ماري كلير عشي تكتب: عيد الكذب

ماري كلير عشي تكتب: عيد الكذب
ماري كلير عشي تكتب: عيد الكذب

كل عام وأنتم بخير. نعم إنه عيد الكذب وبما أن الكذب صفة تطال معظم وجوه حياتنا بشكل او بآخر فهو عيدنا جميعا شئنا أم ابينا.

في الأول من أبريل عام 1860م حمل ‏البريد إلى مئات من سكان لندن بطاقات مختومة بأختام مزورة تحمل في طياتها دعوة كل ‏منهم إلى مشاهدة الحفلة السنوية "لغسل الأسود والأبيض" في برج لندن صباح الأحد الأول من أبريل, مع رجاء التكرم بعدم دفع شيء للحراس أو مساعديهم وقد سارع الكثير ‏من السذج إلى برج لندن لمشاهدة الحفلة المزعومة.

يعتبر هذا الحدث واحد من من الكثير من المقالب الجماعية التي شاركت بها جهات وشركات كبيرة ووسائل إعلام في محاولة للاحتفال بأول يوم من ابريل على أنه يوم مخصص للكذب بغرض الفكاهة.

وحسب بعض المصادر أنه في فرنسا عام 1564م بدأت هذه العادة بعد تبني التقويم المعدل الذي وضعه شارل التاسع حيث كان الاحتفال بعيد رأس السنة يبدأ في يوم 21 مارس وينتهي في الأول من أبريل بعد أن يتبادل الناس ‏هدايا عيد رأس السنة الجديدة.

وعندما تحول عيد رأس السنة إلى الأول من يناير ظل بعض الناس يحتفلون به في الأول من أبريل كالعادة فأطلق عليهم لقب ضحايا أبريل وأصبحت عادة المزاح مع ‏من حافظوا على التقويم القديم رائجة في فرنسا ومنها انتشرت إلى البلدان ‏الأخرى ومع تتالي السنين بات الجميع يشاركون فيها ثم انتشرت على نطاق واسع في إنجلترا بحلول القرن السابع عشر الميلادي .

إن ما يحصل من مقالب يوم الأول من ابريل مبني على الكذب بغض النظر عن الدوافع التي تقف ورائه فماذا عن الكذب عموما.ولماذا يلجأ الانسان الى الكذب في الكثير من المواقف؟

 يمارس الانسان الطبيعي الكذب بشكل أو بآخر , لكن على درجات قد يصل البعض فيها حد الادمان مما يدمر علاقته بمن حوله بدءا من الأهل والأصدقاء وصولا الى القضاء.

الكذب عموما هو محاولة اقناع الغير بأمر غير حقيقي. يقف الخوف وراء كل كذبة ينطق بها الإنسان, فإما الخوف من خسارة ما بحوزته أو محاولة لنيل منفعة يخشى من عدم الحصول عليها.

لقد إعتاد الانسان على إطلاق تسميات وتصنيفات تهذب فعلة الكذب التي تعد أمر مكروه أخلاقيا, محاسب عليه قانونيا ومرفوض بكافة الشرائع والأديان السماوية. فقد صنف تحت بند الألوان الى أبيض وأسود. وحسب الحجم الى كذبة كبيرة وأخرى صغيرة. وحسب الهدف للخير أو للشر وبالتالي نرى إن ما يجمع بين كل هذه التصنيفات أن هناك سعي لتبرير فعل الكذب حسب غايته, فإن كان يسعى لخير الغير أو على الأقل عدم الاضرار بهم فهو مشروع وإن كان على غير ذلك فهو كذب يستحق النبذ والعقاب.

 

 

 

لماذا يكذب الانسان؟

‏قال الباحث الإنجليزي جون شيمل الذي شغل نفسه بالكذب وبالبحث عن أصوله ودوافعه ‏ومسبباته أن "الكذب بصفة عامة هو سمة المستضعفين والإنسان غالباً ‏ما يلجأ إلي الكذب لإحساسه بالضعف و المعاناة والإضطهاد وللهروب من واقع ‏أليم يعيشه".             ويرى الباحث أن المرأة تمارس الكذب بشكل مكثف أكثر من الرجل فيقول: ".«إذا كان الكذب قد أصبح صفة يتميز بها البشر عن سائر المخلوقات ‏‏ويستخدمونه في شتى مرافق الحياة وإتصالاتهم العامة أو الخاصة فإن كل الأدلة تثبت ‏أن المرأة أكثر استخداماً للكذب من الرجل لأنها خلقت أضعف من الرجل وعاشت على مر العصور وفي مختلف ‏المجتمعات البشرية تعاني الإضطهاد والقهر فكان لابد وأن تلجأ إلى الكذب«.

وأضاف أن السبب في ذلك «يرجع إلى عاملين أولهما عامل نفسي عاطفي فالمرأة أكثر ‏عاطفية من الرجل ولأن الكذب حالة نفسية ترتبط بالجانب العاطفي أكثر من إرتباطها ‏بالجانب العقلاني فالنتيجة الطبيعية أن تكون المرأة أكثر كذباً من الرجل.

يتصف الأطفال بالبراءة والطهارة إلا أنهم أيضا يمارسون الكذب على نطاق واسع في الكثير من تصرفاتهم فإما ان يكون ذلك تلبية لخصب مخيلتهم وعوالمها وإما خوفا من العقاب والمحاسبة وأسوأها تقليدا لكذب الوالدين حيث يمارس الآباء الكذب المعتاد أمام أطفالهم حين يختلقون أمر غير حقيقي كمن يجيب على الهاتف أمام أطفاله  قائلا بانه مشغول بأمر ما بينما هو مسترخي في منزله يتابع أحد البرامج . إن الطفل كالاسفنجة يلتقط هذا الحدث ويخزنه في ذاكرته ثم يقوم بعملية التقليد ومرة تلو الأخرى يدخل في حالة الاعتياد. فحذاري من تكرار أفعال قد يراها البعض أبسط مما هي عليه خاصة حين تحدث على مرأى ومسمع الأطفال.

للكذب دوافع كثيرة كل حسب حالته وشخصيته, فالبعض يكذب للتهرب من مهمة ما أو رغبة في عدم الانصياع للأوامر او للحصول على نشوة المقدرة على اقناع الغير بما لا يمت للحقيقة بصلة وبالتالي التلاعب بأفكارهم.

   إن أخطر ما بالكذب أنه يحولك الى مدمن غير قادر على التخلص منه وبالتالي يصبح جزء من حياتك وتصرفاتك مما يضاعف عندك الشعور بالاحباط والخوف الذي سلكت أساسا طريق الكذب بدافع التخلص منه لتجد نفسك في حالة نفسية أسوأ من التي كنت عليها مسبقا.

 

 

 

للكذب علامات فارقة:

يتعمد الكاذب تجنب أي اتصال مباشر بالعين مع الشخص الآخر فيكون زائغ البصر. يحاول استخدام جمل قصيرة مكررة خوفا من الوقوع في حالة من التناقض نتيجة عدم قناعته بما يفعله أصلا. يحاول أن يضع الشخص الآخر في موقع المدافع عن النفس من خلال التشكيك بافعاله وأقواله وبذلك يصرف انتباه الآخرين عن كذبه.

بعيدا عن الكذب على النطاق الشخصي تطل لنا وسائل الاعلام والاعلان بكذبات مفبركة مزينة مستخدمة تقنيات وخبرات لاقناع المشاهد والمستهلك بما يفيض عن حقيقة ما يروجون له بكثير. كل ذلك يحدث على مرأى ومسمع القانون دون أي محاسبة لهم على ما يختلقونه من اكاذيب توقع الغير في حالة نفسية بشعة نتيجة سماع خبر كاذب أو المبالغة والتطرف في فكرة ما كما أن بعض وسائل الاعلان قد تدخلك في مأزق مادي نتيجة اعتمادك على ما يروجونه للسلع بشكل لا يمت للحقيقة بصلة.

قد يدخل الكذب كوسيلة أساسية في أداء بعض أصحاب المهن رفيعة المستوى كما في حالة المحامي والسياسي. فكل منهما يبرر له ما يقوم به من مبالغات كلامية تحقيقا لمصلحة ما وتجنبا للوقوع في شرك ما هذا عداك عن التصفيق والتهليل المصاحب لابتكاراتهم تلك!.

مع أول يوم من شهر ابريل يحتفل العالم بكذبة أول ابريل وكأن الكذب باقي أيام العام في إجازة.

إن ما يميز هذا اليوم عن غيره أن من يطلق الأكاذيب يصرح بفعلته على عكس المعتاد. فإن تمعنا قليلا لوجدنا أنفسنا في إحتفالية كذب دائمة وأنه على عكس ما يحصل علينا أن نخص هذا اليوم بإجازة نمتنع فيها عن الكذب بدلا من ممارسته علنا.

كفانا الله واياكم شر ما حصل بأنف بينوكيو حين كذب وعلينا أن نتذكر دائما حكم وأقوال رددت لأجيال فالكذب حبله قصير وإن كان الكذب ينجي فالصدق أنجى.