د. مريم المهدى تكتب: الدور الخفي لاسرائيل وتركيا في ازمة سد النهضه

د. مريم المهدى تكتب: الدور الخفي لاسرائيل وتركيا في ازمة سد النهضه
د. مريم المهدى تكتب: الدور الخفي لاسرائيل وتركيا في ازمة سد النهضه

مصر هبة النيل :

 شهدت أزمة "سد النهضة" الأثيوبي تطورات عدة في الآونة الأخيرة، تستحق  الدراسة والتحليل  والفهم  ومتابعتها لما لهذه الأزمة المعقدة من ارتباط حيوي بالأمن القومي المصري والعربي على حداً سواء ، فقد عرفت مصر منذ القدم بأنها هبة النيل فقد ارتبط وجودها بهذا النهر الذي يعتبر شريان الحياة بالنسبة لكل مصري.

لذلك تبقى مصر قوية عزيزة ما بقى نيلها جاريًا ممتلئًا بمائه العذب، وجيشها متماسكًا مهيبًا، هي التي اعتمدت حضارتها على فيضان النيل منذ القدم، وكان النيل سيدًا في كل عصورها من العصر الفرعوني إلى العصر الحديث .

إن  الأمان المائي لمصر هو أمانها من النيل ومخزونه لا شك فيه يعد مسألة حياة أو موت، وأن المساس المتعمد بحصتها في مياه النيل بمثابة اعتداء مباشر على شعبها وزراعتها وصناعتها وكافة مظاهر المعيشة علي ارض مصر ، وقد ظهر هذا الاعتداء ورسخ الآن فعليًا، بعد أن وصلت المفاوضات مع الجانب الإثيوبي إلى طريق مسدود.

حيث تخشى مصر من تأثير سد النهضة على إمداداتها من المياه الأمر الذي قد يؤدي موت جزء من أراضيها الزراعية الخصبة ويعطش عدد سكانها الكبير.

فمصر دولة إقليمية كبيرة، وقراراتها توزن بدقة شديدة، ولديها من القوة، الناعمة والخشنة، ما يؤهلها للدفاع عن مصالحها والزود عنها، على طاولات التفاوض قبل أي حديث عن ساحات الحروب.

مصر منذ البداية تحشد دبلوماسيا وقاريا وإقليميا ودوليا، حتى لا يتم بدء التخزين دون اتفاق . لأنه لو تم التخزين فسنكون بصدد قواعد جديدة تماما للعلاقات بين الدولتين وسيتحول النهر من ساحة للتعاون إلى ساحة للصراع.

لهذا وجب على القوى الكبرى أن تتحرك بفاعلية بحثاً عن حلول وتسويات عادلة لأزمة سد النهضة قبل أن تفاجئ بصراع قد يكون الأخطر والأكثر تأثيراً في القرن الحادي والعشرين.

* المماطلة والتسويف والتضليل الاثيوبي :_

 لقد كان واضحاً المماطله وسوء النوايا منذ البداية وفى ظل السلوكيات المتعمَّدة من الجانب الإثيوبي، ورفضه المستمر لكافة الأطروحات والمقترحات المصرية لحل الخلافات حيث مارست أثيوبيا  كل صنوف التعنّت خلال الجلسات التفاوضية الأخيرة وما سبقها أيضا من مفاوضات طوال الأعوام الماضية

لهذا نرى أن تهديد الرئيس السيسي واضحٌ ولا يحتاج إلى تفسير، فتخفيض حصّة مِصر من المياه يعني “إعلان حرب” لا يُمكن أن يمر دون التصدّي له بكُل الوسائل، كما بدأت أصوات سياسيّة وعسكريّة داخِل مصر تُروّج لحتميّة الحل العسكري وتدمير السد الإثيوبي إذا لم يتم احترام المطالب المِصريّة.

