"غزة" وما خفى كان أعظم بقلم د.جميل جورجى

"غزة" وما خفى كان أعظم بقلم د.جميل جورجى
"غزة" وما خفى كان أعظم بقلم د.جميل جورجى
يتسم الصراع الفلسطينى الإسرائيلى بالعديد من الخصائص التى ينفرد بها دون غيره من الصراعات الأخرى التى جعلته عصياً على الحل فهو من أقدم الصراعات فى التاريخ إن لم يكن أقدمها على الإطلاق بل وأطولها بالإضافة إلى كون صراع وجودى لا يمكن تسويته بالطرق المتعارف عليها.. من بين هذه الخصائص إنه صراع إحادى ذو خلفية عقائدية مما يزيد من تعقيده وأن جل ما يمكن الوصول إليه لا يعدو أن يكون سوى مجرد هدنة مؤقتة وليس سلاما دائما نتيجة ربط الجوانب الدينية بالممارسة السياسية.
 وقد أكد الدكتور "حامد ربيع" أستاذ النظرية السياسية على تلك الحقيقة فى مؤلفه "فلسفة الدعاية الصهيونية" فكتب يقول لقد ركزت الدعاية الصهيونية على الربط ما بين النواحى الدينية والحركة السياسية أى بين الصهيونية كمذهب والمسيحية كعقيدة فى براعة دعائية لا مثيل لها.. وقد كان التأييد المطلق للغرب لإسرائيل لاسيما من جانب بريطانيا التى لعبت دوراً كبيراً فى إقامة الوطن القومى لليهود (وعد بلفور) الذى كان بمثابة اللبنة الأولى فى ذلك المشروع الصهيونى ومن بعدها وريثها الشرعى الولايات المتحدة .. من بين العوامل الأخرى التى تزيد من تعقيد ذلك الصراع خصائص المنطقة التى يدور فيها والتى تعنى أن أي صراع مهما صغر حجمه من السهل تدويله على اعتبار أنها المنطقة القلب التى من خلالها يتم السيطرة على العالم.. تلك الحقيقة يؤكد عليها "إدوارد برايس" المحاضر "بمركز الشئون العالمية" قائلاً هناك سبب قوى يقف وراء ذلك الشعور بعدم الأمان الذى يعترى العالم الآن وما إذ كنا على أبواب تلك الحرب التى تستنزف كل شيء ويقصد الحرب العالمية الثالثة.. وقد حاول كل من "جوناثان ريجيف" و"جيف أبراموفيتز"من خلال تلك الدراسة التى حملت عنوان "لا يوجد مكان آخر ؟ معركة إسرائيل الشرسة للسيطرة على قناة السويس" إماطة اللثام عن الأسباب الحقيقية التى تقف وراء الحرب فى غزة.. وتؤكد تلك الدراسة على اعتقاد إسرائيل بأن قناة "بن جوريون" هى البديل الذى من شأنه إلغاء استخدام "قناة السويس" و"مضيق تيران كوسيلة ضغط فى يد مصر ضد إسرائيل بينما يعتقد البعض أن هذه القناة يمكن أن تؤدى إلى تحفيز التعاون الإقليمى وإحلال السلام فى المنطقة حال توصل الإسرائيليين والفلسطينيين إلى حل مقبول يرضى كلا الطرفين كحل الدولتين.
