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى ، وتعد السخرية السياسية مكون رئيس للثقافة السياسية للمصريين الذين يتعاملون مع واقعهم دائما بالسخرية ..
اكد شريف اللبان ان مواقع التواصل الاجتماعى تلعب دور مجتمعي مهم فى مسار الاحداث التى تمر بها مصر منذ ثورة الخامس والعشرين و حتى الأن ، فهى اصبحت كالمجال العام و اصبحت تعبر عن كافة اتجاهات الرأى العام المصري ، فضلًا عن تأكيده على انها وسيله إعلام رئيسية فى حياة الشباب ولذلك فهي تلعب دور هام في تشكيل وتوجيه الرأي العام ..
يبدو أن الكاتب الكبير " أحمد أمين " كان على حق في رصده منذ ما يقارب القرن من الزمان ووصفه لعلاقة  المواطن المصري بالنكتة في زمانه عندما كتب " إن أشد الناس بؤسا ، وأسوأهم عيشة ، وأقلهم مالًا ، وأخلاهم يدًا ، أكثر الناس نكتة .. ففي القهاوي البلدية ، حيث يجلس الصناع والعمال ، ومن لا صفة لهم ولا عمل ، وفي المجتمعات الشعبية ، حيث يجتمع البؤساء والفقراء تجد النكتة تحل بينهم محلًا ممتازًا.. ونجد ابن النكتة محبوبًا مقدرًا، يفتقد اذا غاب ، ويبجل إذا حضر .. كأن الطبيعة التى تداوي نفسها بنفسها، رأت البؤس داء فعالجته بالنكتة دواء .. " ..
وهل ننسى ، موجة انفجار النكات والتعليقات الساخرة عقب أحداث ثورة يناير  2011  ..  والتي كان في صدارتها انتشار النكتة التي جمعت مبارك بالرئيسين الراحلين عبدالناصر والسادات في الآخرة ، فعندما سأله الرئيسان السابقان عن سبب انتهاء حكمه بالقول " منصة ولا سم ؟ " ، قال مبارك " لأَ.. فيس بوك " ..
ومن النكات الأخرى " أن مبارك عقد جلسة مع العادلي وقال له محتدًا : منعت الحشيش يا فالح أهو الشعب فاق"  ..
وكان اعتراض الشعب المصري على حكومة الشعب عام 30 برئاسة إسماعيل صدقي أحد رموز الدكتاتورية في مصر اعتراضًا كبيرًا عندما قالوا أن أحد المواطنين كان يسير في الشارع وهو يردد : 
ـ آه يا حكومة يا حرامية ..
ـ فجره العسكري من قفاه إلى مأمور القسم ، وهناك أحس المواطن بالخطر عندما سأله المأمور كيف يجرؤ أن يقول أن الحكومة حرامية 
ـ فرد على الفور : أنا قصدي يا فندم حكومة عبد الخالق ثروت .. 
ـ فصاح فيه المأمور قائلاً : اخرس يا كداب .. هو فيه حكومة حرامية غير حكومتنا 
ويكتب " طارق الطاهر " حول تفاعل الكاريكاتير المصري مع أحداث الثورة بمناسبة الاحتفال بذكرى نصف قرن على ثورة يوليو 1952 .. لقد احتفى الفنانون بمنجزات ثورة يوليو في رسوماتهم ، فنجد الفنان         " زهدي " في عدد صباح الخير يوم 16 فبراير 1956 ، يمثل في كاريكاتيره مجموعة من الاستعمار " أوربي ، يهودي ، تركي " وهي تحاول تسلق سور ضخم كُتب عليه عبارة " السياسة الاستقلالية " أما تحت الرسم فهناك جملة قصيرة ذات دلالة وهي " السد العالي الذي بنيناه أمام الاستعمار " وفي الجانب الآخر من الحائط تبدو في الأفق ظلال المدينة والآلات الضخمة التي تستخدم في البناء والتعمير ، ولعل الفنان الكبير " صلاح جاهين " كان خير معبر عن هذه الثورة ، إذ تمكن من خلال رسوماته ، التنبؤ بأحداثها ، وهذا ما يؤكده " ناصر عراق " بقوله  " لقد كان يتمتع بحساسية مرهفة وخيال شجاع ، إذ شعر على الفور بالتوجه الجيد لمصر الثورة نحو العالم العربي ، ورفع شعارات الوحدة والقومية ، لذا نجد في عدد 5 يوليو من صباح الخير ، يسعدنا برسم كاريكاتوري يضج بالنبوءة ، ومقسم إلى ثلاث لوحات ، الأولى تمثل فلاحًا مصريًا يندفع نحو مصافحة فلاح سوري يفتح ذراعيه لاستقبال شقيقه المصري بود وقد تم تسجيل تاريخ هذه اللقطة عام 1955 ، أما اللوحة الثانية التي تعبر عما حدث عام 1956 ، فعبارة عن لحظة احتضان حميم بين الرجلين ، في حين كانت اللوحة الأخيرة تلخيصًا مدهشًا لاتحاد الرجلين في شخص واحد ، وقد تساءل " اتحاد مصر وسوريا سنة ؟؟ " ويضيف ناصر " إن عبقرية صلاح جاهين تتجلى في هذه النبوءة التي حدثت فعلاً بعد عامين من هذا الكاريكاتير ، عندما تم إعلان الوحدة بين البلدين عام 1958 " ..
مع أن النكتة المصرية لا تخرج إلى الوجود إلا إذا كان الوضع غامضًا وغير مفهوم .. وهذا هو الواقع بالنسبة للثورة المصرية .. لأن جميع من قاموا بالثورة كانوا غير معروفين للشعب المصري .. الأمر الذي أطلق التكهنات التي صاحبتها النكت .. وقيل يومها أن أحدهم قال لصديقه : النهاردة حر .. فرد عليه : احنا مش قلنا بلاش كلام في السياسة ..
وعبر المصريون عن رأيهم في الثورة أصدق تعبير بهذه النكتة : عندما سأل أحد المسئولين مواطنًا بسيطًا قائلاً : أنت بتحب الثورة 
ـ أنا بحب الثورة .. وباموت في الثورة .. حتى نفسي في ثورة ثانية !! ..