بوابة صوت بلادى بأمريكا

جاسم الصافي يكتب: رجل الشمع

 

انت وحدك من يخسر ,نداء ازلي يجر خلفه هزائم وخيبات لاتعد ولا تحصى , لا لست وحدك انت نصفهم الحر , الفضيحة التي لا تنسيهم ما كان بالأمس, جرحمهمللا يداوىوالم لا يزول , وحيداانت في خيالك رغم فيض حشودهم , الا انهم فراغ في هذا الحضور اجساد جوفاء , تطفو في ذكرى لا تقيم وزنا للمكان فلا معنى لزمن اعطبه النسيان وتلاش الذكرى هي وحدها الزمن الحر والزمن الحقيقي الذي لا يعرف السكون زمن تمرد على الماضي فكان ضمير الحاضر الذي يتمنى لما كان ان لا يكون , لم يشعر بما حوله ولا بتلك الفتاة وهي تقترب منه على مهل لتكسر عزلته , كانت تدنو بحذر وهي تتساءلمع نفسها :

اجابها صوت غريب من داخلها , لا انه بقاياأنسان

تبسمت له وهي تمني النفس بالتقاط صورةتذكارية معه, كان في زياكردياوقيافتهفي تناسق لوني جميل, كارزما وجهه تعطيك شعور لايمكن نسيانه ولامجال لان تضيع فرصة حضوره في ذاكرتك , اقتربت منه اكثر... فاكثر, لم يحرك ساكنا ولم يرتد له طرف , كأنهكتلتهجامدة منذ الازل تبحث لها عن مرسى لزمناأضاعته,توطنت في قلبه كل الجراحاتوصار بيت احزان لا يمكنالكشف عن اعمقهاولا أقدمها فكلها جراحات ندية بالألم , يصعبتقدير عمره الذي مر مسرعا وغادره على عجل , دون ان يوقفهأمل اويتعثر في ذيلهحلم , تراكم عليه النسيان بأتربة العدم حتى تكلس بالعجز واصبح في تيه الذكريات( يربي الامل)وها هو عالق في زمن لا يدركه تصنم بالبلاهة مثل رجل شمع فالبلادة نعمة مفقودة , لهذا كان بين المارة نسيا منسيااعتادوا على وجوده مثل اي شيء قديم ادخل خطأ وهو الانبانتظار من يصلح هذا الخطأ, لا أحد هنايهين مزاجه الترفاو يجرء علىايقاظ عزلةوتوحدروحه بالبعيد , لقد طلق هذا الجسد المعطوب واختار الخيال له مسرحا , تعطلت ايامه على حافة الاربعين وبقي عالقا بين الحلم والذكريات يجلس على قازوق الحنين , لا أحد يتذكر وجوده الان ... الا من خلال عيون مشفقة تصور لهم ما كان من ماضيه ,كأنه امسك على  نذرانذره مع نفسه, ان يهجر الحضور , وصيامماتبقى من عمره هنا بغير عودة .

جلست الى قربه تلك الفتاة وعيناها تتحركان بمرح طفولي , بعدها طلبت من احد المارة ان يلتقط لهما صورة تذكارية , مع جسد ميت وبقي جثمان بلا دفن يسبح فيموج الماضي كفنه الحنين ونعشه الذكريات فكان جسده مستفيق لينطق بالشهادة , بدت على وجهها ابتسامة غير محترمة من الرأفة والشفقة , لم تجيبها قسمات وجهه الغليظ بالوقار , ولم تقرر هي بعد كيف ستبدو معه في تلك الصورة واي وضع يناسب هذا الموقف الغريب , كانت حائرة في الاختيار حين تفاجأت بعابر السبيل وقداخذلهما لقطة مسرعة لم يبال بقيمة ما فعلفهو عابر سبيل وليس مصورا , لم تبدر منه اي ردة فعل وكانه الامر طبيعي ان يكون موجود هنا لفرجة السائحين, ملامحه ميتة رغم تورد نور الانتظار فيها , اوقف الياس اجفان العيون واضاع ملامح ابتسامة تنبت براعمهافوق الشفاه بالأمل ,طلبت الفتاة من صاحب المقهى فنجان شاي بقصد الاستفسارواستدراجه ليحكي لها عن سر ذلك الرجل الشمعي, جاءهابعد فترة قصيرة فنجان الشاي , انتقلبصرهابحركة بطيئة نصف دائرية من صاحب المقهى الى رجل الشمع , وبإيماءة واضحة من راسها لصاحب المقهى تعبيرا عن حيرتها واستفسارها عن ذلك الرجل , لكن صاحب المقهى تبسم لفضولها الزائد ,تجاهل ذلك وتركها تحترق في حيرتها , وراح يشغل يديه فيغسل الصحون والفناجين,شربت فنجان الشاي ثم اخرجت ورقة نقدية وهي تقترب من صاحب المقهى لدفع الحساب , رفض الأخير أخذ الحساب وأعطى لها صحيفة قديمة , في صفحتهاالأولى مانشيت عريض كتب فيه ( رجل من سنجار يبحث عن عائلته اربع بنات وزوجه ) وتحته هذا العنوان كانت صورة لرجل الشمع