السفير هشام النقيب يكتب: جهود مصر لمكافحة الإرهاب

السفير هشام النقيب يكتب: جهود مصر لمكافحة الإرهاب
السفير هشام النقيب يكتب: جهود مصر لمكافحة الإرهاب

 

شهدت مصر سلسلة عنيفة من الأعمال الإرهابية على مدار السنوات الأخيرة، حيث شهدت الفترة من 2014 إلى 2014 حوالي 1165 عملية إرهابية، وشهد عام 2017 عمليات إرهابية كبيرة من بينها استهداف كنيستي الإسكندرية وطنطا في أبريل، واستهداف دورية شرطة بطريق الواحات في أكتوبر، وأخيراً استهداف مسجد الروضة في العريش في نوفمبر. ومن ثم فإن مصر قد اتخذت نهجاً واضحاً لمواجهة الإرهاب بالأدوات العسكرية والدبلوماسية وكذلك الفكرية للقضاء على الإرهاب وتجفيف منابعه باعتباره ظاهرة دولية تمس الأمن والسلم الدوليين وتؤثر على سلامة المواطنين في أرجاء العالم، حيث بذلت مصر جهداً في هذا الصدد على كافة الأصعدة.

 

أولاً على الصعيد الداخلي، فقد قدم رجال القوات المسلحة والشرطة والمدنيون تضحيات كبيرة نتيجة تمسك مصر بالدولة المدنية ورفض فرض نموذج ثيوقراطي على الدولة المصرية يكرس للإنغلاق والرجعية ولا يحترم الآخرأوالتعددية.

فقد أطلقت القوات المسلحة منذ البداية عملية "حق الشهيد" والتي قامت من خلالها بتصفية عدد كبير من العناصر التكفيرية والبؤر الإرهابية خاصة في منطقة شمال سيناء، وكذلك ضبط عدد كبير من الأسلحة والمعدات الخاصة بهم وملاحقة العناصر الهاربة وإلقاء القبض عليهم، وحماية أرواح وممتلكات المواطنين من خطر الإرهاب وتوفير حياة آمنة لهم.

 كما تبنت مصر نهجاً شاملاً لمواجهة الإرهاب من كافة جوانبه، حيث اتخذت مصر عدداً من الخطوات في هذا الصدد كان من بينها قيام السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي بإنشاء "المجلس القومي لمواجهة الإرهاب والتطرف"، والذي يهدف إلى حشد الطاقات المؤسسية والمجتمعية للحد من مسببات الإرهاب ومعالجة آثاره، حيث يترأسه رئيس الجمهورية ويضم في عضويته رئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة القبطية ووزير الدفاع وعدد من الوزراء والشخصيات العامة.

وفكرياً فقد أطلق السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي مبادرة تجديد الخطاب الديني من على منبر الأزهر خلال الاحتفال بالمولد النبوي الشريف في يناير 2014، والتي تدعو لتصحيح المفاهيم المغلوطة والتأكيد على أن الدين الإسلامي هو دين وسطي يدعو للسلام وينبذ العنف والتطرف،  وتنقية الدين مما شابه من أفكار مغلوطة يروج لها البعض لتبرير الأعمال الإرهابية والعنف وتوفير غطاء ديني وأيديولوجي للجماعات الإرهابية للتستر وراءها وتنفيذ عملياتها الإجرامية باسم الدين، وهو الأمر البعيد كل البعد عن الدين الإسلامي السمح الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

وعلى الصعيد الإقليمي، فقد طرحت مصر رؤيتها لمواجهة الإرهاب خلال مشاركة السيد الرئيس في القمة الإسلامية-الأمريكية في الرياض في مايو 2017، والتي اشتملت على أربع نقاط:

  1. التصدي للإرهاب على نحو شامل، بما يعني مواجهة جميع التنظيمات الإرهابية دون تمييز، حيث أن التنظيمات الإرهابية تنشط عبر شبكة سرطانية، وتجمعها روابط متعددة في معظم أنحاء العالم، تشمل الأيديولوجيةوالتمويلوالتنسيق العسكري والمعلوماتي والأمني ومن ثم فإنه لا مجال لاختصار المواجهة في مسرح عمليات واحد دون آخر.
  2. المواجهة الشاملة مع الإرهاب والتي تعني بالضرورةمواجهة كافة أبعاد ظاهرة الإرهاب فيما يتصل بالتمويل والتسليحوالدعم السياسي والأيديولوجي.
  3. القضاء على قدرة التنظيمات الإرهابية على تجنيد مقاتلين جدد من خلال مواجهته بشكل شامل على المستويين الأيديولوجي والفكري، حيث أن المعركة ضد الإرهاب هي معركة فكرية بامتياز، وأن المواجهة الناجحة للتنظيمات الإرهابية يجب أن تتضمن شل قدرتها على التجنيد واجتذاب المتعاطفين بتفسيراتٍ مشوهة لتعاليم الأديان.
  4. عدمتوفير البيئة الإقليمية الحاضنة للتنظيمات الإرهابية، والتي تتمثل في تفكك وزعزعة استقرار مؤسسات الدولة الوطنية في المنطقة العربية، ومن ثم ضرورة استعادة وتعزيز وحدة واستقلال وكفاءة مؤسسات الدولة الوطنية في العالم العربي، بما في ذلك تلبية تطلعات وإرادة الشعوب نحو النهوض بالدولة، من خلال تكريس مسيرة الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي، والوفاء بمعايير الحكم الرشيد، واحترام حقوق الإنسان، وترسيخ مفاهيم دولة القانون والمواطنة واحترام المرأة وتمكين الشباب.

كما تبنى مجلس جامعة الدول العربية في دورته غير العادية في 4 ديسمبر 2017 بناء على طلب مصر، قرار بشأن تطوير المنظومة العربية لمكافحة الإرهاب، والذي يشدد على أهمية تنسيق الجهود العربية والدولية في مجال مكافحة الإرهاب من خلال تبادل المعلومات والتعاون الأمني والقضائي والتنسيق العسكري، ويقرر إدانة بأشد العبارات الحادث الإرهابي الذي استهدف مسجد الروضة في العريش، وكافة العمليات الإجرامية التي تشنها التنظيمات الإرهابية في الدول العربية وكافة دول العالم، وتثمين الجامعة العربية لدور مصر في مكافحة الإرهاب والإشادة بالدور الوطني الذي تقوم به القوات المسلحة المصرية والأجهزة المعنية في صون الاستقرار والأمن، وتثمين التضحيات التي تقدمها في مكافحة الإرهاب ومواجهة التنظيمات الإرهابية، والتأكيد على الحق الثابت للدول الأعضاء في اتخاذ جميع الإجراءات واستخدام كافة الوسائل التي تحول دون تعرضها لأية تهديدات أو اعتداءات، واعتبار مكافحة الإرهاب حقاً أساسياً من حقوق الإنسان لما للإرهاب من آثار مدمرة على قدرة المواطنين على التمتع بالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وعلى الصعيد الدولي، فقد بذلت مصر جهداً واسعاً في المحافل الدولية ، حيث تم تبني خطاب السيد الرئيس أمام قمة الرياض والذي يتضمن رؤية لمصر لمكافحة الإرهاب كوثيقة رسمية في الأمم المتحدة،  كما أكد السيد الرئيس في خطابه أمام الأمم المتحدة في سبتمبر 2017 على أنالمنطقة العربية أصبحت هى الأكثر تعرضًا لخطر الإرهاب وبات واحد من كل ثلاثة لاجئين في العالم عربياً ، وأن مصر التى تخوض حربا ضروسا لاستئصال الإرهاب من أرضها ملتزمة بمواجهته وتعقبه والقضاء عليه بشكل نهائي وحاسم حيثما وجد، مؤكداً أن مواجهة الإرهاب كانت على رأس أولويات مصر خلال فترة عضويتها في مجلس الأمن على مدار عامي 2016- 2017، ورئاستها لمجلس مكافحة الإرهاب ليس فقط دفاعا عن مستقبل مصر، بل دفاعا عن مستقبل المجتمع الدولي بأسره.