فى هذا السياق، تزعم صحيفة "إسرائيل هايمون" أنه مع استمرار تطور الاقتصاد العالمى والتقدم فى ديناميكيات القوة تصبح قناة "بن جوريون" بمثابة عامل تغيير فى إعادة تشكيل طرق التجارة العالمية وتعزيز الاقتصاديات الإقليمية وربما إعادة تعريف التحالفات "الجيوسياسية" فى الشرق الأوسط وخارجه.. من بين الدوافع التى دفعت بها صحيفة "هايمون" هى منع مصر فى الفترة ما بين 1948-1950 السفن الإسرائيلية من العبور مما أثر بدوره على قدرتها على التجارة مع شرق إفريقيا وآسيا واستيراد النفط من منطقة الخليج.. وبالرغم من أن "نظرية المؤامرة" تقف وراء العديد من التحليلات التى تتعلق بالصراعات التى تقع حول العالم بصفة عامة إلا أنها تصبح من القوة بمكان فيما يتعلق بالصراعات التى تقع فى منطقة الشرق الأوسط لاسيما الصراع الفلسطينى الإسرائيلى .. من بين الأسباب التى أدت إلى هجوم 7 أكتوبر ذلك الخبر الذى أذاعته إحدى القنوات الإخبارية ألا وهو أن إسرائيل قد أعدت خمس بقرات حمراء تم نقلها إلى "مزار شيلون" يتراوح عمرها مابين عام ونصف إلى عامين ووفقاً للشريعة اليهودية لابد وأن تصل أعمارها إلى ثلاث سنوات .. وقد صرح "بارون ستينسون" الأمريكى الجنسية الذى ساعد فى الحصول على هذه العجول الحمراء بعد ألفى عام من هدم "الهيكل" على يد القائد "تيطس" الرومانى بأنه كان من المخطط الاحتفال بها فى عيد "الفصح" أى الموافق فى7 أكتوبر( طوفان الأقصى ).. من بين الأدلة التى تؤكد على أن هجوم 7 أكتوبر كان دافعه الحيلولة دون بناء "الهيكل الثالث" ما صرح به "جيرشون سالمون" قائد جماعة جبل المعبد والمسئول عن كافة متطلبات "الهيكل" قائلاً إنه قد حاول أكثر من مرة البدء فى أعمال بناء الهيكل إلا أن الشرطة الإسرائيلية كانت تمنعه.. بالإضافة إلى ذلك تصريح الحاخام "إسحق مامو" عن قيامه بشراء قطعة الأرض المواجهة لجبل الزيتون الذى يجب أن يتم ذبح "العجلة الحمراء" قباله وجمع رمادها لتطهير ماء الوضوء للكهنة قبل الدخول للهيكل والتى كان من المزمع الاحتفال بها فى 7 أكتوبر.
 وقد ذكرت أحد المقالات التى تم نشرها على موقع  "المنظمة البريطانية" التى ادعى الباحث"إيهود روزن" علاقتها بالإسلاميين أن ما قامت به إسرائيل فى "غزة "لم يكن بأى حال من الأحوال بهدف محاربة "حماس" بسبب هجوم 7 أكتوبر، وأن ذلك التفسير من شأنه إخفاء الأهداف الحقيقية للحكومة الإسرائيلية.. على الجانب الآخر صرح الصحفى البريطانى "ريتشارد ميدهورست "خلال مقطع فيديو على موقع "أكس" تمت مشاهدته من قبل 1.6 مليون شخص يصف فيه قطاع غزة بمعسكر اعتقال تديره إسرائيل، مؤكداً على الخلفية الاقتصادية والجيوستراتيجية للصراع الحالى فى غزة.. وقد استطرد "ميدهورست" قائلاً إن كل من إسرائيل والولايات المتحدة يخططان منذ عقود طويلة لبناء قناة "بن جوريون" وأن قصف "قطاع غزة" كان من أجل بناء هذه القناة التى سوف تعمل على ترسيخ سيطرة إسرائيل والولايات المتحدة على أهم ممر ملاحى فى العالم.. وتؤكد "جوناس هيستاور" على أن أسطورة قناة "بن جوريون" تعود إلى فكرة تمت مناقشتها بالفعل فى الولايات المتحدة فى الستينيات وهى قناة تربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر فى إيلات وبالتالى توفير بديل لقناة السويس ولكن تم رفضها وقتذاك .. إن ذلك الدافع يمكن أن نجد صدى له لدى الرئيس "ترامب" وعقلية الصفقات وفى إصراره على نقل 1.5 مليون فلسطينى من قطاع غزة بدعوى أنه قد تعرض للتدمير وأصبح فى حالة من الفوضى وهو ماتم رفضه من جانب مصر والأردن والفلسطينيين.. وقد علل "ويل ويسرت" بوكالة" أسيوشيتدبرس" رفضهم لهذا المطلب لأنهم كانوا يعلمون تماماً أن إسرائيل لن تسمح للفلسطينيين بالعوة إلى غزة حال مغادرتهم لها وهو ما من شأنه أن يؤدى إلى زعزعة الاستقرار فى الداخل والمنطقة ككل.. فى الحقيقة لا يمكن استبعاد أي من هذه الأسباب التى ذكرت فهى حقيقية وقد يكون هناك غيرها مما يكمن فى العقلية الإسرائيلية السياسية والاقتصادية والدينية التى يمكن أن تطيح ليس فقط بالمنطقة وأطراف الصراع بل والعالم أجمع وما خفى كان أعظم.