لقد تمتع الأقباط في عصر محمد على باشا منذ توليه حكم مصر سنة 1805 م بسياسة التسامح وروح المساواة بين جميع المصريين رغم الاضطراب السياسي ، حيث كَانت خزينة الدولة خاوية من المال، فبدأ في إتباع مبدأ تسامح فقضى على التفرقة بين القبطي والمسلم لأن كلاهما يستطيعان أن يقدما للبلاد أحسن الخدمات ، فتلاشت في عهده الفروق بين الأقباط والمسلمين ، فكانت سياسته تحقيق المساواة بين المسلمين والأقباط في الحقوق والواجبات . لذلك تبوأ الأقباط في عصره مراكز عليا فعين أقباطا مأمورين مراكز وهو بمثابة تعيين محافظين للمحافظات الآن .
ومن أهم القرارات التي أصدرها محمد على باشا لتطبيق مواطنة متساوية مع المسلمين ما يلي : -
1. الغي محمد على إجبار الأقباط على ارتداء أزياء معينة التي كانت مفروضة على الأقباط من قبل السلطنة العثمانية التي كانت ملتزمة بالشريعة الإسلامية والوثيقة العمرية ، فخلع الأقباط الزى الأزرق والأسود الذي كان مفروضاً عليهم بعد إن كانوا ممنوعين من ذلك وأصبحوا يلبسوا الكشمير الملون وغيره .
2. السماح للأقباط بركوب البغال والخيول ، ولا شك إن هذا كان ممتعاً لهم إن يتمتعوا بالحرية وأن يركبوا ما شاءوا من البغال .
3. السماح للأقباط بحرية بناء الكنائس وممارسة الطقوس الدينية ، ولم يرفض أي طلب تقدم الأقباط به لبناء أو إصلاح أي كنيسة .
4. كان محمد على أول حاكم مسلم يمنح موظفي الدولة من الأقباط رتبة الباكوية عرفانا بخدماتهم لمصر كما أتخذ له مستشارين من الأقباط .
5. السماح للأقباط بحمل السلاح وذلك لأول مرة . وهنا أشير إلى واقعة قد حدثت بهذا الخصوص . ففي عام 1814 م حدث تمرد حامية القاهرة فخاف الأقباط على أرواحهم وأستبد بهم الرعب في أحيائهم فأقاموا المتاريس وأغلقوا الأبواب وتسلحوا بالبنادق لحماية أنفسهم من الغوغاء . فقام محمد على باشا وأمد الأقباط بالبارود وآلات الحرب وأمنهم على أرواحهم ومنازلهم .
وفى نفس السياق ، كان الأقباط يعانون من سوء معاملة وقسوة حكام المماليك الذي قضى عليهم محمد على باشا في حادثة تعرف باسم مذبحة القلعة ( رغم بشاعة الحادث إلا أنها خلصت المصريين من نفوذ المماليك الذي ظل طاغياً علي البلاد لعدة قرون ) ففي عهدهم عاني الأقباط من صعوبات عديدة للحصول علي إذن بزيارة الأراضي المقدسة ، ولكن برعاية وتسهيلات محمد علي باشا أصبح الأمر ميسرا وممهدا ، وقد عثر علي أول وثيقة تعود إلي عام 1825 م يوصي فيها محمد علي مسلمي غزة والقدس بالقبط الذين يرغبون في الحج إلي القدس ، بل كان يوصيهم فيها بحماية الرهبان الأقباط والزوار الوافدين إلي القدس كعادتهم كل عام حاملين قفص الشموع إلي كنيستهم بالقدس وبحمايتهم وإكرامهم عند وصولهم إلي غزة والقدس .
أما عن الحملات الحربية التي كان يشنها محمد على فقد تحمل الأقباط نصيبهم في النفقات واشتركوا فيها كجنود وقواد واختلطت دماؤهم مع أخوتهم المسلمين في غزوات الشام وجبال المروة وسهول آسيا الصغرى ، وقد دفع الأقباط الأرثوذكس مائتي ألف ريال مساهمة في دفع مرتبات الجنود ودفع الأخوة الكاثوليك ثمانية آلاف ريال .
من هنا نجد أن محمد على باشا كان شخصية كاريزمية طموحة ، فسخر كل الإمكانيات لتقدم مصر لمواكبة الدول الكبرى ، فاتجهت سياسته نحو استغلال كل الخبرات والكفاءات مهما كان دينها أو ملتها مادام هدفه هو مصر أولاً . لذلك استطاع أن ينهض بمصر عسكريًا وتعليميًا وصناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، مما جعل من مصر دولة ذات ثقل بين دول العالم . وقد توفى في اليوم الثاني من شهر أغسطس عام 1849 م بقصر رأس التين بالإسكندرية ، ثم نقل جثمانه إلى القاهرة حيث دفن في مسجده بالقلعة .
بقلم : ألبير ثابت فهيم