ماذا تعني يا رئيس أهم جامعة عربية علمانية، وهي جامعة القاهرة، بـ ”تأسيس عصر ديني جديد“؟ تنادي، بما يتراءى لي،بعجزك عن إيضاح ما تعني. أنت تردد بإقامة ”بناء جديد بمفاهيم جديدة“. وأنت تنعي في الوقت ذاته ”عصر الجمود“. نداءات بلا إيضاح!!
لا أرى في ولولتك وبكائك مصداقية على ما تصفه بـ ”دائرة الكهنوت الذي صنعه البشر“. تلطم خديك على ظهور ”مقلدين أصحاب عقول مغلقة ونفوس ضيقة“. تدَّعي أنهم لا يستوعبون ”رحابة العالم ولا رحابة الدين“.
وليس في كتابك عن ”تجديد الخطاب الديني الجديد“ ما ينير طريقنا إلى الغاية التي تنشدها.
أنت لا تفسر ولا ترشد إلى ما تراه من صراط مستقيم. عليك أن تشرح ما تعنيه بـ ”مفاهيم جديدة، ولغة جديدة، ومفردات جديدة“. أعلنت عن وجود مرض دون أن تكتب روشتة تساعدنا على التعافي من ذلك المرض الوهمي.
صدقت حين قلت إن ”الإسلام النقي“ يقوم على أساس القرآن والسُنَّة. هنا أضيف إلى تلك الروشتة الخشتية كلمة ”الحكمة“. يقول سبحانه وتعالى ”ويعلمك الكتاب والحكمة“. والحكمة هي استخدام المنطق. إن كنت ترى يا رئيس جامعة القاهرة أن ”الإسلام المزيف الذي نعيشه الآن“ سببه ”التيارات المتطرفة والجماعات الإرهابية“ فقد ضللت طريقك. نعم هناك تيارات متطرفة وجماعات إرهابية. هذا واضح للجميع وضوح الشمس في وسط النهار.
غير أن الإسلام لم ينل منه التطرف والإرهاب. إذ أن الضدين لا يلتقيان إلا في وصفك العاجز عن التشخيص. ذلك لأن الشريعة التي تكملها القوانين الوضعية هي البنيان القانوني المتكامل. وذلك مثلما أوضحه الدستور المصري لعام 2014 بعد تطويق الفكر التكفيري الذي نادت به جماعة الإخوان المسلمين (الإرهابية).
مبدأ صلاحية ”الشريعة لكل زمان ومكان“ نابع من تطورها المستمر بحسب الظروف والأحوال في كل المجتمعات الإسلامية التي تضم حوالي بليونين من البشر. هم، وأنت منهم، أهل القِبلة لكل ما يرونه من عقائد مقدسة.
وماذا تعنيه يا رئيس جامعة القاهرة بمصطلح محير للأذهان، ألا وهو الرؤية ”الأحادية للإسلام“؟تعبيرات برَّاقة عن فجر كاذب. من واضح عويلك قولك ”النظرة إلى الإسلام من زاوية واحدة ضيقة تزيف الإسلام“. لقد نادى الإسلام منذ الدعوة المحمدية بـ ”من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر“. الحكمة من هذا هو أن العباد ليست لهم سلطة تكفير العباد. إذ الأمر والحكمة بيد الله، وليس بيد المخلوقات ومنهم أنت.
إن كنت تبغي ”تفكيك العقل الديني التقليدي“ فليس أمامك سوى أن تعرف أن ”الآية معناها الدليل“ وأن كلمة ”اقرأ“ معناها ”تعلَّم“. إن رسالة محمد هي الرسالة التي ينادي بها الأزهر الشريف. ومحورها ”إن خير الناس أتقاكم“ والتقوى يا رئيس جامعة القاهرة هي في القلب وليست في الرياء.
إن كنت تنادي بـ ”تغيير طرق تفكير المسلمين وتعليم جديد“ فلسنا بحاجة إلى ”مرجعيات جديدة“. لدينا المرجعيات وهي الأزهر الشريف والدستور العلماني والتعليم المفتوح القائم على أساس احترام كل دين، بما في ذلك أديان من سبقونا إلى الإيمان.
أقدم لك نصيحة لقراءة العشرة خُطب التي ألقاها فضيلة الإمام الأكبر، خريج السوربون، الدكتور أحمد الطيب في عام 2016 في كل أرجاء العالم. لو كنت قرأتها لما ناديت بنظرية التفكيك الخاطئة التي تعيدنا إلى المربع الأول من نظرية المنطق والإيمان. كانت تلك الخُطب هي أساس كتابي باللغة الإنكليزية بعنوان ”الثورة الإسلامية الدينية الجديدة“ (أمازون، عام 2017).
هذه هي البيِّنة. وكما قال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، في وثيقته القضائية ”البيِّنة على مَن ادعى واليمين على مَن أنكر“. نحن كمستشارين قانونيين في أمريكا نطلب إليكم العودة إلى دراسة ذلك التراث العظيم. ولنترك نظرية التفكيك لمعاول الذين لا يقرأون.
بقلم: د. ياسين العيوطي
المستشار القانوني وأستاذ القانون بنيويورك