90 عاما فى حب وسط البلد.. رحيل ألبير أريه أقدم يهودى فى مصر.. عشق القاهرة ورفض الهجرة لإسرائيل وعاصر الوباءين "الكوليرا وكورونا".. شارك بالكفاح الشعبى للاستقلال عن بريطانيا.. وهذا رأيه فى جمال عبد الناصر

رحل ألبير أريه أقدم يهودي في مصر، والذى جسد رمزا للتعايش بين الأديان على أرض مصر.. عشق وسط القاهرة ورفض الهجرة لإسرائيل وكان مثقفا يساريا مرموقا منتميا إلى تيار الحركة الوطنية المصرية، في وقت كان هناك تياران متعارضان من يهود مصر: تيار وطني آثر البقاء والاندماج والتعايش ، وآخر فضل الانتماء إلى قوميته، فمنهم من هاجر إلى أوروبا وامريكا وحتى إسرائيل، لكن من تبقى فى مصر أصبح شاهدا على التعايش في المجتمع المصري بتركيبته وعراقته وتسامحه.

البير33
البير اريه 

 

ولد ألبير أريه في شارع الفلكي بوسط القاهرة فى (25 يونيه 1930) ولد لأب تركي جاء مع شقيقه إلى مصر مطلع القرن العشرين ليعمل محاسبا بمحل تجاري بالموسكي، أما والدته فكانت ابنة عامل روسي حل بمصر نهاية القرن التاسع عشر، ولم يعرف ألبير غير القاهرة وطنا.

وكان ألبير يحكي أنه وعائلته لم يكونوا من المتدينين اليهود، فلم يدخل المعبد اليهودي بشارع عدلي بوسط القاهرة إلا بعد تجديده عام 2010.

نشط  ألبير أريه في الحركة الشيوعية المصرية منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وسُجن عام 1953 لمدة 11 عاما.

ألبير اريه فى حارة اليهود مع عدد من يهود مصر
ألبير اريه فى حارة اليهود مع عدد من يهود مصر

 

وكان ألبير يرى أن الزعيم الراحل جمال عبدالناصر له إيجابيات كبيرة بنقل مصر إلى مرحلة الاستقلال الوطني.  

ورغم أنه تجاوز 90 عاما من العمر إلا أنه قبل رحيله بأيام شارك في تقرير وثائقى لإذاعة صوت ألمانيا عن يهود مصر،  كما كان يواظب على الكتابة اليومية والتفاعل عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك وتدوين ذكرياته عن القاهرة الجميلة حضارة وشعبا، وآخر تدوينات كتبها  كانت عن ذكرياته عن حارة اليهود أثناء وباء الكوليرا أكتوبر 1947 وقبل كورونا كان أريه يحرص على ممارسة طقوسه بالذهاب إلى مكتبه بعمارة مصطفى كامل التاريخية بوسط البلد (القاهرة)، وكنت أراه ضيفا في الندوات الثقافية وأحد نماذج التعايش الحضاري على أرض مصر. وآخر ندوة التقينا فيها منذ عام، أثناء ندوة لمناقشة رواية "المولودة" لـ نادية كامل، التي تدور حول قصة حب والدتها الإيطالية المسيحية "نائلة" أو ماري إيلي روزنتال ووالدها اليهودي المصري المثقف اليساري سعد كامل، وقتها وقف ألبير أريه بحماس شاب في العشرينات يتحدث عن علاقته بنائلة والحركة الشيوعية في الأربعينيات من القرن العشرين. وعندما حاورناه في اليوم السابع تذكرت مانشيت العدد الذي نشر في 25 يونية 2015 بالتزامن مع صحيفة أخبار الخليج البحرينية " أقدم يهودي في مصر، عدد اليهود في مصر 7 وأكثرهم مسلمون.. وأنا ضد الصهيونية ومن يحكم إسرائيل".

اخر صورة لالبير
 

وفي كل زيارة لمكتبه بعمارة سوروس باشا بميدان مصطفى كامل بوسط القاهرة، كان ألبير أريه يتحدث باستضافة  عن اليهود في جاليسيا، وفي اسطنبول وجذور عائلته، السفارد والاشكناز،  ويتعرض لطفولته وشبابه في الثلاثينيات والأربعينيات ومصر فى كفاحها للاستقلال عن الاستعمار البريطاني. 

كان أريه واحدا من ثلاثة يهود بارزين من مصر انضموا للحركة الوطنية ضد الاستعمار الإنجليزي ورفضوا الهجرة لإسرائيل، واندمجوا مع عائلاتهم الجديدة في المجتمع المصري، وهم المحامي شحاتة هارون(ت2001) والد رئيسة الطائفة اليهودية ماجدة هارون والمحامي يوسف درويش(ت2006) جد الفنانة بسمة الذي شاركت معظم الفصائل الفلسطينية في حفل تأبينه بنقابة الصحفيين لمواقفه المؤيدة للقضية الفلسطينية. وقد كنت أزور يوسف درويش يوميا في بيته لتوثيق ذكرياته، حيث كان يقيم وحيدا-بعمارة يوسف الجندي بجوار الجامعة الأمريكية بوسط القاهرة، وكان عمره 94 عاما ورغم ذلك كان درويش شخصية منظمة جدا يدون في مذكراته من قام باستعارة الكتب من مكتبته الخاصة بالساعة واليوم والتاريخ. وكان يمتلك اكبر أرشيف صور وثائق تاريخية، ورغم أنه أسلم عام 1947 إلا أنه كان يرفض الحديث في تلك المسألة تماما، لأسباب إنسانية ووطنية، ويعتبر نفسه مع هارون وأريه مصريين قلبا وقالبا، بغض النظر عن الدين.     

 البير ارى

البير ارى

تاريخيا –كما تشير الدكتورة زبيدة عطا في كتابها "يهود مصر: التاريخ السياسي" عاشت الجاليات اليهودية في مصر منذ العصور المملوكية والعثمانية وحصلوا على الجنسية المصرية في عهد أسرة محمد على باشا عام 1929، وكان ذلك بسبب الانفتاح  والتسامح المصري مع الأجانب  وترحيبها بالوافدين، حيث كانت مصر بلد هجرة مثل كندا واستراليا اليوم، وبرزت أسماء في تاريخ مصر  منها: يوسف قطاوي باشا ومؤسسي عمر أفندي وشكوريل في الاقتصاد ويعقوب صنوع وداوود حسني وزكي مراد والد ليلى مراد  ومنير مراد ونجوى سالم وراقية إبراهيم وغيرهم في الفن.

 

البير اريه
البير اريه

 

جدير بالذكر أن  وزارة الثقافة بإصدار كتاب ضخم عن يعقوب صنوع الملقب بـ"أبو نضارة" (ت1912) رائد المسرح المصري"، وضع على قبره في حي مونبارناس بباريس مسلة فرعونية برونزية صغيرة، ولم يكتب عليها بالعبرية، لأنه كان يعتز بحبه لمصر، حتى نفاه الخديوي إسماعيل بسبب نقده اللاذع لسياساته وسخريته منه، وظل يدافع عن الحزب الوطني القديم ويهاجم الاستعمار الإنجليزى حتى وفاته.


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع