بوابة صوت بلادى بأمريكا

مدحت سيف يكتب: دروس حياتية من التنمية البشرية (78- تعطس الصين، فيُصاب العالم بالزكام)

كان يقال مجازاً "عندما تعطس الصين .. يُصاب العالم كله بالزكام"، للدلالة على قوة الاقتصاد الصيني. وقد أصبح هذا المثل واقعيا، لكن بطريقة غير طيبة، لأن الزكام الصيني أصبح قاتلاً وغير مطمئناً، وفي هذا درس ينبهنا إلى مدى هشاشة وضعف الكيان البشري.

عجيب فيروس كرونا هذا الذى يعرف هدفه جيداً، وهو الوصول للحويصلات الهوائية فى الجهاز التنفسى، ليلتصق بالخلايا الحية ويعيقها عن تأدية عملها. وهنا يقوم الجهاز المناعى للجسم بمحاربة هذه الخلايا، فإذا إنتصر الجهاز المناعى، يتم تآكل الفيروس وطرد نفاياته، وطرد ما بقى منه حياً عبر السعال أو العطس، أما فى حالة إنتصار الفيروس، فالنتيجة خطيرة...

 

والعجيب أنه بغزو هذا الفيروس للعالم، كشف لنا أموراً كثيرة، وعلمنا دروساً عديدة:

 

1- كشف الشخصيات: 

فعلى المستوى العالمى، فقد أجبر فيروس كورونا بعض القادة للكشف عن أنفسهم وأنماط قيادتهم، فمنهم من هاو غير مهتم بالموضوع الرئيسي، ومنهم من هو قائد ذو رؤية طموحة، ومنهم من يختفى ويفوض الآخرين ويرجع إلى الخلف. 

أما على المستوى الشخصى، فهناك من أخذ الموضوع ببساطة وسطحية مع إطمتنان، على أمل أن الموضوع بسيط وسينتهى، ومنهم من نظر إليه بعمق وتفاصيل ونظرة غير متفائلة، ومنهم من نظر للموضوع بشكل إنسانى وكيف أن الناس تضررت، ومنهم من نظر إلى نفسه وهل هناك من أثر على مصالحه الشخصية. واعتقد عزيزى القارئ انه قد يمكنك أن تجد نفسك فى أحد هذه الشخصيات.

2- كشف ردود أفعال الدول:

فتوالت الإجراءات المشددة في أنحاء العالم لمواجهة وباء كورونا، بين إعلان حالة الطوارئ وإغلاق الحدود وحتى حظر التجول في بعض الدول. من جهة آخرى ولسبب أو لآخر تحاول بعض الدول نكران وجوده أو عدم إعلان الأرقام الحقيقية لديها، وهذا صورة من صور الطبيعة الإنسانية التي تحاول نكران الحقيقة، أو عدم الإعتراف بها أو التقليل من شأنها. بينما الدول القوية فمفترض فيها أنها تملك قدراَ كبيراَ من الشجاعة والمصداقية، وكذلك الإنسان كلما كان قوياً من الداخل كلما كان صادقاً من الخارج. 

3- مكانة العلم:

فكما قال د. مصطفى محمود أنه (لو انتشر وباء قاتل في العالم وأغلقت الدول حدودها وانعزلت خوفاً من الموت المتنقل، ستنقسم الأمم بالغالب إلى فئتين؛ فئة تمتلك أدوات المعرفة تعمل ليلاً ونهاراً لاكتشاف العلاج، والفئة الأخرى تنتظر مصيرها المحتوم!!
وقتها ستفهم المجتمعات أن العلم ليس أداةً للترفيه.. بل وسيلة للنجاة!)

لذا فمن المهم جداً أن نعطى العلماء حقهم من التقدير والاحترام أكثر من المطربين والممثلين ولاعبى كرة القدم.    

4- توحيد الشعوب:

 على ما يبدو أنه لكي توحّد شعوب الأرض فعليك أن تحضر لهم عدواً مشتركاً.....فها هو العدو بيننا، يجتاح أوطاننا، يتسلل إلى أجسادنا ويسيطر على تفكيرنا، نتابع الأخبار...ونرصد الأرقام، إصاباتٌ هنا...ووفياتٌ هناك، لم يميّز بين عربي وأجنبي، بين مسلم ومسيحي، بين فقير وغني، اليوم كلنا سواسية....فأعداء الأمس أصبحوا أصدقاء اليوم لمواجهة العدو المشترك، وأخشى بعد القضاء عليه، يرجعوا أعداء كما كانوا! 

5- دوام الحال من المحال:

فبعض أولئك الذى كانوا يتمتعون بالحياة، فجأة إنتقلوا منها. والبعض الآخر خسر كثيراً بسبب الإجراءات التي تم إتخاذها من غلق المتاجر والمطاعم والمدارس ومدن بأكملها...والبعض الآخر ربح كثيراً من بيع بعض المستهلكات والمستلزمات...

 

6- لا يفرق بين البشر:

فقد بدأ الفيروس في الشعوب الغنية، لذا لا داعى للعظمة المزيفة سواء شهادات أوعربيات أوأموال...فالحياة تنتهى بحسابات آخرى وليست بالحسابات العادية. وهذه الحياة أقصر من أن تحتمل الخصومة. فالفيروس لا يشفق على أحد.

7- محنة ومنحة:

 إن فيروس كورونا يمثل محنة لمعظم البشرية لكنه منحة عند البعض الآخر، فهناك أثرىاء للفيروس، مثلما كان هناك فى الماضى أثرىاء حرب. لكن أهم منحة أتصورها هى أن نتعلم، ونستعد، ونفكر فى الغد.

