بوابة صوت بلادى بأمريكا

منال عطا الله تكتب عن: الأمومة

أحتفلت الأمه المصريه والعربيه هذا الشهر بعيد الأم العظيم .. فالأم هى النموذج البشرى السامى للحنان والعطف والبذل المتفان، والام كما نعرف تتحمل مسئولية الأسرة داخل المنزل وخارجه ولا سيما تجاه الابناء، وعنايتها باسرتها ككل لاتتوقف عن العنايه بالامور المنزليه تلك التى تتصل بمتطلبات الحياه اليومية بل تتسع وتمتد الى الاهتمام بمشاعرهم وتتابع صداقتهم وعلاقاتهم الخارجيه، كما تتابع موقفهم العلمى وتقدمهم الدراسى وبنيانهم الروحى والدينى، ولكى يتحقق كل هذا لابد ان تكون الام ناجحه روحياً ونفسياً. ويمكن القول إنه لكى تكون الام ناجحة لابد أن تتسم شخصيتها ببعض السمات:

1-  لابد ان تكون فاهمة للحقائق اولاً

 2- لديها أتزان وجدانى كاتم للأسرار

 3- الا تكون عصبية مسيطرة على أولادها

ويسعدنى اليوم ان اتحدث اليك عزيزى القارئ عن هذه الحقائق.

اولاً الأم لابد ان تكون فاهمة للحقائق:

اول الاشياء هى انه لابد للأم ان تفهم طبيعة مرحلة النمو التى يعيشها ابنائها.. وان تضيف الى هذا الفهم خبراتها وفلسفتها التربوية التى لاغنى عنها، كما يجب ان تفهم انها لاتربى أبنائها لكى تحتفظ بهم فى حضنها بل انها تعدهم للحياه حتى يصبحوا اعضاء نافعين لمجتمعهم، كما يجب ان تفهم جيداً انها لاتربى الأطفال لنفسها بل تربيهم لكى تساعدهم على النمو حتى ينهجوا طريقهم فى الحياة حسب ميولهم واستعدادتهم الشخصية ويجب على الام ان تفهم ان النمو معناه الزيادة فى الاستغلال والنقص فى الاعتماد على الكبار وبخاصة الام.

فمثلاً: الام هاله تعلم طفلتها من 9 سنوات كيف ترتب حجرتها كيف تنسق دولاب ملابسها حتى عندما تكبر وتصل الى الثالثة مثلاً تكون قد اعتمدت كلياً على نفسها وليس على والدتها هاله.وهذا هو المقصود بالمساعدة على النمو. وليس معنى ذلك ان تجعل مرحلة الطفوله هى مرحله الاعتماد الكلى على الام، وان مرحله المراهقه هى مرحلة الاستقلال عنها والأبتعاد عن نطاق سيادتها، بل معناه هنا أن النمو فى تدرجه يلازمه نمو القدرة على الاستقلال، وحيث ان مرحلة المراهقة تتسم بتدفق النمو، لذا فإنها أيضاً مرحلة تدفق الاستقلال عن الأم.

 

ثانياً الاتزان الوجدانى:

مامعنى الاتزان الوجدانى؟.. الاتزان الوجدانى هو الهدوء النفسى وعدم التهور بالهياج او بالثورة لاسباب لاتستدعى الهياج او الثورة، لذا فالاتزان الوجدانى من اكثر الاشياء اهمية بالنسبة للتكوين النفسى للأم.