وقد ترأست مصر الاجتماع الخاص للجنة مكافحة الإرهاب في نيويورك حول التعاون الدولي في المجالين القضائي وإنفاذ القانون لمواجهة الإرهاب في يونيو 2017، وهو الاجتماع الذي بادرت مصر بعقده بوصفها رئيس لجنة مكافحة الإرهاب بمجلس الأمن، حيث أكد وفد مصر خلال الاجتماع على أن التعاون القضائي الدولي في مكافحة الإرهاب هو أحد أهم أركان جهود مكافحة الإرهاب وضروري في إطار التوجه الشامل للتصدي للإرهاب، وأن توافر الإرادة السياسية لدى الدول هي شرط أساسي لتفعيل التعاون القضائي الدولي في مكافحة الإرهاب، وأن التعاون الدولي يستلزم بالضرورة تبادل الدول للمعلومات لوقف تمويل الإرهاب ومنع إمداد الإرهابيين بالسلاح. وأكد الوفد أن اعتماد مجلس الأمن للقرارات، بما في ذلك القرار 2322 حول التعاون القضائي الدولي في مجال مكافحة الإرهاب هو أمر مهم، إلا أن الأمر الأكثر أهمية هو توافر الإرادة السياسية للدول لتنفيذ تلك القرارات، ومتابعة مجلس الأمن لتنفيذ تلك القرارات، ومحاسبة للدول التي لا تلتزم بالتنفيذ الكامل، وتلك التي تستمر في دعمها للإرهاب وإيواء الإرهابيين.

كما تبنت مصر قرار منع حصول الإرهابيين على السلاح والذي تم اعتماده في مجلس الأمن في أغسطس 2017 وذلك خلال ترأس مصر للمجلس، حيث أكد الوفد المصري على أهمية موضوع منع حصول الإرهابيين على السلاح،والتي جعلت الرئاسة المصرية للجنة مكافحة الارهاب حريصة على تنظيم إحاطة مفتوحة حول الموضوع في اطار لجنة مكافحة الارهاب في شهر مايو 2017، وذلك بمشاركة جميع الدول اعضاء الأمم المتحدة والمنظمات ذات الصلة. حيث شدد الوفد المصري كذلك على أن تسليح الارهابيين والتنظيمات الارهابية هو أمر غاية في الخطورة، وأنه جريمة لا تقل بشاعتها عن العمل الإرهابي نفسه، وأن إمداد الإرهابيين بالسلاح يعنى بشكل مباشر امدادهم بالوسيلة التي يستخدمونها في ارتكاب جرائم القتل والتدمير والترويع، بما في ذلك ضد النساء والأطفال، ومن ثم فإنه يتعين على المجتمع الدولي، ممثلاً في الأمم المتحدة، التصدي لذلك الأمر بمنتهى الجدية والحسم، ومحاسبة الضالعين في امداد الارهابيين والتنظيمات الارهابية بالسلاح. 

كما تبنت مصر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن "آثار الإرهاب على التمتع بحقوق الإنسان" والذي تم اعتماده في نوفمبر 2017، والذي يؤكد على أن للإرهاب أثراً خطيراً على التمتع الكامل بجميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية وبأنه يمكن أن يعطل التنمية بطرق منها على سبيل المثال لا الحصر تدمير البنى التحتية والإضرار بقطاع السياحة وإبعاد الاستثمار الأجنبي وتعطيل النمو الاقتصادي وزيادة تكاليف الأمن، وذلك على إثر رؤية السيد الرئيس التي أطلقها في مؤتمر الشباب في شرم الشيخ بأن التصدي للإرهاب هو حق من حقوق الإنسان.

فضلاً عن ذلك، فقد تبنت مصر قرار الجمعية العامة بشأن "آثار الأعمال الإرهابية الموجهة ضد المواقع الدينية على ثقافة السلام" والذي تم اعتماده في نوفمبر 2017 ، والذي يدين بشدة كل أعمال العنف أو التهديد بالعنف أو أعمال التدمير أو الإضرار أو التعريض للخطر الموجهة ضد المواقع الدينية لمجرد كونها مواقع دينية، ويدين على وجه الخصوص الهجوم الإرهابي الذي استهدف مسجد الروضة بمدينة العريش، وذلك على إثر الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها دور العبادة في مصر من كنائس ومساجد.

إن مصر بحضارتها الضاربة في التاريخ أخذت على عاتقها التصدي للإرهاب كونه عدواً للإنسانية وذلك نيابة عن المجتمع الدولي ومن منطلق مسئوليتها التاريخية في الزود عن الحضارة والإنسانية. إن مصر تقف على خط المواجهة في التصدي لهذا الشر المطلق الذي ينال من أمن وحرية المواطن سواء في مصر أو في أي من بلدان العالم، ويهدد سبل العيش الكريم والفرص الاقتصادية، ويشكل خطراً على الحضارة الإنسانية والتراث البشري، ومن ثم فإن مصر على ثقة من أن كافة شعوب العالم ستقف إلى جانبها لدفع هذا الشر ودحر قواه وتجفيف منابعه وتخليص العالم من آثاره.