8- الجدية والالتزام:

فالإلتزام والجدية في التعامل مع الفيروس كان هو الفارق الجوهرى بين الصين التي تبتهج بإنتصارها على الفيروس، وبين إيطاليا التي فرضت الحجر الصحى. إيطاليا بلد الحياة تتحول إلى بلد خالية من الأشخاص في شوارعها وأسواقها، لا حركة في أي مكان... 

هناك فرق بين أن الموت بسبب المرض أو بسبب الاستهتار وعدم الجدية.

9- لا للإعتماد على مصدر وحيد للدخل، فيحدث خلل كبير متى أُصيب هذا المصدر بخلل ما. فالبلاد التى دخلها الفيروس وكانت معتمدة على السياحة كمصدر أساسى وحيد، هى فى مأزق الآن...

10- التعامل بحكمة وروية:

فهذا يضمن اتخاذ قرارات سوية مدروسة غير انفعالية، فضلا عن ضرورة الحد من حالة الهلع المبالغ فيها لدى الناس، والتى تسمح لسوق الشائعات بالتمدد والتأثير على بيئات العمل.

11- الإحتياج للصلاة والطب معاً:

جميل أن يكون هناك أيادٍ مرفوعة للصلاة، وعقول مفكرة فى حلول. نحن فى إحتياج لكل منهما.

لماذا؟

لأن الله يدير الكون بالقوانين وليس بالمعجزات.

12- التناسب فى العدد، بين المستشفيات ودور العبادة:

دور العبادة مهمة، وفى رأيي- وقد يكون غير صحيح- أن المستشفيات أكثر أهمية من حيث العدد والتجهيزات.

فأنا لا يهمنى أن تكون دور العبادة من الرخام الفخم والسجاد الكثيف، والزجاج المعشق، بينما تجهيزات المستشفيات متواضعة، لا توجد فيها الأساسيات...

أتذكر فى أحد شهور رمضان، عندما كنت أعمل فى مصر كمهندس للأجزة الطبية، أن أحد رجال الأعمال المسلمين طلب منى بالنص (كل مستشفى تدخلها، شوف لى ايه الأجهزة اللى المستشفى محتاجاها وهاتها للمستشفى وأنا هحاسب الشركة)، وبالفعل هذا ما كان يتم فى كل سنة، إذ كانت له رؤية طيبة فى توجيه أمواله. 

11- لماذا هذا الفيروس؟

فيروس يحير العالم حتى الآن، ويبقى السؤال:

لماذا سمح الله بظهور هذا الوباء؟

هل هو نوع من العقاب أو التأديب أو التوبيخ أو المراجعة لأنفسنا، أم لسبب أو أسباب آخرى...أى كانت الإجابة، إلا أن هذا الفيروس كشف لنا كم نحن ضعفاء...

 

والعجيب أننى رأيت اليوم أن المقبلين على دور العبادة أكثر كثيراً عنهم فى الأيام العادية التى كانت بدون فيروس، وسألت لماذا؟

هل هى سمة فى البشرية أن كل شخص يلجأ لإلهه ليحميه من هذا الفيروس؟ سيذهب المسيحيون للكنائس، وسيذهب المسلمون إلى الجوامع، وسيذهب الآخرون إلى آلهتهم...ثم يتم إكتشاف العلاج للفيروس، فيشكر كل شخص إلهه، معتقداً أنه هو الإله الذى استجاب له وأنقذه...ثم تعود الحياة إلى ما كانت عليه بدون أى تعديل وتغيير فى منهج الحياة؟!

 

ختاماً، لايسعنا إلا الإعراب عن تضامننا مع كافة شعوب العالم في هذه الظروف، فالبشرية يتهددها خطر داهم بغض النظر عن الدين أو العرق، وفي مثل هذه الظروف لابد من دعم جهود التضامن الفردي والشعبي والدولي، وينبغي تجاوز الخلافات و تغليب منطق التعاون، وفي هذا السياق علينا ألا نقبل فكرة “الشماتة” من المرض أو البلدان التي أصابها الوباء، فالجميع مهدد بهذا الخطر أو (الجائحة) على حد تعبير “منظمة الصحة العالمية”، فالخلافات السياسية والأيديولوجية ينبغي تجاوزها في مثل هذه الظروف، لأن لها أثاراً غير إيجابية على نفسية الشعوب المتضررة، فرجاء من “المثقفين” الذين يرون بأن الوباء انتقام من الله، فهذا منطق يحتاج إلى مراجعة لأن كثير من رجال الدين عبر العصور أصيبوا بأوبئة كالطاعون، وأمراض آخرى. 

وبالمناسبة هناك فيلم أمريكى بعنوان (Contagion) تم إنتاجه سنة 2011، أحداثه مشابهة للأحداث التي نعيشها مع فيروس كورونا، والتشابهات غريبة، نوصيك بمشاهدته.

ولكى تكتمل الرؤية مع الفيروسات وكيف أن بعض الدول تستخدمها كنوع من الأسلحة، وفى نفس الوقت يوجد كثيرون من الأشخاص المخلصين الذين يهمهم البشر، ندعوك لمشاهدة فيلم Outbreak.

وختاماً، دعنى عزيزى القارئ أن أقول أننا أحياناً نشعر أن التعاطى السياسى مع الفيروس مغالى فيه جداً، وأحياناً نشعر أنه مدفوع بنوايا غير طيبة، وعلى ما يبدو أن العالم كله تقريباً سيدفع الثمن.

دعونا نهتم بتقوية جهازنا المناعى لنستطيع التغلب على الفيروس. ولنعتنى بسلامتنا الصحية، لأن الوقاية خير من العلاج.

ولدروسنا بقية



 

أخبار متعلقة :