فرانسوا باسيلي يكتب: وصل في الميعاد.. أصله ما عداش علي مصر

فرانسوا باسيلي يكتب: وصل في الميعاد.. أصله ما عداش علي مصر
فرانسوا باسيلي يكتب:  وصل في الميعاد.. أصله ما عداش علي مصر

 

من عادتي أن أصل متأخراً، حتي في عملي في أمريكا كنت أصل دائماً حوالي 10 دقائق إلي 15 دقيقة متأخراً، سواء كنت في عملي كمهندس صغير في بداية حياتي العملية هنا في عمل كنت أكرهه، أو عندما أصبحت مديراً لقسمين في مؤسسة ضخمة في عمل كنت أحبه جداً، ولم تستطع كل التهديدات والمغريات أن تغير من سلوكي هذا، طبعاً كنت أعوض الوقت بأن أعمل حوالي نصف ساعة إلي ساعة كامله إضافية بعد وقت الإنصراف، فليس من عادتي أن أسرق أو أنهب الأخرين، ولعل رؤسائي تحملوا عادتي المكروهة تماما في أمريكا لأن إنتاجيتي كماً وكيفاً كانت عالية بالنسبة للآخرين والحمد لله

وفي النهاية ما أنقذني كان أن المؤسسة ادخلت نظام يسمي "فليكس تايم" يسمح لك أن تصل في أي وقت خلال ساعة في الصباح، مثلاً بين 8 و 9 علي أن تعمل نفس ساعات العمل، وسرعان ما إنتشر النظام في الكثير من أماكن العمل الأمريكية لأنه يحقق إحتياجات المؤسسة وإحتياجات الموظف في نفس الوقت.

حتي حين أصل إلي عزومات أو حفلات خاصة أصل دائماً متأخراً، هي إحدي عيوبي الكثيرة، لا أعرف من أين أخذتها، فقد كان والدي أبونا بولس باسيلي ملتزماً إلتزاماً صارماً بالمواعيد، وكان يحمل في جيبه دائماً نوتة يكتب فيها مواعيده، وكان ذلك في الخمسينات والستينات حين لم يكن أحد في مصر يحمل لا نوتة ولا قلم أصلاً

.عموماً، لكل من يلومني لوصولي متأخراً، أقدم صورة هذا الفنجان الذي أعجبتني فكرته، مكتوب عليه .. آسف للتأخير، لم أكن أريد الحضور أصلاً ..

  ولكن  أجد نفسي أفكر أكثر في سبب عادة التأخير عندي، وبعد تفكير قليل توصلت إلي أن هذه العادة تدل علي أنني مصري أصيل لا غش فيا، فالمصري الأصيل منذ القدم هو إنسان زراعي، فلاح بالطبيعة والتاريخ وبالأرض والنيل، والفلاح لا تفرق معه الدقائق ولا تفرق معه الساعات كثيراً بل ولا الأيام، فهو يبذر البذور ثم يسقي الأرض ثم ينتظر وقتاً طويلا حتي موسم الحصاد،

هو لا يعتمد في بقائه علي الصيد الذي يتطلب سرعة فائقة في اقتناص الطريدة التي قد تفلت منه لو تأخر ثانية واحدة، ولا يعتمد علي الصناعة التي تتطلب ماكيناتها دقة محكمة وتتحرك بالثانية وقد تتعطل لو إختل ميقات حركتها لثانية واحدة.

ولهذا تجد أن الوقت لدي المصريين هو نوع من المنحة أو النعمة المجانية التي يرونها معطاة لهم من خالقهم في سعة من الكرم وفسحة من العيش، والمصري لا يري معني للإلتزام بالدقائق والساعات بينما تاريخه يمتد إلي آلاف السنوات لم تتغير حياته فيها كثيراً، النيل يأتيه ليسقي أرضه، والفرعون يمنحه الأمن والأوامر التي عليه الإلتزام بها، والكاهن أو الداعية يرتب له علاقته مع الخالق لضمان الحياة الأخري، وكل هذه لا تتطلب الهرولة والسرعة، "الدنيا ما طارتش" كما يقول لنفسه ولغيره دائماً.

وهكذا اكتشفت كم كنت مصرياً أصيلاً حين كنت أصل متأخراً إلي عملي كل يوم، وما أزال. أما الذي لا يصل متأخراً فهو كما تقول الأغنية الجميلة .. أصله ما عداش علي مصر، لأنه لو كان مر بمصر لصار كالمصريين جميعاً، يصلون متأخرين، ما عدا من رحم ربك منهم.

 


إعلام من عهد خوفو 

 

 صديق عزيز أحضر لي من مصر عدد 3 مارس 2019 من الأهرام ومثله من الأخبار، قرأت الاثنين وانطباعاتي هي:

 

1- كأننا في عام 1959 وأنا في المدرسة التوفيقية اقرأ الأهرام والأخبار، علي مدي ستين عاماً لم يتغير الشكل الخارجي العام للجريدتين، وكأن ستين عاماً لا تغير شيئاً من الذائقة الجمالية التشكيلية في الإخراج الفني لجريدة ورقية، وكأن المصمم الفني لكل جريدة الآن هو نفسه من كان يصممها منذ ستن عاماً. شيء مذهل فعلاً، وقد يكون من المهم الإحتفاظ بال "لوجو" لإسم الجريدة كعلامة فنية صحفية مميزة من المفيد أن تبقي كما هي، ولكن أن يكون التصميم الفني الشامل هو نفسه لا يتغير علي مدي ستين عاماً فمعناه توقف نمو الذائقة الفنية الجمالية في مصر وغياب الإبداع الفني التشكيلي الخلاق عن الساحة.

