بوابة صوت بلادى بأمريكا

مدحت سيف يكتب: دروس حياتية من التنمية البشرية (74- المعلم الإنسان)

 

 قصة جميلة منقولة من الأستاذ جرجس وجيه، وهى قصة حقيقية لأحد المعلمين بمنطقه ريفى المناقل، فى السودان، كان يُدَرِّس فى مدرس للبنات فى الصف الثالث الابتدائي، وفي كل يوم كان يرى خارج الفصل بجانب الشباك بنت مسكينة وجميله تكسوها البراءة وتبيع اللقيمات (الزلابية السودانية) لأُمِّها فى الصباح، وقد بلغت سن المدرسة لكنها لم تدخلها بسبب الوضع المادى لأسرتها، فلديها أربعة اخوه صغار ووالدهم متوفى وهي تسهم مع امها فى مصاريف معيشتهم ببيع اللقيمات (الزلابية السودانية) عند المدرسة، فساعدت إخوتها بأن يدخلوا المدرسة ويكملوا تعليمهم.

 

كان الاستاذ يشرح للطالبات درساً في الرياضيات وبائعة اللقيمات تتابعه من شباك الفصل وهي بالخارج، ثم سأل الأستاذ الطالبات سؤالاً صعباً وخصص له جائزة، ولم تجيبه أية طالبة، وتفاجأ ببائعة اللقيمات تؤشر باصبعها من خارج الشباك وتصرخ: استاذ استاذ استاذ، فأذن لها المدرس بالإجابة .. وأجابت وكانت اجابتها صحيحة ...

 

منذ ذلك اليوم راهن عليها الأستاذ، فتكفل برعايتها وبكل ما يلزمها من مصروفات مدرسية على نفقته ومن مرتبه، واتفق مع مدير المدرسة على ان يتم تسجيلها كطالبة بالمدرسة وتشارك بالإختبارات دون دخول الفصل لعدم قدرتها على تحمل مصاريف المدرسة ، وأن يجعلها تبدأ من الصف الثالث كمستمعه لتتعلم ولو الشيء البسيط من التعليم، واتفق مع جميع مدرسي المواد الاخرى على أن تظل الفتاة تسمتع من الشباك إلى كل الحصص وهي خارج الفصل، فاجمعوا على الموافقة على مغامرته واخبر هو والدتها بذلك، وفرض المدرس على الفتاة أن تترك بيع اللقيمات وتتفرغ للتعليم ويتولى احد اخوتها البيع بدلاً منها ،

وكانت المفاجأة عندما ظهرت نتائج الإختبارات، فقد كانت هي الاولى على المدرسة ، وسارت على هذا النهج برعاية الأستاذ وإشرافه اليومي عليها الى ان اوصلها إلى صف الأول متوسط.

 

وهنا غادر الاستاذ السودان للعمل بالخارج، ولم يكن هناك تلفونات فى ذلك الوقت لكي يواصل متابعة أخبارها، وقد كبر احد اخوتها وعمل بعربه كارو لبيع الماء وبقى يصرف عليها، وانقطعت صلتها بالأستاذ لمدة اثنى عشر عاما ،

 

وبعد غياب إثنا عشر عاماً عاد الأستاذ إلى السودان، وكان لديه زميل بالدولة التي كان يعمل فيها، وزميله هذا لديه ابن بجامعة الخرطوم كلية الطب، وطلب زميله منه ان يرافقه للجامعه، واثناء دخوله الجامعه مع صديقه مكث بعض الوقت فى الكافتيريا، فاذا بفتاة على قدر من الجمال تحدق فيه بشوق وقد تغيرت معالم وجهها عندما رأته، وهو لم يعلم لماذا تحدق فيه بهذا التأثر؟ فسأل ابن صاحبه إن كان يعرف هذه الفتاة وأشار إليها خفية، فأجابه: نعم بالطبع إنها بروفيسور تُدَرِّس طلاب كلية الطب ... ثم سأل الطالب الأستاذ: هو انت بتعرفها يا عمى؟ قال: لا ولكن نظراتها لي غريبة ،

