بوابة صوت بلادى بأمريكا

المحامية د/ ناديا يوسف تكتب : ظاهرة التنمر

 
 
 
لاتسخر من أعمى ولا تهـزأ من قزم، ولاتحتقر الرجل الأعرج، ولاتعبس فى وجوههم، فالرب هو خالقهم، وهو قدير يحيى ويميت 
بهذه الكلمات أحببت أن أتحدث عن موضوع على جانب كبير من الأهمية وهي ظاهرة التنمر والتي انتشرت في الآونة الأخيرة بطريقة تفوق الخيال لعل السبب سهولة إيصال المحتوى عبر تعدد وسائل التواصل الاجتماعي و صعوبة السيطرة عليها أو تقييدها أو فرض رقابة عليها
فما هو التنمر هو ببساطة حالة من العنف والتجبر يعيشها الشخص يرى نفسه فوق البشر جميعاً وتتعزز هذه الحالة لديه أكثر عندما يلتمس ضعف عند الشخص الآخر أو الرضوخ له 
من منا لم يتعرض لإيذاء جسدي أو نفسي أو عانى من سخرية أقرانه أو إسماعه كلمات تمسه بإنسانيته ووجوده حيث تعمل على تحطيمه من الداخل وهذا فيه من الخطورة الكبيرة لأنها تبقى مع الانسان حتى مماته وكثيرة هي القصص التي سمعنا بها عن حوادث انتحار أو جنون لدى البعض من الذين تعرضوا لهذعانوا من تعنيف الآخرين 
وعلى سبيل المثال لا الحصر قصة حدثت  عندما كنّا صغاراً في المرحلة الإعدادية جاءنا مدرس من لحظة دخوله الصف تعامل معنا بشيء من السخرية وأطلق علينا الكثير من التسميات لا لشيء إلا لمجرد التسلية فقط فأنا كنت واحدة من الذين عانوا من كلامه اللاذع بما أنني كنت بدينة في صغري أقل كلمة كان يقولها تشبهون شخصية  "نعمان " الكرتونية ...مما يجعل أصدقائي في الشعبة يضحكون أذكر في تلك اللحظة كرهت المدرسة والدراسة ليس فقط المادة وأيضاً رفيقي كان يتلعثم في نطقه ولَم يسلم هو منه والآخر الذي لونه أكثر سمرة من غيره كان يلقبه بكونت كنت أما من كان يختلف معه في نقطة معينة يعامله كالحشرة يقوم بتشريحيه ومن المخجل في الأمر أن المادة التي يدرسها تركز على الجانب الأخلاقي والاجتماعي اكثر من غيرها ولكن القصة لاتكمن بماذا درست أو تعلمت وأنما في ذات الشخص ومدى إيمانه بالطريقة التي يتعامل بها مع الغير والحالة الوجدانية التي يتصف بها 
ومن الملاحظ أنه درجت في هذه الفترة تسليط الضوء على شخصيات معينة في مواقف معينة أو حادثة أو حتى حياتهم الشخصية لا لهدف إلا تحقيق شهرة معينة لناشر المحتوى أو تحقيق مكاسب معينة أو ربما التلذذ بالانتقام حيث أصبح عمل من لا له غير مبالٍ  بالنتائج أو بمشاعر الغير التي قد تؤدي في بعض الأحيان إلى كوارث معينة والسبب الرئيسي الذي استوقفني للكتابة عن الموضوع هو مقاطع الفيديو التي تظهر لنا وبشكل آلي في حساباتنا فإذا كنت من محبي أو كارهي  شخصية معينة فأما أرفع بِه للسماء أو أنزل به إلى سابع أرض وهي حالة عشوائية تخضع بالدرجة الأولى لمزاج  الشخص .
ومنذ مدة وأنا أصادف مقطع عن تغير شكل الفنانين كيف كان بشبابهم وكيف أصبحوا بعد تقدمهم بالعمر وكأن الشيخوخة عيب أو حرام هذا ناهيك عن التعليقات التي تتنافى مع أي أخلاق وعقل و تمس الشخص ليس بذاته وأنما  في معتقداته  ونحن يا سبحان الله أكثر شعب يحب تكفير الأخر سواء كان الموضوع له علاقة بذلك أم لا ونلاحظ الآن الحملة التي تتعرض لها الفنانة ميرفت أمين عن تغير ملامحها وقبل منها مها المصري ومنى ذكي وعادل الأمام .... وحتى الشخصيات التي توفت لم تسلم منهم كالعظماء في العلم أو الفن أوالثقافة أوالرياضة ووووو ... كانوا أيضاً هدف لهؤلاء الشريحة من الناس الذين يتفننون في هذا المجال 
إن التنمر أو التجبر أو بمصطلح العامة خورفة الآخر لم يكن كمصطلح واضح المعالم أو التسمية أو الانتشار بشكل فاضح وعلني ولكنه كان موجود تحدث سواء في البيت أو الحي أوالمدرسة أو أي مكان وأكثر مكان هو بيئة مناسبة لتفشي ظاهرة التنمر هو المدرسة 
ولا أريد أن أخوض عن معنى كلمة التنمر لغوياً هنا أريد تسليط الضوء عن الأسباب المؤدية له وذكر بعض النتائج المؤدية له وبعض الطرق التي من الممكن التغلب فيها على التنمر 
أن هذه الظاهرة ليست بالجديدة فقد عانت منها المجتمعات البشرية كثيراً قديماً وحديثاً ورغم محاولة البعض محاربة هذا النوع من الأذية من خلال التعاليم التي جاءت في الكتب السماوية وغير السماوية والشرائع والقوانين القديمة والحديثة التي تحض على احترام الاخر وعدم التعدي عليه إلا أنهم لم يتمكنوا  من ذلك بل باتت زادت أكثر و بشكل يومي ولعل التربية الأساسية في البيت لها التأثير الأكبر في شخصية الطفل فعلاقة الوالدين ببعضهم وعلاقتهم بالأولاد وبالبيئة المحيطة هي الركيزة الأولى في بناء شخصيته فإذا كان يشوبها شيء من التسلط والتنمر سيتعلم الأولاد منهم ذلك لأنهم يمثلون لهم القدوة والمثل الأعلى والمرجع الأول لهم في كل شيء
