حسنى حنا يكتب: شيفرة دافنشي.. التضليل والحقيقة(2)

حسنى حنا يكتب: شيفرة دافنشي.. التضليل والحقيقة(2)
حسنى حنا يكتب: شيفرة دافنشي.. التضليل والحقيقة(2)

             

        "الجهل يعمي عيوننا ويضللنا.. أيها البشر افتحوا عيونكم"

Lenardo Da Vinci

 

لقد لاقت رواية The Da Vinci Code لمؤلفها Dan Brown الكثير من الانتقادات والردود، في مختلف أنحاء العالم، لما تتضمنه من افتراءات ظاهرة ومبيتة ضد المسيح والمسيحية، وماهذه الرواية سوى حلقة من حلقات الافتراءات والاساءة للسيد المسيح وأتباعه في جميع انحاء العالم. وبات الجميع في حاجة لمعرفة الحقائق. وقد قال السيد المسيح: "وتعرفون الحق، والحق يحرركم".

 

من تاريخ الكنيسة الاولى

وصفت الرواية تاريخ الكنيسة الاولى، على أنه نوع من أنواع الصراع على القوة –داخليا وخارجيا- بين المسيحيين والوثنيين. وتنامي الصراع بينهما، الى درجة أنه هدد بتقسيم روما الى قسمين. وتوحي الرواية بأن هذا الصراع على القوة، انتصرت فيه المسيحية.

وتقول الرواية: "إن الديانة الرسمية لروما زمن قسطنطين كانت عبادة الشمس". وهذا كلام خيالي، إذ لم يكن هناك أي شيء يسمى بالديانة الرسمية.

وفي الواقع كانت هناك عدة انواع من الوثنية، كما كانت الديانات غير المسيحية في عالم البحر المتوسط، متعددة الأشكال ومتنوعة. ومن غير الممكن التعامل معها، على أنها ظاهرة موحدة.

وكانت الامبراطورية الرومانية، تتبع سياسة التسامح الديني المتبادل، التي تعني أن كل الديانات والطوائف كان يتم التسامح بها، طالما أنها كانت وفيه للامبراطور، ومتسامحه مع بعضها البعض، وقد جاء التسامح مع الديانة المسيحية لأول مرة. بعد أن أصدر الامبراطور قسطنطين (مرسوم ميلانو The Edict of Milan) الشهير في عام (313م) والقول أن المسيحية والوثنية قد بدأتا الصراع، هو كلام غير دقيق على الاطلاق. وقد استشهد الكثير من المسيحيين الأوائل بسبب إيمانهم، مختارين الموت لأنفسهم، وليس الصراع ضد الجماعات الوثنية.

 

المسيحية وديانة ميثرا

يقول المؤرخ في الرواية Leigh Teabing: لايوجد أي شيء أصلي وحقيقي في المسيحية"!... وهو يشير الى (ميثرا Mithra) وهو اسم ملاك زرادشتي، الذي يسمى (ابن الله وإله النور وعدو الظلام) عند الفرس. وقد ولد في 25لا كانون الأول" ويتابع قائلاً: "حتى يوم العطلة المقدس سرق من الوثنيين"!..

في الحقيقة كانت عبادة (ميثرا) موجودة. ولكن هل دعي (ميثرا) ابن الله ونور العالم؟!.. هذه الادعاءات غير مذكورة بتاتاً في آداب (الميثرية) ويقول Teabing: أن ميثرا قد مات ودفن في قبر صخري، وقام في اليوم الثالث، يقابل يرد من العالم Richard Gordon المحتص بعبادة (ميثرا) إذ يقول: "لاموت ولادفن ولاقيامة لميثرا.. لاشيء من هذا البتة"!.

إن الأساطير المتعلقة بولادة (ميثرا) تم تشكيلها بعد انتشار القصص عن يسوع المسيح. وقد تطورت بعد وصول المسيحية الى روما في القرن الأول للميلاد.

وإننا كثيراً مانواجه علماء، يستخدمون أولاً مصطلحات مسيحية لوصف المعتقدات والطقوس الوثنية، ومن ثم يصابون بالدهشة، من التطابق الذي يعتقدون أنهم اكتشفوه!...

 

عطلة يوم الأحد

يقول المؤرخ Teabing في الرواية: "إن الإمبراطور قسطنطين غير يوم العبادة عند المسيحيين من السبت الى الأحد". وفي مكان آخر يقول Langdon: "كرمت المسيحية بالأصل يوم السبت اليهودي. لكن قسطنطين غيره، كي يتزامن مع يوم الأحد المبجل عند الوثنيين"!..

