إبراهيم الديب يكتب : تبدل القناعات

إبراهيم الديب يكتب : تبدل القناعات
إبراهيم الديب يكتب : تبدل القناعات
 
 
منذ الصغر يأخذ نفسه بالشدة زيادة في الورع والتقوي ،ومخافة الوقوع فى الفتنة  مبدلا لمنطق إباحة الحياة ومتعها لعباد الله، إلا ما حرم الله، فعكس هو المبدأ وحرم  الحياة فلم يقربها أو يصيب منها الا ما  يعتقده مباحاً ناشدا بذلك سعادة تملأ عليه اقطار نفسه ورضا وان يهبه الله شفافية ونور يلقيه في قلبه، ولكن القلق استبد بنفسه وسيطر عليها ضيقا وقلقا وتوترا،  وضيقا، فاضطربت لكل ذلك شخصيته فتحول ما بكابده لخوف يقتات منه؛ ليل نهار ويظهر الخوف على صورة خجل؛ فلبس الخجل ثوب الدين أو التدين وظن في نفسه أن يصل يوماً  لمقام السالكين الطريق الى الله العارفين .
 مرت فترة ولكنه ليس مطمئن لما ركن إليه ، فأخذ يبحث بداخل الكتب والمصادر  عما يعتقده ،استغرق في عملية البحث فترة طويلة من الوقت  ليعزز من قناعاته وآرائه و تزيد  من عزيمته ؛مواصلة طريق التقوى أثناء بحثه  وكانت اكبر مفاجأة له فقد ؛وقف على حقيقة نفسه لأن ما قرأه من أجل تعزيز أفكاره المتشددة الانعزالية وخاصة عن الدين عكس تصوراته عن الكون والناس والحياة التي استقاها من الكتب التي عكف عليها دون او إرشاد من صاحب تحربة؛لفترة ونظر للدنيا من خلالها  وبدأت هذه القراءات في الفلسفة والأدب والدين وعلم النفس والتاريخ  تعطي كل النفس من كل علم بنسبه لا يطغى جانباً منها على آخر حتى لا تضطرب النفس ويختل ميزان العقل:  تسربت هذه القراءات  العميقة و تمددت بداخل نفسه وكلن استقبال عقله لها أول الأمر ليس على سبيل القناعة ولكن من مناقشتها  داخليا لتقييمها ولكنها أجابت نفسه وعقله عن أسئلة ارقته طويلاً فبدلته لشخص أكثر سماحه واقبالا على الحياة  وكان لتأثيرها على عقله التي شكلته وإعادة صياغته لمراجعة ما يعتقده من أفكاره المتشددة.
ولكن  تبقى هناك مشكلة كيف يواجه الناس والمجتمع بهذا الانقلاب الفكري الذي يؤمن به ايمان الجبال الراسيات وهو الشخصية الحساسة التي تقترب من التفرد بعد عيشه لفترة طويلة بين يبشر بالجمود والتحجر وأنه لن يتخلى مطلقا  عن مبادئه بل بشر بها غيره واعتناقها ، فكيف يجهر بهذا التحول سيتهمه الناس أنه شخصية مذبذبة وأنه تحوله هذه المرة من الانغلاق الشديد إل  الاقبال على الحياة فبدا في الحالتين أقرب للتطرف،  ولعدم قدرته  المواجهة ابدي للمجتمع:  ظاهراً متشددا ،وباطنا متسامحا يرغ  بإخبار الجميع حقيقته و أن يقص عليهم  معاناته ومكابدته للتجربة الروحية التي مر بها وسيخبرهم انه في المرتين كان صادقا.
  داهمه حلم تكرر أكثر من مرة في فترة قصيرة يكاد  يكون مشهداً من فيلم لتطابق الأحداث المكان والفترة الزمني التي يدور فيها بأنه: يسير  حافياً القدمين ،وحلم آخر لتجول بين الناس دون ملابس ،وبعد استشارته الطبيب والمحلل النفسي الذي انصت لكل شئء عن حياة مريضه وهو ممدد في عدة جلسات واخبر الطبيب أيضاً أنه؛ يظهر للناس غير ما يبطن خشية منهم، فقال الطبيب: انه اذا شاهد الحالم نفسه المشي حافي  في المنام, ولا يقوى على جر أقدامه فهي  من الرؤى الغير المحمودة و تدل على تعرض الحالم لكثير من المشاكل على مستوى الوعي وهذا امر طبيعي لمثل حالتك. أما حلمك ماشياً عارياً فيدل على ثقتك وقدرتك،  علي مواجهة الصعاب وعدم الخوف منها ويدل ايضا على جرأة وصدق ونقاء سريرة وهذا ما يعذبك وسبب لما تعيش فيه الآن من قلق  وتوتر  وزيادة شرح للحلمين هو انك ترفض السير مجددا  في نفس طريق البداهة الواضح الذي تبطنه ، لأنك تمر بمستويات عميقة من الوعي فتقوم بكبتها بداخلك فتخرج منك ليلا كما سردتها على، فبعد معرفتك الحقيقة أنت ترفض ارتداء أقنعة مزيفة  لا تعبر عن قناعاتك التي سببت زيارتك و استشارتك لي ،فوعيك الباطن يرغب في التخلص  مما يظهره للمجتمع وليس أمامك أن يكون الظاهر والباطن شيء واحد وأن يكون سلوكك و تصرفاتك تعبر تماماً عما تعتقده، كان الحالم ينصت بشغف للطبيب الذي حملق فيه بلا رحمة  ؛حافرا في طبقات لا وعيه  وكأنه يقرأ من كتاب مفتوح ..
لم يرغب في مقاطعة حديث الطبيب  لأن  كل ما تفوه  به عزز قناعاته وداهم عقله ونفسه ولكن ليس بهذا الوضوح والطمأنينة التي  تسللت لداخله ولكن بصورة غامضة مبهمة ضبابية : لم يستطع وضعها في جمل وحروف كما فعل الطبيب :عاد بعدها  للبيت مستجمعا امره متخذا لقرار أن الظاهر هو الباطن وطلب من ابنته فتح النافذة المطلة باتجاه الشمال ، وهي المرة يطلب فتحها لاعتقاده جلب التلصص على حياته واقتحام الآخرين لها  ، فتسللت من النافذة نسمة من مزيج مما يحمله طقس كل فصول العام .فبددت طقسا رطب بارد برائحته المختزنة مستبدلة بها رائحة نفذت مباشرة لرئتيه فتناغم معها كل جسده .
وتسلل ضوء الشمس في وضوح الحقيقة منذ عهودها السحيقة ، وسرت في كيانه وسكينة وهدوء في نفسه ثم أسترخي مستسلما لنوم يطلبه، فلم يسر في الحلم : دون ملابس أو حافي القدمين.