والشق الثاني من تربية الأهل لأولادهم هم نظرتهم وطريقة تعاملهم مع الآخرين سواء بغض النظر عن الحالة الاجتماعية ونظرتهم للأشخاص الذين يعانون من  مرض أو إعاقة ما فإذا كانوا ينظرون إليهن بنظرة إنسانية سيمشون أولادهم على خطاهم وأن  كانت نظرة فوقية سيتعلمون منهم ذلك أيضاً 
ومن الأسباب المؤدية للتنمر هو حب السيطرة لدى الشخص ومحاولة تفوقة على أقرانه بأي شيء حتى ولو كان في الجانب السلبي و إيذاء الغير وقد يتعلم الطفل ذلك من أصدقائه في الحي أو المدرسة  
ويأتي التنمر أيضاً  من المشاكل النفسية والتي تتجمع عند الانسان نتيجة أسباب لها علاقة بالتربية والحياة التي يعيشها والتي تركت لديه رواسب معينة يحاول التخلص منها  عبر ترجمتها على أرض الواقع من خلال التنمر على غيره و هي محاولة لإثبات الذات وربما يلجأ البعض منهم إلى ذلك رغبة منهم في الانتقام من والديهم الذين كانوا يعاملونهم معاملة سيئة بأن يختلقوا المشاكل كي يتم التشهير به وبأهله ويصبحون حديث المجتمع
كما لا يختلف اثنان أن حالة الوحدة قد تخلق اكتئاب عند الشخص تحوله من إنسان هادىء إلى شخص عدواني يحطم ويشتم بل ويضرب لا لشيء إلا لمجرد لفت الانتباه بأنني أنا موجود .
ما هي الطرق التي تخفف من التنمر أو تحد منه لأنه من الصعوبة محاولة اجتثاثه من الجذور
أن الثقة بالنفس ومحبة الشخص لذاته ومحاولة التغلب على مخاوفه التي يعاني منها تجعله يتخطى هذه النواقص  وهنا يأتي دور الأسرة و الأشخاص المحيطة بِه من اساتذة وجيران وأقارب 
كما أن الظهور بمظهر الضعيف غير محبب فهي تؤدي تدريجياً إلا محو شخصية الانسان بل حتى تجعله أكثر خوفاً ولذلك يجب تعليم الشخص أن يدافع عن نفسه و وأن لا يقف موقف المتفرج فقط 
والنقطة التي يجب التاكيد عليها هي ضرورة 
الابتعاد عن هؤلاء الأشخاص لحماية النفس من هذه الأذية التي قد تولد مشاكل كبيرة من الممكن أن تؤدي في بعض الأحيان إلى كره النفس والمكان الذي يرتادونه
ان أكبر علاج للتنمر هو البحث عمن يشبهونا في سلوكنا وتصرفاتنا والرفقة الحسنة التي تخلق عندنا استقرار و رضا عن الذات والظهور بمظهر الهدوء وضبط النفس وعدم السماح للمتنمر النجاح في مبتغاه  لأن غايته الأساسية هي الاستفزاز وجعل الشخص الآخر يفقد السيطرة على ذاته ويصبح أكثر هشاشة  
أن النجاح والتميز في حياتنا العملية يجعلنا نتخلص من التنمر الذي نتعرض له وتخطي العيوب  التي فينا وتحويل نقاط الضعف إلى نقاط قوة وانطلاقة جديدة 
 أما ما نشهده الآن من تنمر على مواقع التواصل الاجتماعي فهدفه أولاً وأخيراً البحث عن الشهرة واثبات الذات حتى ولو أدى إلى كوارث بشرية ولعل سهولة الحصول على المعلومة ونشرها يسهمان  بشكل كبير في ذلك لأنه كما هو معلوم أن هذه الشركات العملاقة هدفها الاول الربح المادي فكلما زاد عدد المشاهدات تتحقق الشهرة والكسب المادي والمعنوي 
كما أن للإعلام دور كبير في انتشار ظاهرة التنمر من خلال التركيز على الأمور السلبية  وعدم التركيز على الجانب الاخلاقي والروحي حيث يعمل انتشار الفضائح والمشاكل . 
ان التكنولوجية سيف ذو حدين تقدم الفائدة والخير  من جهة ومن الجهة الأخرى تقدم الضرر لا يخضع مقياس 
ولا يمكن إغفال الدور السلبي للألعاب الالكترونية التي تركز على العنف والحالة العدوانية وخلق حرب وهمية في هذه الألعاب لا لشيء إلا مجرد التسلية فهي تعزز حالك العنف وتحول شخصية الطفل شخصية فيها نًع من الاضطراب 
ومن خلال كل ما تقدم نعود للنقطة الاساسية وهي أن التربية هي الأساس في كل شيء لانه لا يمكننا أن نوقف عجلة التطور بحجة الضرر  الذي يمكن أن يحدث 
لكل شيء جانبان واحد مشرق والثاني مظلم فلنحاول تغليب الجانب المضيء فقط ودفن الجانب الذي يسبب الآلام وفِي الختام لابد من القول أن  الجو الأسري الصحيح والتنشئة الجيدة والحياة الاقتصادية السليمة والاستقرار المعاشي تنشىء شباب أصحاء

أخبار متعلقة :