سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 12 أغسطس 1896.. تشغيل أول ترام كهربائى فى القاهرة من القلعة إلى بولاق بحضور كبار رجال الدولة.. والجماهير على جانبى الطريق تهتف: «العفريت..العفريت»

سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 12 أغسطس 1896.. تشغيل أول ترام كهربائى فى القاهرة من القلعة إلى بولاق بحضور كبار رجال الدولة.. والجماهير على جانبى الطريق تهتف: «العفريت..العفريت»
سعيد الشحات يكتب.. ذات يوم 12 أغسطس 1896.. تشغيل أول ترام كهربائى فى القاهرة من القلعة إلى بولاق بحضور كبار رجال الدولة.. والجماهير على جانبى الطريق تهتف: «العفريت..العفريت»

تزين ميدان العتبة بالقاهرة بالأضواء الباهرة، احتفالا بتسيير أول قطار ترام كهربائى يوم 12 أغسطس، مثل هذا اليوم، عام 1896.. كان الحدث تاريخيا وثورة حضارية هائلة، و«حدا فاصلا فى تاريخ المجتمع القاهرى، إذ انتقل فيه من طور البداوة والتأخر الذى يتمثل فى استخدام الحمير والخيل وسيلة للانتقال، إلى طور الحضارة والمدنية الذى يتمثل فى استخدام القوة الكهربائية»، بوصف محمد سيد الكيلانى فى كتابه «ترام القاهرة».

 

كان المشهد مدهشا للجميع.. ينقل «الكيلاني» وصف جريدة «المقطم» فى عددها 13 أغسطس 1896: «شهد أهل العاصمة أمس مشهدا قلما شهد مثله أهالى المشرق، ولم يخطر على قلب بشر منذ مائة عام وهو أن تجرى مركبات كبيرة تقل المئات من الناس لا بقوة الخيل، ولا بقوة البخار، بل بالقوة الطبيعية التى تسبب البرق والرعود، بقوة تتولد على شواطئ النيل من احتراق الفحم وإدارة الحديد أمام المغناطيس، ثم تجرى على أسلاك منصوبة فى الهواء، والقضبان ممدودة فى الأرض فتدير عجلات المركبات وتجرى على ما يراد من السرعة».

تضيف «المقطم»: «هذا هو الترامواى الكهربائى الذى احتفل أمس بتسييره فى العاصمة من بولاق إلى القلعة احتفالا باهرا، فما أزفت الساعة الرابعة من بعد الظهر حتى غصت ساحة العتبة الخضراء بالمدعوين من الأمراء والعظماء وكبار الموظفين والأعيان، وفى مقدمتهم النظار ومحافظ العاصمة، وقناصل الدول ورجال القضاء، وكان المسيو «لاهو» مدير شركة «الترامواى» يرحب بالوافدين، ومركبات الترامواى واقفة صفوفا فى تلك الساعة، ثم سارت تباعا إلى القلعة بين جماهير المتفرجين الذين انتشروا على جانبى الطريق وهم يهتفون سرورا، ثم عادت بمن فيها من القلعة إلى مقر الشركة فى بولاق، وكان قد أقيم سرادق مدت فيه الموائد وقدمت المرطبات وكل مالذ وطاب.. وكانت أجرة الركوب ستة مليمات للدرجة الأولى، وأربعة للثانية، وعينت الشركة أربعمائة عامل مصرى».

 

جاء حدث 12 أغسطس 1896 بعد إعلان الحكومة عن رغبتها فى أن تقوم شركة بمد خطوط للترام فى العاصمة، ويذكر «الكيلاني» أنه فى نوفمبر سنة 1894 صادق مجلس النظار على منح امتياز بإنشاء سكة ترامواى تسير بالكهربائية فى العاصمة لشركة بلجيكية، وتقرر أن يكون الامتياز بثمانية خطوط، تبدأ كلها من ميدان العتبة الخضراء، فالأول يتجه إلى القلعة والثانى إلى بولاق، والثالث إلى باب اللوق فالناصرية، والرابع إلى العباسية عن طريق الفجالة، والخامس إلى مصر القديمة، والسادس من فم الخليج إلى الروضة، ثم ينتقل الركاب بزورق بخارى إلى الشاطئ الآخر ليستقلوا قطارا إلى الجيزة وهذا هو الخط السابع، والثامن يبدأ من ميدان قصر النيل، ويسير موازيا للترعة الإسماعيلية إلى قنطرة الليمون.

 

شيدت الشركة أول خط، وفى أول أغسطس 1896 أجرت حفلة تجريبية له، وتذكر «المقطم» وصفها للحفلة قائلة: «فى الساعة العاشرة من صباح اليوم المذكور ركب حسين فخرى باشا ناظر الأشغال إذ ذاك، ومعه كبار موظفى النظارة قطارا أقلهم من بولاق مارا بميدان العتبة إلى القلعة، وقد اصطف الناس على الجانبين ألوفا وعشرات الألوف ليشاهدوا أول مركبة سارت فى العاصمة بقوة الكهرباء والأولاد يركضون وراءها مئات وهم يصرخون: العفريت، العفريت»

 

تصف «المقطم» حالة المركبة أثناء سيرها، قائلة: «كانت المركبة تسرع حتى تسابق الرياح متى خلت لها الطريق، وتارة تسير رويدا رويدا أو تقف بغتة عند اعتراض الأولاد والسابلة فى طريقها، وقد وقف سائقها ووضع يده على ميزان تسييرها وإيقافها، ويصل بينها وبين السلك فوقها عمود من الحديد لإتمام الدورة الكهربائية».

 

واصلت شركة «ترامواى» تنفيذ باقى الخطوط وكانت حسب «المقطم»: «فى 1897 ردمت شركة الخليج المصرى ومدت خطا من السيدة زينب إلى غمرة، وفى صيف 1897 حصلت الشركة على امتياز بخط من الجيزة إلى الهرم، كما حصلت فى شتاء 1902 على امتياز بخط من باب الحديد مارا على كوبرى شبرا فشارع شبرا، ثم يتفرع منه خط إلى ساحل روض الفرج، وتم هذا الخط فى 19 مايو 1903، وفى 1908 سيرت قطاراتها من العتبة إلى الجيزة رأسا عن طريق كوبرى الملك الصالح وكوبرى عباس بعد أن تم إنشاؤهما، وفى 1912 احتفلت بتسيير قطاراتها إلى الجيزة عن طريق الزمالك بعد الانتهاء من تشييد كوبرى «أبو العلا» وكوبرى الزمالك، وفى 1913 مدت خط القلعة إلى الإمام الشافعى، وخط أبو العلا إلى المبيضة بروض الفرج.. هكذا بدأت «ثورة الترام» فى القاهرة، فلماذا كانت ثورة؟


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع