بوابة صوت بلادى بأمريكا

بهي الدين مرسي يكتب : الشيخوخة محنة أم منحة؟

 
خلاصة نصف قرن من دراسة الطب وخبرات ما بعد التخرج أسوقها إليكم فى أسطر قليلة، وهى أن الشيخوخة ليست مرضًا وليست مدعاة للتقاعد، بل هى إعادة توظيف وتعيين جديد فى وظيفة راقية بمقابل مجزٍ.
حديثى هنا لمعشر السيدات والرجال، ولا علاقة لوصف الشيخوخة بسنوات العمر.
الشيخوخة هى سيمفونية يعاد فيها ترتيب العازفين، فعازف التشيللو الذى كان غائرًا للخلف تقدم للصف الأول، فهى بالفعل إعادة توزيع المهام على أعضاء الجسم ونزع بعض الوظائف وتقليص البعض الآخر، وتعظيم واستحداث وظائف لم تكن موجودة قبلًا.
سيدتى.. قولى شكرًا لمرحلة منتصف العمر المنقضية ومعها عبء الحمل والولادة والإرضاع واستنفاد مخزونك من الأمومة، والمنتهية بحصولك على شهادات الشكر مقابل جهدك.. صحيح أن شهادة الشكر هذه عبارة عن شهادة ميلاد لابن أو أبناء منحوكِ لقب أم أو جدة، ولكن تذكرى أنها ليست شهادة فخرية فحسب، بل هى شهادة تعيد توظيفك فى الحياة كمرجعية للحكمة ومستشارة للحب ومنصة يتقاضى أمام عظمتها الأبناء والأحفاد المتنازعون.
معكِ شهادة ميلاد لأبناء وأحفاد تمنحين بموجبها ثروتك لذريتك من بعدك وكأنها مكافأة نهاية الحكمة للأبناء.
سوف تنالين فضلًا جديدًا وهو نقشة يديك ووجنتيك وجبينك بالنمش، وتصبح زينة تجذب شفاه المحبين لزرع القبلات على يديك وجبينك ورأسك.
وأنت سيدى.. لا تستحِ من ترهل جلد رقبتك وانحناءة كتفيك، وبياض شعرك، بل وسقوطه كله أو بعضه، ولِمَ التأذى من الاستعانة بعكاز يجعلك ثلاثى السيقان؟ 
لا تنزعج فكل ما هنالك أنك سعيت فى الدنيا ركضًا وهرولة، ولم تضن عليك عضلاتك ولا قلبك بهذه الخدمة، والآن حرى بك الراحة، فلديك قلب يدرك أنك لست بحاجة للركض صعودًا على الدرج، ولست مطالبًا بجهد الجنس، فقد كان لإتيان الذرية والآن نضب الاشتياق له، فلا تحارب سنن الكون وقد كان الجنس جزءًا من الرسالة وقد اكتملت أو فات أوانها.
اجلس لتتغزل بكلمات الشكر وعبارات الثناء على «قولون» تحمل المسلى والمقلى والتقلية والملوخية وجعلك تنعم بلذات الطعام عبر السنين، وآن له أن يعتزل هضم السمين والقاسى من الوجبات بلا طائل. 
استرح، ونم بكيرًا، واحلم كثيرًا، واستيقظ ثقيلًا كسولًا بلا جرس منبه، فيومك طويل مثقل بتوزيع مخصصات الحب وتدليل الأحفاد.
والآن سيدى.. بادر باستدعاء عقلك العبقرى الذى كنت تدير به كبرى المؤسسات، وكنت تتلو به الخطب العصماء أمام مرءوسيك إبان حياتك المهنية، فهو مطلوب الآن لمهمة أحلى وهى تلاوة الحواديت لرئيسك الجديد «مستر حفيد».
دعهم، بنيك وأحفادك، يفرحون بنقشة جلدك الجديدة وهى النمش وبقع الجلد، فما تراه مزعجًا وتخفيه بالكريمات والعلاجات هو متعة لأحفادك، لأن ما تسميه «لون الجلد» يسميه أحفادك «لون الجد».
وفى النهاية، أذكركم بأن الشيخوخة ليست رقمًا فى شهادة الميلاد، فهى تبدأ من اليوم الأول لميلادك- نعم صحيح- وتزيد بسرعة أو ببطء وفق نمط حياتك إلى أن تظهر الأعمار، فهناك شيخوخة العشرين لليتيم المحروم، وهناك شيخوخة الثلاثين سنة من التعاسة والهم لأرملة، وكدر الأربعين من أعباء الحياة ونضب السعادة.. كل هؤلاء مقيدون فى كشوف الشيخوخة إلى أن تتخاصم أبدانهم وأنفسهم مع الحياة فيزهدون أو يكملون أحياء فى صمت الأموات. 
بادر واتصل بمن تحب، وافعل ما تحب، واصرف كل الهموم واشحن بطاريتك وأكمل.. 
هيا إلى عبق القهوة.

أخبار متعلقة :