أيمن السميري يكتب: كمال أدهم

أيمن السميري يكتب: كمال أدهم
أيمن السميري يكتب: كمال أدهم

الناس اللي سألتني عن كمال أدهم اللي ذكرته في البوست السابق:
هأحكي لكم حكاية رجل المستحيل، كمال أدهم، رئيس جهاز الإستخبارات السعودي خلال عهد الملك فيصل. رجل الظل الغامض ده، محدش فكر يعمل مقاربة لدوره الجهنمي، في تحويل مصر الناصرية، بكل ميراثها العلماني المدني اللي كان امتداد للأسس اللي أرساها محمد علي وأولاده.. مش هابالغ لو قلت لكم إن اللي عمله الراجل ده، في حياة المصريين يمثل إنقلابًا فكريًا، وإجتماعيًا، ودينيًا دراماتيكيًا.

كمال أدهم إتولد في اسطنبول تركيا، إتعلم عندنا في مصر في كلية ڤيكتوريا زيه زي الملك حسين، وعمر الشريف ووجهاء كتير من المنطقة، وبعدين كمل دراسته في الجامعة الأمريكية بالقاهرة، اللي أطلقت اسمه علي أحد مراكزها البحثية، لأنه تبرع لها بعشرة مليون دولار، وكان لحد موته عضو في مجلس أمناء الجامعة.

نرجع بس الأول، لعلاقة جمال عبد الناصر بالملك فيصل، وعلي بلاطه كده كانت علاقة كراهية، عبد الناصر كان عنده كراهية طبيعية للدول اللي كان بيسميها دول محافظة رجعية من الملكيات "الثيوقراطية" الدينية اللي بتمثل خطرًا علي الدول الحضارية زي مصر وسوريا والعراق، وأظن الأيام أثبتت صحة هذا الاعتقاد، الملك فيصل كان بيكره عبد الناصر بعد تدخله في اليمن، الحديقة الخلفية لآل سعود، وكمان ما نسيش إن عبد الناصر قبل لجوء الملك سعود لمصر بعد ما فيصل أزاح أخوه سعود، للدرجة اللي خلت فيصل يطلب من إسرائيل تخليص المنطقة من ناصر، ودا مش كلامي دا كلام المخابرات الأمريكية.

عبد الناصر كان عارف إن عنده اتنين هواهم ديني رجعي، الأول كمال الدين حسين وزير التعليم سبب كل الكوارث في التعليم المصري وأول واحد يلغي مادة الأخلاق العامة ويفرض بدلا منها ماده اسمها التربية الدينية في التعليم، عشان يفرق بين المسلم والمسيحي، مش بس كده غير منهج اللغة العربية وحوله لمنهج ديني في الشرح، يعني الإنشاء والتعبير يبقي ديني والإعراب يبقي لأمثلة دينية وكده، وتحول كتاب المطالعة في العهد الملكي إلي كتاب القراءة، ما علينا دي كارثة تانيه نبقي نعمل لها بوست لوحدها.

الشخص التاني صاحب الهوي الرجعي كان معروف لدي مجموعة حركة يوليو وهو السادات اللي كان براجماتي ويستطيع التكيف مع كل التوجهات في الحقبة الناصرية، حتي إن عبد الناصر لما دخل عليه سكرتيره وطلب منه ترشيح حد من مصر يكون أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي سنة ١٩٥٥، ناصر قال لسكرتيره ضاحكًا: ودي عايزه كلام أنور طبعًا. عبد الناصر في الوقت ده كان عامل حملة لا هوادة فيها علي الإخوان بعد ما اكتشف محاولاتهم العديدة لاغتياله، وهربت أغلب كوادرهم للحاضنة الرديكالية السعودية.

كمال أدهم رجل الملك فيصل الأول وشقيق زوجته من الأم، الملكة عفت الثنيان آل سعود، وجد ضالته في شخصية أنور السادات واستقطبه، وأصبح السادات ميالًا للهوي السعودي، للدرجة اللي خلت الملك فيصل سنة ٦٦ يقول لو حظنا حلو يصبح السادات رئيسًا لمصر.

جريدة الواشنطن بوست الأمريكية في عددها بتاريخ ٢٢ فبراير ١٩٧٧ ( ها أحط لكم الرابط في أول تعليق) وفي صفحتها الأولي (زعمت) إن السادات منذ الستينات كان بياخد مرتب شهري من كمال أدهم، وقالت في نفس المقال إن الملك حسين كان بيتقاضي راتب من المخابرات الأمريكيه، المدهش إن حافظ غانم سكرتير السادات لما شاف مقال الواشنطون بوست طلب من السادات إن نبعت احتجاج للخارجية الأمريكية أو نرفع قضيه علي الواشنطون بوست لكن السادات رفض يعلق وإلتزم الصمت.

نرجع لكمال أدهم اللي كانت فرحته طاغية بتولي السادات، اللي ناصر كان اختاره أحد نوابه، في ظروف ضاغطة بعد ٦٧ نحكي أسبابها بعدين، وأبرم كمال أدهم مع السادات صفقة التخلص من الخبراء السوڤيت بنصيحة من الملك فيصل كعربون يقدمه السادات للأمريكيين، وكمان يبعد رجال عبد الناصر من حوله فيما عرف بثورة ١٥ مايو ١٩٧١ اللي سجن فيها السادات كل رفاقه الناصريين، وسماهم "مراكز القوي"، واستجاب لطلبات أدهم بإعادة الإخوان من السعودية والجلوس مع قادتهم زي عمر التلمساني والهضيبي ومصطفي مشهور، وإصدار مجلة الإخوان "الدعوة" بانتظام، مش بس كده طلب منه تمكينهم بكل معني كلمة تمكين يعني في الإعلام والتعليم والجامعات، والنقابات، وحتي أندية الكورة الجماهيرية، عشان يحاربوا الناصريين والإشتراكيين من مؤيدي الناصرية.

السادات طبعًا كرجل ديني الهوى بطبيعته، وملقب نفسه "بالرئيس المؤمن"، استجاب وبدأ التحول الكبير في مصر فيما عُرف (بتديين وأسلمة المجال العام)، وأصبح خطاب مصر العام ديني، ظهرت تجلياته في شيوع غطاء رأس السيدات المسمي حجاب وشيوع المظاهر الدينية في الحياة العامة والمصالح، وتقسيم المجتمع المصري للمرة الأولى لمسلم ومسيحي، وانتشار الفكر الخرافي، والغيبيات، وتحريم الأعياد المصرية، زي شم النسيم ووفاء النيل، والحصاد، والسبوع، وتحريم أرباح البنوك، وتحريم الفنون والغناء والموسيقي.. شيوع بيزنيس الحج والعمرة وبتعدد، ونشأة أجيال كاملة تفكر بذهنية التحريم، وتحكم الغيبيات في كل شأن دنيوي

أنا طولت عليكم، ولسه راجع من سفر من المنصوره والطريق من المنصورة لبنها كان زفت .. نبقي نكمل بعدين.