وإذا رجعنا الى الكتاب المقدس، قبل نهاية القرن الأول الميلادي بفترة طويلة. نجد أن الكتاب المقدس، يذكر أن المسيحيين أصبحوا يسمون اليوم الأول من الأسبوع (يوم الرب) تمييزاً له عن يوم السبيت اليهودي. وهذا ماذكره بوضوح لوقا الرسول، وبولس الرسول في اعمال الرسل. ويوحنا في سفر الرؤيا، ويوستنيانوس الشهيد في كتاب (آباء الكنيسة).

 

الامبراطور قسطنطين

جاء في الرواية: قالت Sophie: "اعتقدت أت قسطنطين كان مسيحياً". فرد عليها Teabing هازئاً: "بالكاد... فقد كان وثنياً طول عمره. وقد تعمد وهو يحتضر على فراش الموت" وحين نكمل القراءة، نجد ماقالته Sophie بتعجب: "لماذا يريد امبراطور وثني اختيار المسيحية ديناً رسمياً"؟!..

ومن الثابت تاريخياً، اتفاق مؤرخي المسيحية، على أن الحدث التالي المهم في تاريخ المسيحية، هو اهتداء الامبراطور قسطنطين الى المسيحية في عام (312) للميلاد.

ويذكر المؤرخ (يوسيبيوس القيصري Eusebius of Caesarea) الذي كان مؤرخاً، وأمين سر الامبراطور قسطنطين في آن واحد. أن الامبراطور خلال حربه مع عدوه (ماكسنتيوس) رأى بعينيه علامة الصليب في نور من السماء يعلو فوق الشمس، مكتوباً عليه: "بهذه العلامة تنتصر".. ثم ظهر له يسوع المسيح في منامه، واقترب منه ومعه نفس العلامة، التي رآها في السماء. وأمره أن يستخدم هذه العلامة كدرع حراسة، وحماية له في مواجهاته مع اعدائه. وكان أول انتصار له، هو انتصاره على عدوه (ماكسنتيوس) قرب روما. ذلك الانتصار الذي جعل من قسطنطين، الحاكم الوحيد للامبراطورية كلها. وإن الانتصارات التي حققها تحت راية الصليب، جعلته يتخلى عن الوثنية، ويهتدي الى المسيحية. ويصدر مرسوم ميلان عام (313) للميلاد.

 

الهرم الزجاجي

في رواية (شيفرة دافنشي) مغالطات كثيرة منها: أن الرئيس الفرنسي Mitterrand طلب بكل وضوح، أن يبنى (الهرم الزجاجي) قرب متحف اللوفر في باريس، من (66) لوحاً زجاجياً وفي الواقع أن عدد تلك الالواح هو (673) لوحاً. وهذا تلاعب بالحقائق من قبل مؤلف الرواية (دان براون) لأنه يقول أن الرقم (666) هو رقم الشيطان. والى جانب هذا نجد أن أوصاف فنون العمارة الأخرى المذكورة في هذه الرواية، غير صحيحة أيضاً. (انظر الموقع الالكتروني لمتحف اللوفر http:www.lauvre.fr)

 

موناليزا

يعتقد معظم الخبراء الفنيين أن (موناليزا Mona Lisa) الحقيقية التي رسمها الفنان (ليوناردو دافنشي) كانت السيدة (ليزا غيرارديني) ومع ذلك فإن (Langdon) يقول: "إن لقب (موناليزا) يشير الى اله المصريين القدماء (آمون) وإلهة الخصب والأمومة (إيزيس) وهذا التضليل والتزييف لايصمد أمام الحقيقة. والواقع أن (ليوناردو) لم يطلق على اللوحة اسم (موناليزا) أبداً.. الاسم لم يستخدم الا فى القرن التاسع عشر (Mona) اختصار لكلمة (Modona) اي (السيدة) و (Lisa) هو اسم المرأة التي كانت موضوع اللوحة.

 

سيدة الصخور

من المروع أن نقرأ أن البطلة (Sophie) قد استخدمت إحدى لوحان (ليوناردو) وهي (سيدة الصخور) كدرع لها، تضغطه على جسمها، لدرجة أن اللوحة تلتوى معها!..

والواقع أن لوحة (سيدة الصخور) مرسومة على لوحة خشبية، طولها أكثر من ستة أقدام، وليست على القماش. فمن المستحيل أن تلتوي هذه اللوحة، بالشكل الذي صورته الرواية.

