بوابة صوت بلادى بأمريكا

ياسر دومة يكتب : بين غبار أوكرانيا ( 7 ) .. مدافع الاقتصاد وخريطة العالم

 
بين ثنايا أخبار المعارك على أرض اوكرانيا . أخبار تقدم الروس من جهة والاعلانات الصامته عن ذلك وأهازيج الأفراح عن تقدم اوكرانى بظهير الناتو وهذا التقدم خجول فى جيوب ضيقة تستمر حالة الحرب على أرض الأوكرانيه ولكنها ليست حرب عناق الأسلحة وانفجارات وتمزيق للأحجار وتلطيخها بالدماء ولكن حرب شاملة على رقعة شطرنج ضيقة بين فريقين روسيا وخلفيتها عدة دول أبرزها الصين وعلى الجانب الآخر امريكا ومن خلفها الخط الاول انجلترا استراليا اليابان كندا وعدة دول أوروبيه
وترتسم ملامح آلام الحرب على خريطة العالم وعلى وجه أوروبا بتوقع شتاء قاسي قد يعصف بدول أوروبيه بتغيرات سياسيه داخليه نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة وازمة الغاز وارتفاع الفاتورة العامة للحياة واحساس بعدم الثقة فى الغد كيف ستكون حياتهم وهذا على شعوب استمرئت فترة طويلة حياة على مدرج الرفاهيه مما يصعب من تحمل انخفاض هذه الدرجات
وحتى لا تتوه معالم بداية المعركة أصرت أمريكا على ضم اوكرانيا لحلف الناتو بدفع الرئيس الممثل فى اوكرانيا بالقيام بدوره فى الطلب ماسحا اتفاقيات ضد انضمامه للناتو بل ليس هذا وفقط . من يتابع الأمر قبل المعركة يجد خبرين وقفت امامهم بتأمل الخبر الأول رفض امريكى لاوروبا بتفعيل خط الغاز الثانى الروسي لاوروبا الذى لا يمر باوكرانيا والخبر الثانى قبل المعارك بأيام قال بايدن سيدفع العالم كله الفاتورة أن أقدمت روسيا على التحرك عسكريا فى أوكرانيا اذن ما يعرف بالعقوبات الاقتصاديه على روسيا وتأثيرها فى ارتفاع الاسعار كان معد سلفا امريكيا  
وحتى نرى الصورة بأركان مختلفة نحاول نقسم الصورة الكليه إلى عدة صور 
أسلحة الأقتصاد
أمريكا تمتلك باحتكار سلاح الدولار تتلاعب به كيفما شاءت بل وتحرك هذا الخنجر قليلا لتدمى أقتصادات دول وخصوصا اقتصادات الدول الناشئة وذلك عندما ينطق ما يسمى الاحتياطى الفيدرالى برفع سعر الفائدة يسري سم ارتفاع الاسعار لكل فواتير الحياة لكل بلدان العالم خصوصا للدول الأضعف اقتصاديا وتتأرجح خططها بالتخفيض ويملئ صدور سكان تلك الدول الغضب والحنق على حكوماتها دون أن ترى السم الخفى الذى يتم تصديره عنوة لكل البنوك المركزيه فى العالم لأن ببساطة الدولار هو العملة والدوليه واحتياطى الدول ومخزن القيمة لحركة التجارة مما يرفع فاتورة الواردات لدول هى بالأساس مستورة وتعانى عجز بين الصادرات والواردات وهذا السلاح هو الملاذ الأول والأخير لدولة أمريكا التى فقدت هيبتها الأقتصاديه الانتاجيه بل وانحنت أمام التنين الأصفر الصينى التى أصبح اقتصاد الصين هو المصدر للعالم والدائن لموازين التجارة لكل بلاد العالم مجتمعة
وتأتى حقيقة الصين لتزيح اللثام لماذا امريكا تدفع دائرة الحرب يمينا وشمالا إلى الدوران وهنا نعود قليلا بقصة مخالب القطب الامريكى الذى انفرد بالعالم 
