بوابة صوت بلادى بأمريكا

أمينة خيرى تكتب: نظام يضمنه القانون

فى السفر سبع فوائد وأكثر. بالإضافة إلى توسيع المدارك وتفتيح الأمخاخ، فهو يجعل البعض منا يفكر بشكل إيجابى. فحين نرى من هو أفضل مما نحن عليه من أسلوب حياة وجودة تفاصيل المعيشة، لا نكتفى بمصمصة الشفاه والشعور بالغبن والشقاء، لأننا لا ننعم بالنعم نفسها، بل نجتهد فى التفكير لمعرفة ما نفتقده. عدت إلى دبى بعد نحو عامين من الانقطاع عنها. ومنذ وصلت، قبل أربعة أيام، لا أتذكر أننى رأيت أنفًا واحدة باستثناء أثناء تواجدى فى مطعم أو مقهى.

لم أر معارضًا واحدًا على حجب حرية إبراز الأنوف أو فارضًا قناعته الشخصية بأن الوباء مؤامرة أو محلقًا فى سماء القضاء والقدر، حيث «لو أراد الله أن أمرض فسأمرض ولو كنت مرتديًا ألف قناع». ورغم أنه بكل تأكيد بين هؤلاء البشر من يؤمن بأىٍّ مما سبق، لكن الكمامات تعتلى أنوف الجميع. ما يزيد على 200 جنسية تقيم وتعمل فى مكان واحد، ما يعنى اختلاف الثقافات والخلفيات التربوية والتعليمية والعقائدية. والمؤكد أيضًا أن بين هؤلاء من لا يجد حرجًا أو مانعًا أو رادعًا من القيادة العشوائية أو التحرش بالإناث. ورغم ذلك فهو لا يجرؤ على فعل ذلك.

قد يختلس نظرة أو يلجأ إلى طريق ملتوٍ، لكنه يعلم أن حجة «وهى لو مش عايزه تتعاكس كانت لبست كده؟!»، أو أغلظ الأيمانات التى يُقسم بها بأنه لم يقترب منها، إلى آخر موسوعة الذرائع لن تفيد. كما أن عدم الالتزام بقواعد القيادة جريمة، حتى وإن كان الشخص محترف قيادة عشوائية فى بلده. ورغم وجود سوق رائجة لبيع العقارات وآلاف الطلاب والحاجة إلى سباكين ونجارين وغيرهم، إلا أن الجدران ليست مرتعًا لمن يعتبرونها ساحة مفتوحة للتسويق لمنتجاتهم وخدماتهم. فلا «أرخص سعر للمتر المربع»، ولا «أرشميدس الرياضيات للصف الثالث الثانوى»، ولا أرقام هواتف حسين السباك وياسين النجار، ولا حتى أحمد ومنى إلى الأبد تلطخ جدران المبانى.

لا الأرض ولا المبانى متروكة لتكون مقلبًا للقمامة، مع التذكرة مجددًا بأن من بين الـ200 جنسية من ينتمى لثقافة إلقاء القمامة فى الشارع باعتبارها تصرفًا عاديًا. التصرفات العادية التى يقوم بها البعض باعتبارها حرية شخصية فى موطنه أو إشهارًا لتدينه والتزامه لا تعتبر عادية طالما تخرج عن النظام العام. ورغم عدد المسلمين الكبير من مقيمين وزوار وأهل المكان، ورغم بث الأذان بصوت جميل واحد يسمح لك بتفسير الكلمات والاستمتاع بها، إلا أنك لا تجد من يقرر أن يصلى على رصيف مترو أو أمام مكتبه أو أمام محله.

فالمساجد كثيرة والأماكن المخصصة للصلاة فى المراكز التجارية متوفرة. كلمة السر هى «النظام» الذى لا يأتى بـ«مناشدة» الالتزام فقط، لكن الرقابة والحساب يؤديان إلى شىء اسمه نظام. والنظام لا يتطلب ثراء بالضرورة، فقط إيمانًا بالقانون وتطبيقًا له.

 

أخبار متعلقة :