حسنى حنا يكتب: شيفرة دافنشيThe Da Vinci Code .. التضليل والحقيقة (1)

حسنى حنا يكتب: شيفرة دافنشيThe Da Vinci Code .. التضليل والحقيقة (1)
حسنى حنا يكتب: شيفرة دافنشيThe Da Vinci Code .. التضليل والحقيقة (1)

 

"حينما يكون النور أشد سطوعاً، تكون الظلمة أكثر قتامة"

(غوته Goithe )

 

تعتبر رواية (شيفرة دافنشي The Da vinci Code) كتاباً من نسيج خيال مؤلفها (دان براون Dan Brown) وهو كاتب أمريكي إشتهر منذ مطلع هذا القرن، بعد نشره هذه الرواية عام (2003) وهو مؤلف قصص الخيال والاثارة، التي توقظ الخيال في دروب وعرة مفخخة.. أحداث من صنع الخيال أوردها المؤلف كحقائق تاريخية حقيقية، يبحث عنها أهل الشر، من أجل الشر وحده. ولهذا المؤلف كتب أخرى منها (الحصن الرقمي) و (ملائكة وشياطين) و (الجحيم) و (الرمز المفقود).

صدرت هذه الرواية في مدينة نيويورك عام 2003، وهي عبارة عن بحث خيالي، يقوم به أشخاص خياليون.وتقوم هذه الرواية الأدبية، على قاعدة الإثارة والجذب، على الطريقة البوليسية، وليس على أسس علمية تاريخية، فلا يجب التعاطي معها الا على هذا الأساس.

وقد ترجمت هذه الرواية إلى لغات عديدة. وبيع منها ملايين النسخ، كما تحولت الى فيلم سينمائي. وإن سرعة انتشار هذا الكتاب في العالم، قد أدهشت حتى مؤلفه (دان براون) بالإضافة الى ان مبيعات هذا الكتاب ، قد جذبت الأنظار من جديد الى الاهتمام بالفنان ليوناردو دافنشي( 1519- 1452 ) خاصة، وبفن عصر النهضة الأوروبية على وجه العموم. وبالكتب التي تستكشف المواضيع التاريخية، ونظريات المؤامرة، والتاريخ المبكر للمسيحية.

 

 

تعريف بالرواية

الرواية مليئة بالتشويق والغموض، فيها هجوم على سلطة الكتاب المقدس، وعلى المسيحية في أساس إيمانها، وهي تتسم بالمخادعة وتحتوي على مغالطات تاريخية ولاهوتية، تمس الدين المسيحي، وإساءات ظاهرة ومبيتة حبكها المؤلف في قطب خفية، تجرح مشاهر المسيحيين، لما تتضمنه من افتراءات على شخص المسيح، والغريب أن المؤلف يتعامل مع هذه المغالطات كما لو أنها حقائق تاريخية!..

وتدور حبكة هذه الرواية، حول مقتل الرجل الطاعن بالسن، الوصي على متحف اللوفر Louvre Museum في باريس، لأن الضحية، كانت محاطة بالألغاز والغرائب المحيرة. ويتم استدعاء المتخصص في تفسير الرموز (Rebert Langdon) من (جامعة هارفارد) ليقوم بحل اللغز، وتقود تحقيقات (لا نغدون) الى تعاونه مع خبيرة الأسرار  الفرنسية (Sophie Neveu) حيث يكتشفان معاً، تورط الوصي الراحل، في جمعية سرية، كان الفنان الايطالي (ليوناردو دافنشي) من ضمن أعضائها.

ويتحول تحقيقهما بالجريمة بسرعة، الى بحث للكشف عن مؤامرة قديمة، ويكتشفان أثراً دينياً مقدساً، مثيراً للدهشة، لايقدر بثمن، ظل مكتوماً لقرون. وإن الأشخاص الذين فتنوا بهذه الرواية او بالفيلم او بكليهما معاً، قد اهتموا بالتنقيب الأعمق في الأسرار الفنية، والتاريخية والروحية. وبالنسبة للكثيرين، فإن الشخصيات في هذه الرواية، المتسمة بالمخادعة والتآمر، قد فتحت أبواباً جديدة، وطرحت أسئلة جديدة. وقد تم خداعهم بالتلميحات الى الديانات السرية. إنهم مهتمون بكل التحولات التي اتخذتها (الحقيقة) منذ زمن يسوع المسيح، الى زمن المجامع الكنسية أثناء فترة حكم الامبراطور قسطنطين الكبير Constantine the Great

 

فرسان الهيكل

تقول الراوية أن فرسان الهيكل Knights Templar وهم جمعية دينية، وجدت في الشرق ، إبان حروب الفرنج في القرنين( 12، 13 للميلاد)، أنهم قد ذهبوا إلى القدس Jerusalem، تحت مظلة حماية الحجاج المسيحيين، على الطرقات الى الأرض المقدسة، ولكن ماكانوا يسعون إليه فعلاً، هو وثائق Documents يعتقد أنها كانت فخبأة تحت ركام هيكل هيرودوس Temple of Herod. الرواية لاتقول أبداً أنهم وجدوا هذه الوثائق، ولكنها تدع القارئ يتوقع أنهم قد فعلوا. وأنهم بالأساس استخدموا هذه الوثائق لابتزاز الفاتيكان وتحقيق ثروة طائلة، وقوة عظيمة في أوروبا!....

 وتقول الرواية، أن البابا كلمينت الخامس Clement V قرر أن يتخلص منهم، وأن يستولي على ثروتهم، بالإضافة الى الوثائق التي يمتلكونها ضد الفاتيكان. وأنه قام بترتيب الأمور مع الملك (فيليب الرابع) لاعتقال جميع الفرسان، والقضاء عليهم، على الرغم من أن البعض منهم قد نجحوا في الفرار.

والحقيقة أن جمعية (فرسان الهيكل) التي تأسست في عام) 1118م (لم تكن لديها أية مهمة، ماعدا تلك التي ذكرها كل المؤرخين تقريباً، حتى كتب دان براون هذه الرواية.

إن ثروة الفرسان جاءت نتيجة هدايا الحجاج، وليس عن طريق ابتزاز الكنيسة، وأنهم بالنهاية عادوا إلى أوروبا، ليس لأنهم وجدوا بعض الكنوز السرية، ولكن لأنه في عام) 1291م(، تم طردهم من القدس عندما سقطت آخر قلاع الفرنج، التي كانت في عكا بأيدي المسلمين.

 

الكتاب المقدس

تقول الراوية على لسان (Leigh Teabing): إن الكتاب المقدس لم يصل إلينا بالفاكس من السموات. إنه نتاج الإنسان وليس من عند الله. لم يسقط الكتاب المقدس بطريقة سحرية من الغيوم، لقد اخترع الانسان الكتاب المقدس كسجل تاريخي لأزمنة الاضطرابات، والحقيقة أن (لي تيبنغ) يبدو جاهلاً تماماً، أنه يوجد قسمان أساسيان للكتاب المقدس هما: (العهد القديم) و(العهد الجديد)

 

 

العهد القديم (التوراة)

حين نتكلم عن كتاب العهد القديم (التوراة) تاريخياً، نجد أن هذا الكتاب هو كتاب فريد، وسجل تاريخي وديني هام، تمت كتابته على مدى أكثر من( 1500 عام)، بواسطة أكثر من(40) كاتباً، ينحدرون من كل مجالات الحياة، وعلى سبيل المثال لا الحصر: كان (موسى Moses) قائداً سياسياً و (داود David) كان راعياً وشاعراً وموسيقياً وملكاً. و(يشوعJoshua) كان قائداً عسكرياً. وكان (نحمياNehemiah) موظفاً في قصر الملك وهكذا...

والعهد القديم تمت كتابته في أمكنة مختلفة. في صحراء وفي زنزانة، في مصر وأمكنة آخرى. وقد كتب بثلاث لغات هي العبرية والآرامية واليونانية. وكانت اللغة الآرامية هي اللغة الشائعة في زمن يسوع وقد كتب في ثلاث قارات مختلفة، في أوقات مختلفة. وليس في أوقات الاضطرابات. (داودDavid) كتب وقت الحرب، و(سليمانSolomon) كتب في زمن السلم.

إن عبارات (تيبينغ) هي من أكثر العبارات (سخافة) بالنسبة لكونه (مؤرخاً) على الأقل. إنه لايعرف أن (الكتبا المقدس) هو أكثر من مجرد سجل تاريخي. إن بعض أقسام الكتب المقدس، هي أقسام تاريخية، ولكن الأقسام الأخرى هي شعر وامثال ورسائل وذكريات، وسير ذاتية وشرائع ونبوءات وغيرها.

 ويبدو على (Teabing) أنه جاهل بما هو الكتب المقدس، وكيف تمت كتابته وعما يتكلم!

إن أسفار الكتاب المقدس قد كتبها أنبياء الله الحقيقيون فاسفار (ملاخيMalachi) قد كتبت بين عامي) 450- 430م (،وأخبار الأيام الأول والثاني، كتبت قبل القرن الرابع ق.م. وتظهر هذه الأسفار في الترجمة اليونانية للأسفار العبرية، المعروفة بـ: (الترجمة السبعينيةThe Septuagint Translation )، التي تم عملها مابين عامي( 250- 150 ق.م) وبكلمات أخرى، تم تجميع اسفار العهد القديم وترجمت الى اليونانية، وليس من قبل الفاتيكان وليس من قبل قسطنطين. وليس من قبل حتى المسيحين الأوائل. ولكن من أكثر من مائة عام، قبل ميلاد المسيح، نتيجة إجماع اجيال وأجيال من معلمي الدين وعلمائه، وإن ذلك محدد بكل تأكيد.

 

 

العهد الجديد (الانجيل)

لم ينصب تركيز الرواية (على لسان Teabing) على العهد القديم. بل على العهد الجديد أيضاً. وهو يقول: إنه يوجد أكثر من (80) إنجيلاً أصلياً، ولكن تم اختيار أربعة منها فقط، لأسباب سياسية- على حد قوله- لجعل الناس يؤمنون أن (يسوعJesus) كان إلهاً. حتى يستطيعوا استخدام تأثيره، لجعل أساس قوتهم صلباً!..

والحقيقة أنه لاتوجد أية سجلات، تقول أن هناك مايقرب من (80 إنجيلاً) كما يقول Teabing وان مخطوطات البحر الميت، التي تم اكتشافها في (موقع قمران Qumran Site) تتضمن بعضاً من الانجيل. وبالنسبة لشخصية، من المفترض أن تكون لمؤرخ ملكي بريطاني فإن ذلك هو أمر غريب!..

إن التاريخ يدون على نحو جلي ومطلق. إن المخطوطات التى أشار إليها، قد اكتشفت في شتاء عام (1947) وليس في خمسينات القرن الماضي على حد قوله. والأمر الأغرب هو قوله: إن مخطوطات البحر الميت، Dead Sea Scrolls تتضمن بعضاً من الأناجيل. وفي الحقيقة لايوجد أبداً ولاحتى إنجيل واحد. أو بعضاً من الإنجيل في تلك المخطوطات، وهذه المخطوطات هي عبارة عن كتب لمجموعة يهودية تدعى (الأساسيين Essenses) وبعضاً من أسفار التوراة، وليس لمسيحيين.

لقد نشر (متى Matthew) إنجيله بين العبرانيين بلغتهم في حين أن (بطرس Peter) و (بولس Paulus) كانا يبشران بالانجيل فى روما، ويؤسسان الكنيسه هناك.

وقد مكث بولس في روما من عام (60م) الى عام (64 م) وحتى نختصر من القصة الطويلة، نذكر بما كتبه المؤرخ الامريكي الشهير (وليم أولبرايت William Albright) وهو واحد من أهم وأشهر علماء الآثار المختصين بالكتاب المقدس إذ قال:

"يمكننا القول مسبقاً، على نحو مؤكد، بأنه لايوجد بعد الآن أساس لتأريخ أي سفر من العهد الجديد بعد عام (80 م).

كما أعلن العالم الدكتور جون روبنسون John Robinson أن العهد الجديد قد كتب قبل سقوط القدس عام (70 م) وأن اختيار الامبراطور قسطنطين للأناجيل كما رواها (متى. مرقص. لوقا. ويوحنا) لأنها كتبت في فترة قريبة جداً من الأحداث نفسها.

والواقع بأن الانجيل بأقسامه الأربعة، كان معترفاً به عالمياً قبل قسطنطين، بأكثر من قرن ونصف. والانجيل كما نعرفه هو كتاب واحد رباعي الشكل، كنقاط البوصلة الأربعة.

وقد كتب أوريجانوس Origen العالم اللاهوتي المسيحي الشهير. الذي مات قبل أن يصبح قسطنطين امبراطوراً بأكثر من خمسين سنة: "من بين الأناجيل المكتوبة، صادقنا بالكامل، على ماكانت الكنيسة قد اعترفت به والذي هو وجوب قبول الأناجيل الأربعة فقط، حسب ماكتبه متى ومرقص ولوقا ويوحنا".

وأخيراً وليس آخراً دعونا نقول: لو كان (السير لي تيبنغ) شخصاً حقيقياً، ومؤرخاً حقيقياً، فإنه بكل تأكيد سوف يعترف أن المسيحيين الأوائل، هم من قاموا بحماية هذه الكتابات، ومرورها الى من هم بعدهم. وقد كانت هذه الكتابات الأصلية والحقيقية من الرسل. وأن المسيحيين الأوائل، هم الذين حذروا من الكتابات الآخرى، التي سعت بخديعة وبحيله، لتصل الى المؤمنين مستغله اسم تلميذ سابق مثل (انجيل توما) او (انجيل فيليبس) وبالحقيقة أيضاً يبين لنا التاريخ قبل قسطنطين بوضوح، أن كتابات ووثائق مثل (إنجيل مريم) الذي كتب فى أواخر القرن الثاني الميلادي، والتي يقتبس منها (Teabing) اعتبرت أناجيل مزيفة، من قبل الأغلبية الساحقة من المسيحيين، في جميع أرجاء العالم (انظر: المؤرخ يوسيبيوس Eusebius في كتابه )تاريخ الكنيسة The Church History)

ومع حلول الوقت، الذي اجتمعت فيه المجامع الكنسية، فإنها لم تجتمع لغاية اختيار الأسفار، وإنما اجتمعت لغاية تثبيت الأسفار، التي توصل إليها الشعب، على أنها موثوق بها، وموحى بها من الله. والتي كانت قد استقرت على نطاق واسع، وقبل فترة طويلة، من إنعقاد أول اجتماع لمجمع (نيقيةNicaea) في عام 325 م. ومن الواضح أنه حتى قبل عام 70م، كان أتباع المسيح قد اعترفوا بأسفار العهد الجديد (الانجيل) على أنها كلمة الله. على قدم المساواة مع العهد القديم (التوراة)

-يتبع -