بوابة صوت بلادى بأمريكا

قراءة في ديوان: كما تشاء الريح للشاعر/ عبد الحافظ ياسين

"كما تشاء الريح ، هو باكورة أعماله الأدبية ، وهو معلم لغة عربية؛ يجيدها بطلاقة، ويكتب شعر الفصحى، وكان واحدًا من الفائزين بمسابقة النشر الإقليمي عن هذا الديوان.

يتكون الديوان من اثنين وعشرين قصيدة، مجموعة في ثمانٍ وثمانين صفحة من القطع المتوسطة فهي قصائد قصيرة، وقد صدر هذا العمل عن وزارة الثقافة ، وفي أكثره من الشعر العمودي.

بصفة عامة يتميز أسلوب الشاعر بالبساطة والسلاسة في تقديم منوعات من قصائد الفصحى، قصائد مليئة بالصور والاستعارات ، يتنقل خلالها الشاعر حاملًا كمًّا عظيمًا من المفردات واللغوايات القوية ، وسوف تجد بعض المفردات الجديدة قليلة الاستخدام، وهذا أسلوب يحسب للشاعر في تفرده وإحكام سيطرته على المادة لتشكيل قالبه الشعري، فقد نجح الشاعر في تكوين قالب شعري متجانس بين قصائده التي تحمل هموم وأحلام وآمال الشاعر.

لعل الشاعر تجاوز حدود المكان والزمان في شاعريته؛ ففي القصيدة الأولى التي عنوان لها ب "محاولة كتابة قصيدة. "في دفتري شيء قديم كالهوى

ينحاز لي

رغم الفواجع و الفتن."

الشاعر يستدعي الذكريات، و تُسجَّل في الدفتر، وفي هذا الدفتر أشياء قديمة؛ هنا أيضا صراع لوجود كلمة تنحاز للشاعر رغم الكوارث والفتن. لقد نجح الشاعر في خلق صورة مكانية يجري عليها الحدث/الصراع ما بين الشاعر وضده، ورغم انحياز ما في الدفتر للشاعر، إلا أنه يكمل قصيدته في جو من الغموض عندما يذكر لنا (مقلتيه _ الأيام _ الخيانة) و هو شيء _يراه الشاعر_ منتشرًا بكثرة، لكن الشاعر رغم ذلك لم يخن.

يكمل الشاعر قصيدته بصور جمالية قوية تخلق حدثًا وحركة تجذب القارىء، فيوضح الشاعر الصراع الداخلي.

الوطن؛ حلم كل إنسان أن يعيش داخل وطنه، ففي الوطن لا يشعر المرء بالاغتراب، لكن:

" اسكن بلادًا من هواء

واستتر من جرح يخبئه الزمن" وفي آخر القصيدة يسكن بلادًا من هواء، ويستتر بالليل، والليل معروف؛ ظلام وغياب للشمس، الليل الأسود الحالك يستتر به الشاعر من جرح خبئه الزمن؛ صورة عجيبة.

يوجه الشاعر قصائده ل(الوطن/الأم /الحبيبة) بأسلوب متنوع وبسيط يجذب القارئ إلى عالم ساحر،  ليجرنا الشاعرة لقصيدة أخرى، لساحة الموت والأحلام هامدة؛ منذ متى والأحلام (رمز الحياة والأمل) تموت، لقد نجح الشاعر بمكر وذكاء في أن يصنع مفارقة بين الموت/الهامد/انتهاء الحياة وبين الأحلام، ونحن نعرف أن الأحلام تشير للآمال والحياة المستقبلية مثل (أحلام وردية، و سعيدة) اخترق الشاعر حدودًا جديدة (الأحلام الهامدة).

وفي قصيدة أخرى يغترب الشاعر عن أمه ووطنه ليقول:

"أنا الآن وحدي

وبعضي يلوذ ببعضي

ألملمني من شتات"

يعيش الشاعر حالة غريبة، كأنه في جزيرة وحده، ذاته تلجأ لذاته، فمن يجمع شتاته؟ وكيف يُسرَق عمرُ الشباب والحياة منه؟ تجربة مريرة يمر بها الشاعر، عبّر عنها في مضامين متكررة في كل قصيدة بأسلوب بسيط جذاب ترك لك موسيقى حزينة تهتز لها المشاعر، لعل من أحد يدرك لوعة هذا المغترب.

، فيختص الشاعر بحالة من القلق والشك متلازمتين، وهذا وضع طبيعي في الحالة الإنسانية المعذبة.

(تحتضر/ ترتاب/ رعشة خوف/ نزيف) كلها مفردات تدل على بؤس وحزن الشاعر، لكن لماذا يرى الحياة هكذا؟

"روح خائفة" عنوان قصيدة قوية:

تنسل من روحي بلاد خائفهْ

تستوحش اللحن الذي لن تعزفهْ"

 أبدع الشاعر في اختلاق صورة فريدة غير نمطية "بلاد خائفة" وهل هناك جامد يخاف؟ ما الذي جعل الجماد يشعر؟ إلا حبه الشديد لبلاد تنسل (تخرج) كما تخرج الروح من الجسد مشهد صعب الاحتمال، لكنه حتمي، والبلاد تستوحش (ترتعب) من اللحن الذي تحبه وتريد أن تعزفه، لكنها لم تفز الحبيبة هذه المرة بعزف لحنه المنشود. وللشاعر قصيدة حماسية، فيها موسيقى قوية ورنانة، بعنوان "سورا" أبدع فيها الشاعر كثيرًا ما بين صور رائعة وجمال النص من خلال بساطة التعبيرات.

استخدم الشاعر ألفاظًا قوية ، وعنواين مستحدثة مثل: رماد الوقت، ظلال الوقت، تنهيدة ضوء..

إلا أنني أسجل عليه بعض الملاحظات:

"واستتر بالليل

من جرح يخبئه الزمن"

رغم جمال الصورة، لكن لماذا يستتر الشاعر من جرح يخبئه الزمن؟ أظن أن الصورة غير منطقية، لماذا استتر من شيء مختفٍ ، لكن يبقى المعنى في بطن الشاعر.

ملاحظة أخرى:

"مستقبلًا وجه الظلام

أطارد الذكرى بوجه منهكٍ كالمقبره"

يستقبل وجه الظلام،  فلا يري شيئًا، لذلك هناك قناة خصبة للذكريات، الكثير منا يتذكر وهو شارد الذهن، لا يرى رغم أن عيونه تبصر بوجه منهك كالمقبرة، ما العلاقة بين وجه منهك وهو في حالة يقظة شديدة يطارد الذكريات؟ ولماذا منهك كالمقبرة؟ صنعت سد في مجرى القصيدة لتعطي غموضًا لا يخدم الفكرة

ولا المعنى.

ولذلك نرى في ذلك شاعرًا واعدًا منطلقًا بقوة في مسيرته الأدبية.