الفيزياء الملعونة.. كيف تحدت الأمهات "بعبع" الثانوية العامة أمام اللجان؟

الفيزياء الملعونة.. كيف تحدت الأمهات "بعبع" الثانوية العامة أمام اللجان؟
الفيزياء الملعونة.. كيف تحدت الأمهات "بعبع" الثانوية العامة أمام اللجان؟

أبواب حديدية مرتفعة تحجب الرؤية، وقف خلفها بعض أمهات طلاب الثانوية العامة ثلاث ساعات كاملة، ينتظرن انتهاء أبنائهن الذين يؤدون امتحان مادتهم الأصعب –الفيزياء- التي دائمًا ما تفوز بلقب الأكثر مأساوية في هذا الماراثون، لذا تسلحن طيلة هذا الوقت بالدعاء، مع الصلوات المتواصلة على جانبي أحد الأرصفة وداخل المساجد المجاورة للجان، غير عابئين بأشعة الشمس الحارقة "إحنا عارفين إنها هتيجي صعبة زي كل سنة علشان كده لازم نيجي معاهم ندعي ربنا يلطف بهم ".. عبارة رددتها إحدى السيدات التي رفقة نجلتها الكبرى لتبعث في نفوسها الطمأنينة.

منذ أن بدأت امتحانات الثانوية العامة وتعيش "سمية السيد"- اسم مستعار- حالة من التوتر والقلق، لاسيما وأنها لم تعاصر هذه المرحلة من قبل، ولكنها تعي جيدًا أنها أهم المراحل التعليمية، لذا كانت طيلة الوقت تتابع نجلتها وتعيش معها الأجواء "حاسة أنني اللي بمتحن مكانها.. منمناش طول الليل وخايفة وبتعيط.. وكل اللي طلع عليها مش فاكرة حاجة ولا شايفة قدامي حاجة"، فكانت هذه الكلمات بمثابة الصدمة على المرأة الأربعينية-التي تحلم بأن ابنتها تكون طبيبة مشهورة- فحرصت منذ الصباح الباكر على مرافقتها إلى لجننتها الكائنة بمدرسة "العقيد ساطع النعماني الإعدادية" بمنطقة فيصل التابعة لمحافظة الجيزة، ماسكة في يدها اليمنى مسبحة تسبح بها، وبين الحين والأخر تردد "يارب".

وعلى بعد خطوات من المدرسة، مكثت إحدى الأمهات على أحد الأرصفة ممسكة في يدها مصحف تتلو منه بعض آيات القرآن، عقب أن بدء الامتحان بعدة دقائق "مفيش أحلى من الرجوع لربنا أن ميضيعش تعب ولادنا.. وبنتي ذكرت طول السنة وربنا إن شاء الله مش هيخيب آمالها.. ودي أيام مباركة وأنا صايمة الست أيام البيض وربنا هيجبر خاطري ويستقبل دعواتي"، لتقاطعها إحدهم البوابة اتفتحت، فتسرع لتتساءل عن أي معلومة تطمئن قلبها الذي يشتعل منذ الصباح الباكر، ليرد عليها رئيس اللجان "الحمدلله.. الامتحان كويس"، فتصمت برهة ثم تعود للحديث مجددًا "قالوا كده في الانجليزي وطلع صعب.. ربنا يسترها".

بينما تجلس إحداهم أمام سور المدرسة، ممسكة بكتاب "المراجعة النهائية للفيزياء"، تفتحه بين الحين والآخر، رافضة أن تتركه من يدها"مطمني أن بنتي بتحل.. وعماله ادعي ربنا يجيلها منه الامتحان لأنها حليته كله.. نفسي يجبر بخاطرها.. من أول رمضان وهي مرعوبة بتقولي بس تعدي الفيزياء بسلام كل شىء يهون.. فبترجى ربنا أن مايحرمهاش من أمنيتها وتدخل الكلية اللي عاوزاها وتفرح قلوبنا بنجاحها".

كانت الدقائق تمر ببطء شديد، حتى كادت تصور للأمهات أن عقارب الساعة لا تتحرك، فما كان بأيديهن سوى الجلوس على الأرصفة، لتبادل الهموم فيما بينهم، حيث حرموا من الاحتفال بالعيد، لتحاول إحدهم تخفيف الهموم عليهم متطرقين للحديث عن "تنسيق الكليات" ليصبح الموضوع الأبرز فيما بينهن، حيث شهد نقاشًا حادًا أمام أبواب المدارس حول مخاوفهن من يطال ارتفاع التنسيق بناتهن، وهو ما قد يحرمهم من الالتحاق بكلية الطب:"هما بيستهونوا بتعب العيال وبيجيبوا سؤال صعب في النص وهما عارفين كويس إن النص درجة بس بتودي وتجيب".

 

استمر حديثهن لأكثر من ساعة مستمرة، فلم يقطعه سوى صوت إحداهن، عندما تسللت بين الأخريات معلنة تحققها من سهولة امتحان الفيزياء، بعدما طمأنها أحد أقربائها بالداخل: "بيقولوا كويس الحمدلله بس مشددين اللجان عالآخر".

هذه النقطة كانت سببًا في تغيير مسار الحديث، حيث ازداد توتر أولياء الأمور حينما وصل إليهم نبأ صعوبة اللجان وتشديدها بالتزامن مع هذه المادة المصيرية، خاصة بعدما ترددت عدة روايات تشير إلى أن إحدى الأمهات تقدمت بشكوى للوزارة بسبب تسيب اللجان، مطالبة بتشديدها لأقصى درجة، وهو ما خلق حالة من السخط والغضب:"دي أنانية ورغبة في السيطرة فقط على الآخرين، لكن لو بنتها كان عادي تغش".

 

على جانب آخر؛ استظلت مجموعة من السيدات أمام باب مسجد صغير في الشارع المقابل للجنة الامتحان، حيث تكدسن أمامه، فانعزلن عن الأخريات ليرددن آيات من القرءان وبعض الأذكار، علهن يستمدن البركة من هذه العتبة الطاهرة: "بحق القعدة دي اكرمهم يارب"

 

 

هذا الخبر منقول من الفجر