وفجأة وبدون مقدمات جرت الفتاة نحوه واحتضنته وعانقته وهي تبكى بحرقة بصوت لفت أنظار كل من كان بالكافتيريا، وظلت تحضنه لفترة من الزمن دون مراعاة لأي اعتبار، وظن الجميع أنه والدها، وأجهشت بالبكاء حتى أغمي عليها ... وتم اسعافها ... وبعد فترة صحت من نوبة الإغماء وتمالكت اعصابها ونظرت إليه وقالت له: ألا تذكرني يا أستاذي ؟ انا البنت اللي كانت حطام إنسانه وحضرتك صنعت منها إنسانه ناجحه ، أنا البنت اللي حضرتك كنت السبب في دخولها المدرسة وصرفت عليها من مالك الخاص حتى وصلت إلى ما وصلت اليه وذلك بفضل الله ثم رعايتك واهتمامك وموقفك الإنساني الفريد، انا ابنتك فلانة (بائعة اللقيمات) ...

ودعته واللذين معه ومجموعة من الزملاء الى منزلها واخبرت امها واخوتها بالأستاذ الإنسان الذي وقف معهم وكان سببا في تغيير مجرى حياتهم ،

واحتفلت به الاسرة احتفالاً كبيراً وكانت مناسبة فرح كبيرة، وألقى الأستاذ كلمة قال فيها :

لأول مرة أحس اني معلم وإنسان.

الشخص الذي يعرف كيف يقدم المعروف وكيف يتقبله يكون دائماً صديقاً أفضل من ثروات الدنيا كلها.

وكما قال أرسطو: الرجل المثالي يشعر بالمتعة في إسداء المعروف للآخرين.

 

نعم، ففعل الخير سرٌ من أسرار العطاء دون مقابل بأشكاله العديدة، سواءً من خلال ابتسامةٍ أو مساعدةٍ بسيطة أو مدّ يد العون لمن يحتاج هو سلوكٌ أقرب إلى النفس البشرية، لأن فعل الخير يغمر نفس الفاعل بالسعادة والرضا بنفس القدر الذي يسرّ متلقي هذا الفعل. فمبادرة الإنسان بالمعروف ورقيّ خلقه ونفعِه الآخرين يمكن أن تكون سبباً لسلامته النفسية والبدنية، بل يمكن أن تستدعي البَركة في عمره.

 

إن لعمل الخير أثراً معدياً يصل إلى الآخرين فيلهمهم فعل الخير بدورهم، لأنّ رؤية أحد الناس مِقدامًا على فعل الخير، ينمّي لدى الآخرين – في الغالب – مشاعر تدفعهم إلى إتيان أفعال خيّرة، وهكذا فإن فعلنا للخير يمكن أن يجعل من العالم مكاناً أفضل وأكثر ملاءمةً للعيش فيه.

 

خلاصة القول، عمل الخير سعادةٌ لا يضاهيها شيء، يعود بنفعه على فاعله ويتجاوز ذلك إلى متلقّيه، وهو عادةٌ يمكن تطويرها في أيّ مكانٍ وزمان. ومهما كلّف هذا العمل من جهدٍ وطاقة ومال، فإن التكلفة تُعدّ شيئاً زهيداً لا يُذكر ولا يُقارن مع حجم السعادة والرضا والراحة النفسية التي يشعر بها أثناء أدائه، شعورٌ قد يدومُ لأشهرٍ، إن لم نقل لسنوات.

شكراً لهذا المعلم الانسان.

وشكراً للاستاذ جرجس وجيه (شبرا) 

 واسمح لى عزيزى القارئ أن أتذكر بعض القيم، والنقاط الحياتية التى توصلنا لها من خلال الثلاث والسبعين قصة السابقة ومنها:

50. مساعدة الآخرين تكون بطريقة صحيحة، وللشخص المناسب، وإلا ستكون النتيجة هى أن من يقوم بمساعدة الآخرين، قد يضر نفسه ويضر الآخرين معه.

51. اختار من تحيط نفسك بهم بعناية شديدة، فهذا سيصنع فارقاً كبيراً جداً فى حياتك

52. إن لم تكن تستطيع الطيران فاجرى وإن لم تكن تستطيع الجرى فامشى وإن لم تكن تستطيع المشى فازحف .. أيا ما كنت فاعلاً عليك الإستمرار بالتحرك نحو الأمام.

53 · جميل أن من نستشيرهم يكونون من أصحاب الكفاءة والخبرة وليس من أصحاب الثقة فقط

54.عندما يكون لديك رؤية واضحة ستتقدم، حتى وإن كانت الامور فى بدايتها غير ملائمة.

55.  ليس معنى التجاهل هو ترك الحق، فإن تعرضت للتعامل بطريقة لا تليق، فاتخذ موقفاً إيجابياً بأن تدافع عن نفسك بكل قوة وحزم، لكن بموضوعية تامة.

56.لا تدع لسانك يشارك عينيك عند انتقاد عيوب الآخرين، متذكراً انهم مثلك لهم عيون وألسن!

57.ليس هناك مستقبل في أي وظيفة، انما المستقبل في الشخص الذي يشغل هذه الوظيفة.

58.النقد الحاد من شخص واحد ذكي أفضل من التأييد الأعمى للجماهير.

59- إن لم تكن أنت جزء من الحل فأنت جزء من المشكلة.

60-العقل الواعي هو القادر على احترام الفكرة حتى ولو لم يؤمن بها.

61- بعض الأشخاص طبعهم البشوش غلب ما يحدث حولهم من مشكلات وعثرات فى الحياة. 

62- كن نفسك وعش واقعك، وهذه هى الخطوة الأولى لتتمكن من تحقيق ذاتك.

63- التراخي فى العمل قد يضيع عليكم فرصا كبيرة.

64- إقرأ كثيرا فيما يتعلق بمهنتك أو مهارتك..

65- غالبا ما تكون النصيحة التي لا تحب سماعها، هي في الغالب اكثر نصيحة أنت فى إحتياج إليها.

66- إن لم تستطع أن تبنى، فلا تهدم.

67- لا تجعل خجلك يحرمك من متعـة مساعدة الآخريـن، وعندما تقرر المساعدة لا تفكر

68- لن يمنحك أحد السعادة التى ترجوها مالم تسعى أنت لتحقيقها، فالسعادة نابعة منك أولاً قبل أن تكون من أى شئ أو أي أحد آخر.

69- نحن فى إحتياج إلى حكمة عميقة لنميز بين صغائر الأُمور الى تحتاج إلى إهتمام وتلك التى علينا ألا نهتم بها.

70- استثمر الآن إمكانياتك وقدراتك ولا تتوقف. وإن أردت أن تتوقف، فتوقف عن إختلاق الأعذار.

71- لا تملكك قناعة التلون مع الناس ولا تقبل أن يدفعك الناس لتكون شخص آخر غير شخصك.

72- إرمِ خبزك على وجه المياه، فإنك تجده بعد أيام كثيرة.

73- من فضلك عندما تنوى ان تفعل شيئا تريده، تقدم وخذ خطوة إيجابية للأمام، ولن تبقى الحياة كما كانت أبداً،

 

تاركين لك عزيزى القارئ، ولتأملاتك الشخصية، ولثرائك الفكرى، وخبرتك الخاصة، استنتاج العديد من الدروس المثمرة من كل قصة بل وإضافة الكثير إليها، ليصبح لكل قصة، على حدة، معنى عام، ومعانى خاصة تتوقف على مدى ثقافة القارئ العزيز... 

     ولدروسنا من التنمية البشرية بقية...

 

أخبار متعلقة :