 

 2- المانشيتات الرئيسية للجريدتين تبدآن بكلمة واحدة، السيسي.

 

مانشيت الأهرام  هو.. السيسي: الإرتقاء بالبنية التحتية وتوفير حياة كريمة للمواطنين 

مانشيت الأخبار هو ..السيسي يطمئن علي مصابي حادث قطار محطة مصر 

الرئيس يطالب بمواصلة العمل لتقديم أفضل الخدمات ..

 

بقية الأخبار في الصفحة الأولي والداخل معظمها عن الرئيس السيسي وأعمال الوزراء، 

نفس الأسلوب الصحفي القديم الذي يتمحور حول رجل واحد تدور حوله مصر بكل ما فيها ومن فيها، طبعاً من المهم متابعة ما يفعل رئيس البلاد، ولكن الشكل المبالغ فيه جداً الذي يتبعه الأهرام والأخبار ومنذ الخمسينات في نقل كل كلمة وكل حركة لرئيس البلاد هو تقليد تخلصت منه معظم بلاد العالم المتقدم، وصارت لا تنقل أخبار الروئساء إلا إذا كان الرئيس قد فعل شيئاً هاماً وليس مجرد قال كلمة مواساة أو تعزية هي متوقعة ولا جديد فيها ولا خبير فيها، وكأننا لم نتعلم شيئاً من تجارب الماضي المرير، فنعيد آلياته الشكلية دون حتي القدرة علي محاكاة محتواه، وهي نقطتي التالية.

 

3- رغم تشابه الشكل بين جريدتي اليوم والأمس البعيد في الخمسينات، فأن المحتوي مختلف جداً، فقد هبط مستوي المحتوي الصحفي في الجريدتين لغياب فطاحل الكتابة والصحافة والثقافة والفنون الذين كانوا يملأون صفحات الأهرام والأخبار ثقافة وفناً وأدباً وشعراً ورسماً كاريكاتورياً في بداية الستينات، ولم يأت بعدهم من يطولهم مكانة وضخامة وغزارة ثقافية وفنية،

 

 فعندما كنت أقرأ الصحف وأنا  في المدرسة التوفيقية بشبرا كنت اقرأ الكتابة السياسية التحليلية الشاملة لحسنين هيكل واحمد بهاء ألدين وإحسان عبد القدوس ومصطفي أمين وغيرهم، والكتابة الأدبية الشاهقة للدكاترة لويس عوض، وحسين فوزي، وللمبدعين العمالقة يوسف إدريس، وصلاح جاهين، وكمال الملاخ،

 

وكنت أقرأ في الأهرام أشعار صلاح عبد الصبور واحمد عبد المعطي حجازي وكمال عمار وبدر الديب وعفيفي مطر والخميسي ومحمود درويش وسميح القاسم ومعن بسوس وغيرهم عشرات وعشرات من المبدعين، وفي الأهرام قرأت قصيدة الأرض الخراب لتي إس إليوت ترجمة وشرح د. لويس عوض، وكنا كل يوم نضحك بأعلي صوت علي كاريكاتور صلاح جاهين في الأهرام، ورخا وصاروخان في الأخبار.  

 

 

4- يكفي أن أقول أنني مع اصدقائي وقتها في التوفيقية كنا نقرأ في الأهرام كل يوم جمعة جزءًا من رواية نجيب محفوظ، أولاد حارتنا، التي حازت علي نوبل، ثم تبعتها رواياته الأخري اللص والكلاب، ميرامار، السمان والخريف، فهذا كان مستوي ما يقرأه الشباب في الصحف اليومية وقتها.

 

علي المسؤلين عن الأهرام والأخبار اليوم إمتلاك الجرأة علي التقدم ولو في الشكل الفني، إن لم يكن في المحتوي الذي غالباً لا يملكون القدرة علي تجاوزه. 

 

 

أفكار مارقة 

المحتالون واللصوص الكبار يعيشون في رغد العيش في كل مكان في العالم، لديهم المال والجاه والشهرة والقوة والمركز، يحترمهم ويهابهم الجميع ويحلمون أن يكونوا مثلهم، لأن معظم الناس ليسوا ضد الإحتيال والسرقة بل يتمنونها لو استطاعوا إليها سبيلاً،

 

هم فقط ضدها عندما يقوم بها إنسان فقير بائس يسرق رغيف عيش أو بضعة قروش يشتري بها كساء وغذاء لأولاده، عندها يرجمونه بكل ما لديهم من حقد و إستعلاء، قائلين أنت مين إنت يابن الكلب اللي تتجرأ وتسرق وتنصب علينا وانت واطي حقير؟ احنا ما يسرقناش وينصب علينا إلا الأشداء الأقوياء الوجهاء الأثرياء الزعماء الجديرون بإغتصابنا علناً ودائماً برضانا ومزاجنا.

 

 

قصيدة قصيرة 

 

كنت أنتظر من نفسي الكثير 

طال الإنتظار 

وتعبت نفسي