ويبدوا لنا إن إثيوبيا تسعى من وراء ذلك إلى تصدير المشكلات إلى كل من القاهرة والخرطوم، وفق نظريات إثيوبية معيبة تؤكد القناعات الأثيوبية الراسخة لديها حتى الآن وتظهر من يقف خلفها.

وما يؤكد ذلك التصريحات الإثيوبية الأخيرة التي تزعم بأن سلطاتها مطلقة في إدارة وتشغيل وملء سد النهضة باعتباره في أرض إثيوبية، وتم تشييده بأموال وطنية خالصة وأن لأديس أبابا سيادة مطلقة على نهر النيل الأزرق الذي يجري في إقليمها والتي لا تعدو إلا ترهات مرسلة، ودفوع غير واقعية , ومزاعم باطلة , وتظهر بوضوح من يقف خلف أثيبوبيا سواء إسرائيل أو تركيا  للضغط على مصر وهو ما ساوضحه بالتفصيل .

* مصر دولة مصب النهر واثيوبيا تضرب بالقانون الدولي عرض الحائط :_

الحقيقة المطلقة التي لا شك فيها هي أن إثيوبيا ليست لديها حرية الاختيار في إبرام الاتفاقيات الدولية المنظمة للاستخدام المنصف المشترك لنهر النيل بعد إنشاء سد النهضة... وإذا كانت ملكية إثيوبيا لسد النهضة مطلقة فهي محملة بأعباء قانونية دولية أهمها عدم الإضرار بالغير، وخاصة دولة مصب النهر، وهي مصر

لهذا فضلت مصر أن تبقي على صبرها فقررت القاهرة اللجوء إلى مجلس الأمن بعد تعثر المفاوضات التي جرت مؤخرا حول سد النهضة، ووفقا لبيان صادر عن الخارجية مفادته , "كافة الجهود قد تعثرت بسبب عدم توفر الإرادة السياسية لدى إثيوبيا، وإصرارها على المضي في ملء سد النهضة بشكل أحادي بالمخالفة لاتفاق إعلان المبادئ بتاريخ 23 مارس 2015 , وتتضمن الاتفاق ورقة تشمل 10 مبادئ تلتزم بها الدول الثلاث بشأن سد النهضة وتم التوقيع عليها من قبل الدول الثلاث ومرفق بها ورقة شارحة حول إيجابيات الاتفاق وانعكاساته على علاقات الدول الثلاث.

وهنا يظهر إن الشيء الذي لا يوجد مبرر منطقي له هو أن إثيوبيا تضرب الآن بالقانون الدولي عرض الحائط وكأنها تريد أن تتفاوض مع مصر بعيداً عن القانون أو عن الوساطة الدولية وربما تسعى لأن تفرض قانون الأمر الواقع  وهو ما تسعي اليه اسرائيل وتركيا تضامناً مع أثيوبيا .وهو ما لا يمكن أن يقبله أحد تحت أى ظرف .

 حيث نرى تطور سريع للأحداث فبعد يوم من تقدم مصر بطلب إلى مجلس الأمن، وجه السيسي القوات المسلحة بالاستعداد للدفاع عن الأمن القومي داخل وخارج حدود الوطن.

وقال السيسي خلال تفقده عناصر المنطقة الغربية العسكرية "الجيش المصري من أقوي جيوش المنطقة ولكنه جيش رشيد.. يحمي ولا يهدد.. وقادر على الدفاع عن أمن مصر القومي داخل وخارج حدود الوطن .

