بوابة صوت بلادى بأمريكا

ألبير ثابت فهيم يكتب: الصداقة الحقيقية فى زمن المتغيرات

الصداقة هي زينة مشاعر الحياة ، والعدو اللدود للوحدة، إنها علاقة وثيقة بين شخصين أو أكثر فهي علاقة متبادلة وانسجام كامل في الود والأحاسيس، وهي بالغة الأهمية في استقرار الفرد وتطور المجتمع، ومن لا يملك أصدقاء حقيقيين فهو معرض للإصابة بأمراض نفسية وعضوية .

فالصداقة تعتبر أفضل وقاية من شبح الاكتئاب والشعور بالوحدة والملل ، كما أنها مصدر طاقة للإنسان تحثه على النشاط وصفاء الذهن والشعور بالقوة والدفء والمحبة والراحة في حياته.  كما أن لها مفعولاً سحريًّا في اكتساب الثقة بالنفس، والشعور بأن الشخص في مأمن وله قيمة واعتبار، خاصة إن كان ممن يحسن اختيارهم . فالصديق الحقيقي هو أمين على سرّك كما قال القديس يوحنا الذهبي الفم ( ليكن أصحابك بالألف ، وكاتم أسرارك من الألف واحد ) .   

كثير منا في مراحل حياته يتخبـط في هذه الدنيـا الواسعة، كما تصادفنـا الكثير من المشاكل والمواقـف ونمـر بالعديد من التجارب الحياتية الصعبة، كما يمر علينا آلاف من الناس، منهم الصادق والكاذب ، الخائن والشريف، والمخادع والضعيف... إلخ، وبحــكم طبيعـة الإنسـان فهو بحاجـة إلـى صديق لكي يحكي له عن همومه ويصارحه بما يـلوج في خاطره ويشاطره السعادة والحزن .  

فالصديق الوفي هو الصادق في حبه ليس في صداقته رياء، ولا مظاهر خادعة، ولا تصنع، ولا شك ؛ لأن مشاعره صادقة تماماً وحقيقية. لا يعاملك بالمثل، دقة بدقة، بل يحتملك في وقت غضبك، ويصبر عليك في وقت خطئك . ليس ممن يجاملك، ويكسب رضاك ، وبأن يوافقك على كل ما تفعله مهما كنت خاطئًا .  ويقول مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث : صديقك هو قلبك الثاني ، الذي يحس بنفس شعورك . ويتألم لألمك من أعماقه ،  ويفرح لفرحك فهو رصيد لك من الحب ، ورصيد من العـون ، وبخاصة في وقت الضيق . فهو من يحبك    بالحق ، ويريد لك الخير، وينقذك من نفسك ومن أفكارك الخاطئة إذا لزم الأمر ، بل قد يساعدك على نقاوة قلبك ، ويعينك على العمل الصالح .. لذلك يقول الكتاب : ( أمينة هي جراح المُحب ، وغاشة هي قُبلات العدو ) .    كما أن الصديق الصادق يكون معك في السراء والضراء ، في السعةِ والضيق، فهو من يفهم ماضيك ويؤمن بمستقبلك ويقبلك كما أنت الآن، فهو يتألم لألمك، ويفرح لفرحك من أعماقه، كما أنه الأمين على سرك وسنداً فريداً في حياتك ، لا يتغير حبه، إن تغيرت ظروفك وظروفه، فصديقك هو قلبك الثاني ، الذي يحس بنفس شعورك. وهنا نفرق بين كلمة صديق، وكلمة رفيق قد تجتمع الصفتان أحيانا في شخص واحد. وقد يرافقك إنسان دون أن يصادقك .    فأمسك بالصديق الحقيقي بكلتا يديك لأنه يفيدك بأخلاقه وعمله وصلاحه، فهو يمشي إليك عندما يبتعد عنك باقي العالم ،  فالصداقة هي عقل واحد في جسدين، وكما يقال إذا أردت أن تتعرف إلى إنسان راقب أصدقاءه فكما يكونون يكون ، ويقول المثل : إذا كنت تملك أصدقاء إذاً أنت غني .   

وفي هذا السياق: يقول (أرسطو) عندما طلب منه تعريف الصديق الحقيقي فقال: روح تسـكن في جسدين، ويقول الفيلسوف ( سقراط ): الصديق الصدوق هو الذي يحقق بقلبه وعمله ما أظهره لسانه. ويقول العالم (توماس): أتعس الناس من كان بلا صديق وأتعس منه من كان له صديق وخسره . لذلك يقول الكتاب المقدس: لا تقاطع صديقك القديم ، فإن الحديث لا يماثله . ومن رمى الطيور بالحجر نفرها ، ومن عَيَّر صديقه قطع الصداقة . 

وأخيراً :  ثمار الأرض تجنى كل موسم.  ولكن ثمار الصداقة تجنى كل لحظة ، فالأصدقاء صعب أن تجدهم، وصعب أن تهجرهم ، ومستحيل أيضاً أن تنساهم .

 

بقلم : ألبير ثابت فهيم

أخبار متعلقة :