سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 يناير 1949.. المفكر عباس العقاد يهاجم الإخوان: «فتنة إسرائيلية فى صميم نيتها.. غريبة عن روح الإسلام وقائمة على الإرهاب والاغتيال»

سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 يناير 1949.. المفكر عباس العقاد يهاجم الإخوان: «فتنة إسرائيلية فى صميم نيتها.. غريبة عن روح الإسلام وقائمة على الإرهاب والاغتيال»
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 2 يناير 1949.. المفكر عباس العقاد يهاجم الإخوان: «فتنة إسرائيلية فى صميم نيتها.. غريبة عن روح الإسلام وقائمة على الإرهاب والاغتيال»

تلقى المفكر الكبير عباس محمود العقاد، مكالمة تليفونية ليلاً.. كان تليفونه يقع فى غرفة ذات نوافذ زجاجية، ولما هم بالرد، فوجئ بطلقات رصاص نارية تخترق النافذة، لكنها لم تصبه، ووفقًا لكتاب «مع العقاد فى ظل العقيدة الوطنية» تأليف محمد طاهر الجبلاوى«مكتبة الأنجلو المصرية – القاهرة»، فإن جماعة الإخوان هى التى دبرت هذه المحاولة، وأن العقاد لم يبلغ السلطات، ورأى أنه من الخير كتمانه وعدم الاكتراث به، غير أن وزارة الداخلية بادرت بتكليف حرس لحمايته، بعد أن علمت بالحادث، وبعد أن ضبطت ضمن وثائق الإخوان قوائم تتضمن أسماء شخصيات مصرية تنوى الجماعة اغتيالهم من بينهم العقاد، وظل هذا الحرس يلازمه لمدة أشهر.

 

عبر الحادث عن العداء بين جماعة الإخوان التى ترفع شعارات دينية و«المفكر» الموسوعى وصاحب المؤلفات الإسلامية القيمة أشهرها مجموعة العبقريات «محمد، أبوبكر، عمر، الصديق ، على، عثمان»..يرصد الدكتور راسم محمد الجمال فى كتابه «عباس العقاد فى تاريخ الصحافة المصرية» طبيعة العلاقة بين الطرفين، مؤكدًا أنه حتى أواخر شهر ديسمبر 1948 لم ترد أية إشارات فى كتابات العقاد الصحفية عن عدائه لجماعة الإخوان، لأن الجماعة كانت مؤيدة لحكم السعديين، ولمسلك وزارة النقراشى فى علاج القضية المصرية.

 

لماذا تحولت العلاقة إلى عداء متبادل؟..يجيب «الجمال» بأن «العقاد» أخذ موقفه المعادى عندما تلقى خطابًا من أحد أفراد الجماعة يهدده فيه، ويهدد النقراشى باشا رئيس الوزراء لإقدامه على حل الجماعة «8 ديسمبر 1948»، وكتب فى جريدة «الأساس-22 ديسمبر 1948» عن هذا الخطاب، قائلًا «دليل صادق على طبيعة النفوس التى يستهويها إلى الشر طائفة من الدجالين باسم الدين وباسم الإسلام، نفوس يقترن فيها الجهل بضيق العقل بسوء الأدب، ثم يأتى الدجال فينفخ فيها من الغرور ما يزيد الجهل جهلا والضيق ضيقا وسوء الأدب سوءا، ويقول إنها مع جهلها وضيقها هذا وسوء آدابها هذا هى التى تحكم على الناس وتعطيهم حقهم فى الحرية وحقهم فى الحياة».

 

زاد العداء شراسة بعد قيام الجماعة باغتيال «النقراشى باشا» يوم 28 ديسمبر 1948.. يؤكد «الجمال»: «كان اغتيال النقراشى على أيدى أفراد الجماعة هو بداية حملات العقاد الصحفية العنيفة عليها، ويمكن القول بأنه أراد بهذه الحملة إثارة كراهية القراء للجماعة وتبرير قرار حلها».. كتب فى جريدة «الأساس» يوم 2 يناير، مثل هذا اليوم 1949، مقالًا عنيفًا قال فيه: «لم نجد نبيًا واحدًا أباح لنفسه أو أباح له الدين أن يتصرف فى نفس بشرية بغير بينة وشهادة وقضاء، وأن أدب النبوة مع هذا كله ليوحى إليه بأن يدرأ الحدود بالشبهات، وتأتى بعد مرتبة الأنبياء مرتبة ولاة الأمور، وليس لأحد منهم بالبداهة أن يجيز لنفسه فى محاسبة الناس حقًا فوق حق النبى أو حق الإله، وعلى هذه السنَّة القديمة دام المجتمع الإسلامى فى جميع العهود من أيام الخلافتين الأموية والعباسية إلى هذه الأيام، وكل ما جاء من الشذوذ عن هذه السنة التى لا يستقيم أمر مجتمع من المجتمعات بغيرها إنما كان من طائفتين خارجتين عن جماعة المسلمين، وهما طائفة الخوارج وطائفة اليهود والمجوس الذين دخلوا الإسلام ليفسدوه ويهدموا دولته من داخلها».

 

انتقل «العقاد» إلى ما هو أعنف حيث اتهم حسن البنا مؤسس الجماعة ومرشدها الأول بأنه يهودى يعمل لإحداث فتنة داخلية فى البلاد، فى الوقت الذى يحارب فيه الجيش المصرى فى فلسطين وشرح فكرته قائلا: «نظرة واحدة إلى أعماله وأعمال جماعته تغنى عن النظر إلى ملامحه وتدعو إلى العجب من هذا الاتفاق فى الخطة بين الحركات الإسرائيلية الهدامة وبين حركات هذه الجماعة، ويكفى من ذلك كله أن نسجل حقائق لاشك فيها، وهى أننا أمام رجل مجهول الأصل، مريب النشأة، يثير الفتنة فى بلد إسلامى، وهو مشغول بحرب الصهيونيين، ويجرى فى حركته على النهج الذى اتبعه دخلاء اليهود والمجوس لهدم الدعوة الإسلامية من داخلها، بظاهرة من ظواهر الدين، وليس مما يبعد الشبهة كثيرًا أو قليلًا أن أناسا من أعضاء الجماعة يحاربون فى ميدان فلسطين، فليس المفروض أن الأتباع جميعًا يطلعون على حقائق النيات، ويكفى لمقابلة تلك الشبهة أن نذكر أن اشتراك أولئك الأعضاء فى الوقائع الفلسطينية يفيد فى كسب الثقة، وفى الحصول على السلاح والتدريب على استخدامه وفى أمور أخرى تؤجل إلى يوم الوقت المعلوم هنا أو هناك».

 

يضيف العقاد: «أغلب الظن أننا أمام فتنة إسرائيلية فى نهجها إن لم تكن فتنة إسرائيلية فى صميم نيتها..وأيا كان الأمر فهى فتنة غريبة عن روح الإسلام ونص الإسلام، وإنها قائمة على الإرهاب والاغتيال، فلا محل فيها للحرية والإقناع، وجدير بالمسلمين ومن يؤمنون بالحرية والحجة من غير المسلمين أن يقفوا لها بالمرصاد».    

 


 

 

هذا الخبر منقول من اليوم السابع