واذا تحدثنا عن الهياج النفسى فاقصد به هو النرفزة والغضب الدائم مابين الام والاب ومابين الاباء والابناء، وقد جاء فى نتائج دراسات علم النفس ان كثيراً من الامراض النفسيه التى تظهر فى ايام المراهقة والشباب انما ترجع فى كثير من الحالات الى الصراع الذى نشأ لدى المراهق بسبب مايراه من تناقض وجدانى فى علاقة الام بالاب. فينما تبدى الام الحب الشديد للأب نرى الاب يتسم شعوره بخلاف ذلك. وهنا تعوزنى قصة لفتاة جميلة اسمها ليلى. تربت ليلى فى اسرة كلها تناقضات ومشاكل دائمه مابين والديها. وكانت ترى دائماً والدتها فى موقف الظلم، والدتها تحاول تهدئة الجو ولكن بلافائدة... وعاشت طوال فترة طفولتها ممزقة مابين امها وابيها تحاول ان تصلح بينهما على قدر استعدادتها ولكن كل محاولاتها تبوء بالفشل. واحيانا كثيرا تصل التشاجرات بين الام والاب الى حد اللجوء الى احد الاقرباء او المتخصصيين دينياً لحل تلك النزاعات، وهكذا أستمرت تلك النزاعات الى أن وصلت حاله الأم الى طريق مسدود وطلبت الأنفصال عن الأب.

فى هذه الاثناء كانت ليلى تنمو جسدياً ولكن فى نفس الوقت تنمو تعقيداً، وتخيلت ان الحياة الزوجية هى ذلك المنوال التعيس من الحقد والكراهيه والشجار. وترسب فى اعماقها ذلك المفهوم الهدام، وبدأت مرحله المراهقة وبدأت ليلى تكره كل انواع الارتباطات مع الجنس الاخر حتى مجرد الزماله البحته ودأبت فى الانغلاق داخل محيط عالمها المراهق الصغير الملئ بالافكار والهواجس التى دمرت حياتها فى المستقبل، وتمر الايام وتستمر المشاكل بين والدى ليلى... وتكبر ليلى حتى تنهى دراستها الجامعيه التى انهتها على مضض، بعد ذلك تصل ليلى الى سن الزواج ويتأخر ارتباطها مع انها فتاة رائعة الجمال وتكتشف الام ان ليلى ترفض ورفضت الكثيرين ممن يرغبن فى الزواج منها- وتحاول الام مع ليلى تارة بالاقناع وتارة بالنصح ولكن هيهات لقد وصلت ليلى الى طريق مسدود وهنا يفوق الام والاب على ذلك العمل الاجرامى الذى هدم نفسية وحياة ليلى واخيراً تلجأ ليلى ووالديها الى الطب النفسى.. وهاهى حتى الان تتأرجح مابين عقيدتها الدفينه ومابين محاولات الطب التى كان والديها فى غنى عنها اذا ادركا ذلك من البداية.

هذه القصة قد تحدث فى بيوتنا مع اختلاف التفاصيل والاحداث فالمشاكل والشجارات التى تحدث بين الزوجين حتى ولو كانت ضعيفة او لاسباب نجدها واضحه وضوح الشمس أما الابناء، حتى ولو حاولوا اخفائها. ان علم النفس يقول ان الابناء وخاصة فى مرحلة مابين الطفولة والمراهقة يكونوا فى حالة شفافية مرهفة يدركون بأحساسهم مدى العلاقة مابين الام والاب وذلك بمجرد تطلعهم الى وجه ابائهم.

لذا ايها الاباء لاتحاولوا ان تكونوا اذكياء قائلين ان اولادنا لايشعرون بهذا الوجه العابس.. ان ابنائنا اذكى بكثير من ذلك فلا داعى للعقد النفسيه التى نبثها بأيدينا لأبنائنا.

ومن هنا نجد ان من الحقائق الاساسية والتى يجب الا تغرب عن بال الجميع ان الاسرة كيان عضوى يتأثر بعضه ببعض والأولاد والبنات لايحيون فى نطاق الأسرة بأجسادهم وحدها بل أنهم يحيون أولاً وقبل كل شئ بوجدانهم وبمالديهم من قدرة على أستشفاف كل مايدور بخلد الوالدين، كما أنهم قادرون على الوقوف على نوعية العلاقة بين الام والاب، وهم ايضاً يدركون بحسهم الفطرى ماتكن الام للأب من عواطف والعكس صحيح لذا لاتتخيلى عزيزتى الام او عزيزى الاب ان ابنك او ابنتك غير مدركين لاى عواطف او مشاكل حادثه بينكما حتى ولو أحيطت هذه المشاعر او المشاكل بسياج خارجى.

 

ثالثا: الأم العصبية:  

ايضاً يتأثر سلوك الابناء بسلوك الام وعصبيتها، خاصة اذا كانت تثور لأتفه الاسباب، بحيث تكون دائمة الشجار مع الاب ومع من يحيطون بها فى نطاق الاسره، والواقع ان الام التى من هذه النوعيه لاتسمح لابنائها وبناتها بالاحساس بالطمأنينة وكل مرة يحدث فيها خلاف بين الام العصبية والاب، فإن الابناء يتوقعون تقويض دائم الاسرة وانهيارها ومايتبع ذلك من تشرد وتفكك اوصال البيت.

وطبيعى انه اذا كان هناك اولاداً وبناتاً هذا شأنهم بحيث انهم اعتادوا مشاهدة مثل هذا الشجار منذ نعومة اظافرهم بالطبع ستصبح حياتهم مصطبغة بالتشاؤم والكراهية.

ايضاً الام العصبية تجعل ابنائها يتخذون منها موقفاً خاصاً فى فترة المراهقة وهذا مالم تكن تتوقعه، فلقد كانت اما مستبدة شديدة الرأى فى مرحلة الطفولة.. وهاهى الان تجد ابنائها فى حالة امتعاض من معاملتها الهائجة هذه، وهنا تشعر الام العصبية بإنها فقدت سلطتها على ابنائها الذين أعتادت على اخضاعهم لها بمجرد صيحة غضب تدوى فى ارجاء المنزل.

وعصبية الام تنعكس على شخصيات ابنائها، فمن المعروف علمياً ان عصبية الام ومدى تأثيرها على ابنائها اقوى واشد عمق من عصبية الاب. لان الاب مهما كانت عصبيته متطرفة فإن مدة التصاقه باطفاله يكون أقصر من مدة التصاقه الاطفال بأمهم.

وعموماً اثبتت الدراسات ان نسبة الانحرافات النفسية الناجمة عن عصبية الام تظهر فى الغالب فى فترة المراهقة والشباب ولاتكاد تظهر فى الطفولة، حيث ان تلك العصبية والتوترات المستمرة تتراكم وتتواكب وتتفاعل أثارها بعضها مع بعض خلال الطفولة لكى تثمر ثمارها الرديئة فى المراهقة وليس قبلها.

هذا الى جانب ان هناك عوامل مساعدة تعمل على ظهور الامراض النفسية فى فترة المراهقة نتيجة عصبية الام، ايضاً من المعروف ان المراهق او المراهقة مرهفا الحس شديدا التأثر بما حولهما وبما يتخيلانه، وقد تنضم الظروف الواقعية المحيطة بالمراهق او المراهقة الى الاوهام العقلية التى تعمل عملها فى عقليهما بحيث تحتدم ثورة هائلة فى اعماقهما، ويجد كل ذلك مايحفزهما ويهيجهما بسبب ماتبديه الام من عصبية وهياج وبما تحدثه فى البيت من توتر وعدم استقرار.

هذا ويلاحظ ان هناك بعض السمات التى يتسم بها أبناء وبنات الام العصبية منها..

1-  الانهزاميه المرتسمه على محياهم.. حيث ملامح عدم الثقة بالنفس وعدم الثقة بالاخرين.

2-  القلق والخوف.. حيث ملامح الخوف والقلق من المجهول وترقب المفاجأت المخيفة والخوف من المستقبل.

وعلى عكس ذلك نجد ان الام الغير عصبية تتمتع بأتزان وجداني، كما نجد أبنائها لديهم قدراً وفيراً من الثقة بالنفس نجدهم متفتحين للحياة.. احساسهم بالطمأنينة والابتسام للحياة تجاه حاضرهم ومستقلبهم يفوق الوصف.

نجدهم ناجحين ومتمنيين الناجح للجميع.    

 

أخبار متعلقة :