نشاط دبلوماسي، مكثف تقوم به جامعة الدول العربية، في الأيام الحالية، في إطار التحركات التي تمارسها، من أجل تطويق الاحتلال الإسرائيلي، وإنهاء الانتهاكات التي يرتكبها، بدءً من تهجير سكان حى الشيخ جراح، في محاولة لتجريد القدس من هويتها العربية، مرورا بانتهاك قدسية المسجد الأقصى خلال شهر رمضان، وحتى المجازر التي ترتكب بحق الفلسطينيين، في العديد من المدن، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة، والتي لاقت انتقادات واسعة النطاق في المجتمع الدولى، وهو الأمر الذى دفع الكيان العربى لعقد اجتماع على مستوى وزراء الخارجية الثلاثاء الماضى، لإدانة السلوك العدوانى الذى تمارسه قوات الاحتلال، ووضع مزيد من الضغوط عليه، للتوقف عن سفك دماء الفلسطينيين، وكذلك إنهاء محاولاته لانتهاك الأراضى الفلسطينية.
إلا أن دور الجامعة العربية لم يقتصر على مجرد الشجب والإدانة، وإنما يمتد إلى التحرك على العديد من المحاور، عبر ما يمكن تسميته بـ"سياسة الحشد الدولى"، التي تستهدف تطويق الاحتلال الإسرائيلي، ، وذلك لتحقيق هدفين، أولهما، وهو حقن دماء الفلسطينيين، والتي سفكها الاحتلال، والتي لم تقتصر في جوهرها، على التطورات الخطيرة، وإنما ترجع إلى أكثر من 73 عام، منذ النكبة في عام 1948، بينما الثانى، وهو إجبار السلطات الإسرائيلية على تقديم المزيد من التنازلات، خاصة فيما يتعلق بحق الفلسطينيين في تأسيس دولتهم المستقلة، وإنقاذ حل الدولتين، والذى يمثل جوهر حل القضية طويلة المدى.
فلو نظرنا إلى القرار الذى خرج عن الاجتماع الوزاري، الذى عقدته جامعة الدول العربية، الثلاثاء الماضى، نجد أنه تضمن تشكيل لجنة وزارية مكونة من وزراء خارجية مصر وفلسطين والسعودية والمغرب، وقطر، للتحرك والتواصل مع الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وغيرها من الدول المؤثرة دوليا لاتخاذ خطوات عملية لوقف السياسات والإجراءات الإسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس المحتلة.
ولعل تحرك الجامعة العربية على مستوى القوى المؤثرة دوليا، يمثل امتدادا صريحا لسياساتها التي دارت في السنوات الأخيرة، حول تنويع تحالفاته، عبر توسيع العلاقة مع القوى الدولية والإقليمية الصاعدة، في انعكاس صريح لإدراك الكيان المشترك، بتغيير كبير قادم على مستوى النظام الدولى، في ظل وجود قوى دولية مهمة يمكنها القيام بدور بارز على صعيد القضايا الدولية الهامة، وفى القلب منها القضية الفلسطينية.
اللجنة الوزراية ستكون منوطة بحشد الدول ذات التأثير الكبير على المستويين الدولى والإقليمى، ضد الممارسات الوحشية التي ترتكبها الدولة العبرية، وتحميلهم مسئولية ما سوف تؤول إليه الأحداث الراهنة، على الأراضى الفلسطينية، ليس فقط في نطاقها المحدود، وإنما أيضا تداعياتها الكبيرة على مستوى القضية برمتها في المستقبل، في ظل تعنت سياسى طالما مارسته الدولة العبرية، يترجمه سلوك وحشى وعدوانى على الأرض، يعكس رفضا مطلقا للتماشى مع قرارات الشرعية الدولية.
من جانبه، قال الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، إن المجتمع الدولي صار مدركاً بشكل متزايد لدور المستوطنين المتطرفين، الذين تتبنى الحكومة الإسرائيلية أجندتهم، في إذكاء الأوضاع بالقدس، بما قاد إلى اشتعال الموقف على هذا النحو الخطير في الأراضي المحتلة، وبخاصة في قطاع غزة الذي يتعرض لهجمات غاشمة في استعراض فجٍ للقوة.
الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط
ودعا أبو الغيط مجدداً إلى وقف فوري للاعتداءات على القطاع، مؤكداً أن الحكومة الإسرائيلية تتصرف وفق أجندة انتخابية داخلية، وأنها تُقامر بإشعال الأوضاع في المنطقة كلها بسبب تعمدها إراقة المزيد من الدم الفلسطيني تعزيزاً لمكانتها الداخلية، واصفاَ هذا النهج بالمشين وغير المسئول."
إلا أن التحرك العربى الجمعى لا يقتصر في نطاقه على مجرد الدول المؤثرة، وإنما امتد إلى دول أخرى، عبر دعوة بعثات الجامعة في العديد من دول العالم إلى التنسيق لحشد التأييد الدولى للموقف الفلسطيني، وهو ما يساهم في تجريد الممارسات الإسرائيلية من أي شرعية دولية، تسعى إلى إضفائها على الانتهاكات التي ترتكبها.
فبحسب بيان صادر عن الجامعة العربية، فإن مجالس السفراء العرب في العواصم الرئيسية بدأت التحرك مع حكومات الدول المعتمدة لديها لحشد التأييد للموقف الفلسطيني المؤيد عربياً حول اعتداءات إسرائيل على القدس وأهلها، بما فيها التجاوزات والانتهاكات التي ارتكبتها قوات الاحتلال في الحرم القدسي الشريف، وكذلك ماتقوم به من ممارسات مفضوحة للضغط علي أهالي حي الشيخ جراح للرحيل عن المدينة.
الانتهاكات الإسرائيلية فى القدس.. عرض مستمر
وأضاف البيان أن التعاطف الدولي مع معاناة المقدسيين وما يتعرضون له من اعتداءات واستفزازات غير مبررة، يبدو واضحاً في الأحداث الأخيرة، وأنه يتعين البناء على ذلك من خلال حشد المزيد من التأييد الدولي لكشف فظائع الاحتلال الإسرائيلي سواء في القدس أو في الأراضي المحتلة بوجهٍ عام.
بينما يبقى المحور الثالث الذى تتبناه الجامعة العربية في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية يقوم في الأساس على التنسيق مع المنظمات الإقليمية الأخرى، عبر "الرباعية الدولية"، والتي تشمل الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبى والأمم المتحدة، بهدف الضغط على الدولة العبرية، حيث دعاهم الكيان العربى المشترك إلى تحمل مسئوليتهم إزاء الانتهاكات التي ترتكب على الأراضى الفلسطينية.
وحملت الجامعة العربية، فى بيان لها بمناسبة الذكرى الـ73 للنكبة، سلطات الاحتلال المسئولية الكاملة عن هذه الممارسات العدوانية والتصعيد الخطير الذى تشهده الأراضى الفلسطينية، وتطالب المجتمع الدولى والرباعية الدولية والمنظمات الإقليمية ومجلس الأمن الدولى بتحمل مسئوليته والتدخل الفورى والحاسم لإنهاء هذه المأساة التى بدأت منذ عام 1948.
في حين لم تنسى الجامعة العربية المحور القضائى، عبر دعوة المحكمة الجنائية الدولية للتدخل الفوري، عبر القيام بدورها، فيما يتعلق بإجراء التحقيقات في الجرائم التي ارتكبها الاحتلال، والتي تصل إلى حد جرائم الحرب، وتقديم كافة المسئولين الإسرائيليين عن هذه المجازر والجرائم إلى المحاكمة، و وتحقيق العدالة الغائبة منذ عقود لردع سلطات الاحتلال ووقف سياسة الإفلات من العقاب.
وفى هذا الإطار أكد مصدر مسئول بالأمانة العامة لجامعة الدول العربية أن التحركات الدبلوماسية العربية تلاحقت في الأيام الأخيرة من أجل حشد المواقف الدولية في مواجهة السياسات الإسرائيلية المتهورة والمخالفة للقانون الدولي الإنساني، ومن أجل دعم ومساندة الفلسطينيين في القدس الذين حظوا باحترام العالم وتعاطفه.
وأضاف المصدر أن التحركات الدبلوماسية قد نجحت في إظهار عزلة الموقف الأمريكي الساعي إلى توفير مظلةٍ لحماية إسرائيل من الانتقادات الدولية المتصاعدة، وأن جلسةً رسمية بمجلس الأمن من المقرر أن تعقد اليوم الأحد لمناقشة العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين في غزة.
هذا الخبر منقول من اليوم السابع