 

مريم المجدلية

تقول الرواية على لسان (Teabing) أن الشخص الجالس بجانب يسوع في لوحة (العشاء الأخير The Last Supper) الشهيرة لدافنشي. والتي انتهى من رسمها عام (1498) أنها (مريم المجدلية Mary Magdalene) إنه  يشير الى الشعر الاحمر المتدلي، واليدين المضمومتين بنعومة وأثر الصدر. فإذا كان ذلك الشخص هو (مريم المجدلية) فأين كان (يوحنا) إذاً؟!..

 

الكأس المقدسة

هناك ادعاء رئيسي في الرواية يقول أن (الكأس المقدسة The Holy Grail) ليست شيئاً، وانما شخص. ونحن نعرف أن (Teabing) يركز كثيراً على إظهار أن (مريم المجدلية) كانت مرسومة، وهي تجلس الى جانب يسوع في لوحة (العشاء الأخيرة).

ويقول (Teabing) أنه لايوجد كأس واحدة في اللوحة. بل يوجد فعلياً ثلاث عشرة كأساً. وذلك يفترض أن يكون التلميح الأول الى أن (الكأس المقدسة) ليست كأساً بل شخصاً!..

وتدل الأبحاث على أن (يوحنا John) أحد التلاميذ الاثنى عشر، كان يرسم في عصر ليوناردو دافنشي، كشاب بدون لحية. والكتاب المقدس يصف (يوحنا) أنه كان جالساً قرب يسوع عندما يتحدث عن العشاء الأخير!..

 

زواج يسوع المسيح

يزعم Dan Brwn أن يسوع ومريم كانا متزوجين. ويقول Teabing لن أزعجكم بالمراجع التي لاتعد ولاتحصى. المتعلقة بزواج يسوع ومريم المجدلية.

وفي الحقيقة لايوجد أي مرجع مما تخيله (Teabing) ماعدا كتاب واحد، صدر عام (1983( يقول عنه العلماء والمؤرخون انه (هراء خيالي).

إن المسيح لم يتزوج أبداً. فلا شئ عن زواجه في الانجيل ولا في تقاليد الكنيسة، ولافي أي مصدر تاريخي. وتذكر الرواية عى لسان (Teabing) ايضاً أن المسيح لم يكن متزوجاً فقط. ولكنه كان والداً ايضاً.

وتستمر الرواية في التضليل على لسان (Teabing) ليصل الى القول أن الكنيسة تسترت على هذا الحدث، وان البرهان على ذلك محفوظ في عشرات آلاف الصفحات المليئة بالمعلومات محفوظة في اربعة صناديق هائلة. بالإضافة الى وجود براهين أخرى وتفاصيل من قبل مؤرخين كثيرين جداً!..

وفي الحقيقة لاصناديق ولاوثائق ولابراهين ولا أي بحث يتناول هذا الموضوع!..

 

خطف يسوع

تقول الرواية على لسان (Teabing): "يدعى كثيرون من العلماء ان الكنيسة الاولى سرقت (يسوع) من اتباعه الأصليين، واختطفت رسالته الانسانية، ووضعتها في عباءة آلهية غير قابلة للاختراق".

إن (Teabing) لم يذكر لنا من هم اولئك العلماء، ولم بذكر أى واحد منهم. وعلى العكس من ذلك، فإن الجميع متفقون تماماً، على ان الانجيل هو كتاب مقدس وموحى به من الله، وأتباع (يسوع) اعتبروه منذ البداية إنساناً وإلهاً بآن واحد. ويسوع كان يصف نفسه هكذا. وبالتالي لم يكن هناك أى اختطاف والبراهين كثيرة لعل أهمها ولادته من عذراء، والعجائب التي قام بها، ووجود أكثر من (300) نبوءة في (التوراة) تتعلق بمجيء المسيح وحياته وأعماله. كتبت قبل مئات السنين من ولادة يسوع. وتحققت كلها. وإن أكبر برهان عمن كان يسوع هو قيامته من بين الاموات وهذه الحقيقه هي اكثر الحقائق روعة في التاريخ!..

إن مئات بل آلاف الانتقادات المزيفة والافتراءات الباطلة تعرضت لها العقيدة المسيحية عبر تاريخها الطويل – ولازالت- وهذه الانتقادات والافتراءات قد اثبتت زيفها وفشلها التام، ومازالت العقيدة المسيحية تتقدم بثبات رافعة راية المحبة والسلام والتقدم في جميع أنحاء العالم.