العملة فى العصر الحديث كانت معادن نفيسه ذهب أو فضة أو صكوك تحمل قيمة تلك المعادن لذا كنا نقرأ على نسخة الجنيه المصري فى بدايات القرن العشرون جملة ادفعوا لحامله جنيه واحد ذهب إذن كان الطبع لتلك الاوراق محدد بما تمتلكه من ذهب
ثم أتت الحرب العالمية الثانية وجمعت الغنائم امريكا وليس لأنها انتصرت على العالم بل لأنها دخلت الحرب متأخرا ولم تخسر مثل الدول التى دخلت مبكرا و تهاوت اقتصاديا ومن تلك الغنائم بل الغنية الكبري لأمريكا اتفاقية بريتون وودوز التى حددت ما يعرف كذبا بالمنظمات الدوليه البنك الدولى والصندوق وهى منظمات غربيه برئاسة امريكا و حددت عملة تداول العالم بالدولار والتزمت امريكا بإصدار الدولار بقاعدة الذهب ثم أتت فى حرب فيتنام وطبعت دون التزام بالدولار وهنا صرخ شارل ديجول مطالبا بمبادلة ما يمتلكه من دولار بقيمته من الذهب فكان الرد الأمريكى قاسي ساخر ولكن ماهو غطاء الدولار العملة التى لا تساوى شىء فى هذا اللحظة سوى بلطجة امريكا على رؤوس دول العالم فقام الأمريكى بربط الدولار بسلعة البترول وذلك فى نهاية السبعينات من القرن الماضي لذا كان اتفاق تبادل منافع مع السعوديه تقويم البترول مقابل الأمن وهذا ما يعرف باصطلاح البترودولار والذي يدرسه بعض أساتذة الاقتصاد فى بعض البلدان الأقل نموا  على أن المصطلح يعنى الفوائض بيع البترول بعد حرب أكتوبر وهذا فى سذاجة و تخلف يرسخ أكثر تسفيه عميق لعقول التلقيين  
 وظل الأمر على العالم بهذا السخف بل ازداد سوء بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانفرد حاوي الدجال برقاب الدول يفعل كيف يشاء فى مشهد عملة التداول والاحتياط لم يحدث فى التاريخ البشري ورقة مطبوعة قيمتها بلا قيمه تصبح فى ذاتها القيمة حتى صعود الصين و حرب أوكرانيا ويبدء المسرح العالمى الان بتغيير مخلب الدجال بداية بتبادل السلع  بالعملات المحليه و المنتظر قريبا صدور عملة دوليه مقومة بالذهب ليتم دفن لعبة الدجال وهو الدولار من ساحة التجارة العالمية
ومن الحقائق التى كشفت عنها حرب أوكرانيا ما أستطيع تسميته اصطلاحا - اقتصاد الكم و اقتصاد الكيف المؤثر -
أقتصاد الكم يمكن حسابه من الوهلة الأولى بأن نبحث عن الدول الأعلى دخلا أو الأعلى انتاجا وتصديرا وهنا تظهر القائمة التى تتصدرها الصين فى الانتاج وتتصدرها امريكا فى الكم فى حجم الاقتصاد الذى يحوى الاعيب وول ستريت وتضخم الارقام الغير حقيقي بالمضاربات والتى يقول عنها الخبراء الأمريكيون بالونات المال المنتفخة وهذا كله يمكن تتبعه بالأرقام ويتم فرز واعادة الفرز وتنقية القوائم لنعلم أى دول أقوى عضليا فى الاقتصاد التى تحتكر قمتها الصين 
أقتصاد الكيف أو المؤثر هو ماذا تقدم تلك الدولة وهذه من سلع أو خدمات تؤثر بغيابها فى ديمومة الاقتصاد العالمى كما هو واستقرار حركة الأقتصاد ونجد هنا حالة روسيا التى لابد من دراستها علميا بشكل متأنى هادئ بعيدا عن صخب الاتجاهات السياسيه والميول لنجد بالنظرة الأولى أن الغاز وموارد الطاقة ( غاز - بترول - فحم - يوارنيوم مخصب لانتاج الكهرباء - بعض المواد النادره ) أنها سلع شديدة التأثير فى الخلايا العصبيه لاقتصاد العالم ونرى اثره على وجه أوروبا الذى امتلئ تجاعيد الأسعار وانخفاض مستوى المعيشة والخوف من المستقبل القريب وعدم اليقين الشعبي بل والرسمى من توقعات الغد المنظور بارتفاع تكاليف الانتاج الصناعى الذى سيجبر مصانع على الغلق وارتفاع تكلفة الحياة للشعب الاوروبي مما حدا ببعض دول اوروبا بالانسلاخ والنأى بنفسها عن البا العالى فى واشنطن والاتفاق مع روسيا باستيراد الغاز بالطريقة التى توافق عليها روسيا ونرى فى هذه الحالة أن روسيا حجم اقتصادها متوسط لا يقارم بالصين والعمالقة الآخرون لكن تمتلك أعصاب عمل الاقتصادها بدونها تتوقف حركة الدوران تمسك بحركة نبض قلب الاقتصاد لذا اهمية اقتصادها لا تأتى من الحجم بل من الكيف 
ونرى أيضا حرب اقتصاديا ما نستطيع تسميته حرب الرقائق الألكترونيه بين الصين وامريكا والدولة الأهم فى انتاج تلك الرقائق الدقيقة التى تدخل فى صناعات مدنيه كالحواسيب والهواتف وصناعات عسكريه مثل طائرة الشبح الامريكيه هى تايوان لذا نرى هذا الموقف الامريكى الغريب من جهة تعترف بالصين الواحدة اى تعترف بتايوان كجزء من الصين وعلى الجانب الآخر أمنها القومى يدفعها لتصرح بمد تايوان بالسلاح بل والاعلى من ذلك بامكانية المواجهة العسكريه مع الصين ان احتاج الامر للدفاع عن تايوان وهى فى الحقيقة بالدفاع عن مصنع الرقائق التايوانى وممر التجاره ببحر الصين الذى يمر منه نسبة عظمى من تجارة العالم وهنا نرى حرب شرسه بارده تظهر تصاعدا باعتزام بايدن بسن قانون بعدم تصدير معدات للصين تساهم فى صناعة الرقائق الألكترونيه ومن قبلها اتفاق مع كوريا الجنوبيه لانشاء مصنع للرقائق فى امريكا لتظل تايوان الرقم الصعب بين نفوذ امريكا العظمى الوهنه انتاجيا والصين الصاعدة القوية اقتصاديا انتاجيا تكنولوجيا عسكريا 
وهناك بعض الملاحظات فى معركة اوكرانيا أن روسيا تظل تعانى من الفجوة التكنولوجيه الداخليه (( عسكري - مدنى )) أنها مذهله فى التقدم التقنى العسكري دون أن ينسحب هذا على القطاع بعكس أمريكا
وملمح آخر يبدو ارهاصات بنية عملة دوليه جديدة وطريقة دفع قيم التجارة تنمو على طلال استمرار المعركة لفك مخالب امريكا عن الاقتصاد العالمى وهذا النمو يعضده ضربات الفيدرالى الامريكى للدول أجمعها حتى الحليف اليورو الأوروبي الذي ينزف من سوط تلك الضربات
يبدو هدف امريكا هو صناعة حرب بايادى الآخرين دون أن تتدخل مباشرة بقدر الامكان لجرح الآخرون اقتصاديا ونزيفهم حتى تتهاوى قوى وتلتهم الجثث لاستعادة عافيتها التى التهمتها الصين كمن يشاهد فيلم امريكى لكائن اسطورى يقتات بحياة الآخرين 
يبدو أن العالم يتغير بوتيرة اسرع فى باطن معركة اوكرانيا ليهدأ رماد المعركة الدوليه لنرى اقطاب عالميه وليس قطب واحد وانزواء للدولار وصعود طريقة آخرى للتجارة الدوليه ولكن هل تستسلم امريكا للأمر أم تضطر للنزول للحلبة الصراع مباشرة بنفاذ خيوط الماريونيت وتغرق لاذنيها فى معارك تنتهى بها لنزيف أكبر والعالم أجمعه معها هذا سيناريو يخشاه الجميع لكن استبعد أن المقامر يفقد رشده ليخسر كل شئ .

أخبار متعلقة :