 

* الاطماع الإسرائيلية في مياه النيل ترجع الي ما قبل تاسيسي الكيان الاسرائيلي :_

فشلت "إسرائيل" خلال العقود الماضية، في فرض مشاريعها للاستفادة من مياه نهر النيل، إزاء الرفض المصري المتكرر لذلك،

ويبدو أن إسرائيل لا تلعب دورا خفيا فى ملف سد النهضة فحسب بل تلعب أدوارا فى ملف حوض النيل و المياه العذبة على مستوى دول الجوار أولهم سوريا والعراق مصر و قد كانت موارد المياه العذبة من الأسباب الرئيسية لحرب الأيام الستة او النكسة كما تسميها الدراسات السياسية و الإستراتيجية بالأيام الستة نظرا للتوسع العمراني و الزيادة السكانية التي تحدث فى إسرائيل و بناء المزيد من المستوطنات و عودة ضم الضفة الغربية و منطقة وادي نهر الأردن و بالتالي البحث عن موارد المياه دافع قوى جدا لدى إسرائيل منذ بداية نشأتها ليس فقط فى فلسطين و لكن فى إفريقيا و هى المقترح الأول من يهود العالم و خاصة من المملكة البريطانية و جولدا مائير و زيارتها لافريقيا فى 1912 و 1928 بسبب موارد المياه العذبة .

بدايةً تعود الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل إلى ما قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي، وتحديداً إلى العام 1903 عندما قدّم زعيم الحركة الصهيونية تيودور هرتزل، مشروعاً يسعى من خلاله إلى بناء مستوطنات في شبه جزيرة سيناء تنضم في وقتٍ لاحق إلى المستوطنات في فلسطين المحتلة، حيث سعت المنظمة الصهيونية التي يمثلها هرتزل إلى توطين اليهود في العريش .

 

* مشروع " اليشع كالي " في عام 1974 لتوصيل مياه النيل بانابيب تحت قناة السويس :_

ولمواجهة مشكلة ندرة المياه في تلك المنطقة، اقترح هرتزل على لانسدون، وزير خارجية بريطانيا، مد أنبوب على عمق كبير تحت قناة السويس لضخ مياه النيل إلى شبه جزيرة سيناء. لكن بريطانيا رفضت هذا الطلب، بسبب تأثيره السلبي على مشروعات الزراعة المصرية بالوادي، خاصة محصول القطن الحيوي للصناعة الإنجليزية..

وأعادت "إسرائيل" طرح هذه الرغبة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، استناداً إلى مقالات ودراسات تناولت المشاريع التي يمكن من خلالها نقل مياه النيل إلى المستوطنات الإسرائيلية. كان أبرز تلك الدراسات ما عرف بـ"مشروع اليشع كالي" حيث قام المهندس الإسرائيلي اليشع كالي، في عام 1974 بطرح مشروعٍ تضمن نقل جزءٍ من مياه النيل يقدّر بـ1% سنوياً لتزويد المستوطنات الإسرائيلية في النقب وقطاع غزة والضفة الغربية، بواسطة أنابيب تمر تحت قناة السويس بجانب منطقة الإسماعيلية المصرية، يصل طولها إلى 200 كلم

وفي عام 1977 قام الخبير الإسرائيلي ارلوزوروف، بطرح مشروعٍ تضمن شق 6 قنوات تحت قناة السويس تعمل على دفع المياه العذبة إلى نقطة سحبٍ رئيسية، ليتم بعد ذلك ضخ المياه إلى ارتفاعٍ يبلغ عشرات الأمتار لتدفع بقوة الثقل نحو ساحل سيناء وعبر أقنية فرعية إلى صحراء النقب وكل ذلك التخطيط فشل لرفض مصر أعطى إسرائيل ما ليس من حقها .


* الدور الخفي الذي تلعبه اسرائيل بالدعم الكبير ومد نفوذها في اثيوبيا والقرن الافريقي وتهويد الافارقه :_

ثم جاءات الفرصة سانحة لإسرائيل  لتنفرد بأثيوبيا والقرن الأفريقي كاملاً , منذ حادث الاغتيال الفاشل للرئيس الراحل مبارك في أثيوبيا وهو ما يشير باصبع الأتهام إلى أن اسرائيل طرف في محاولة الإغتيال بغرض عزوف وابتعاد جميع القيادة السياسية المصرية عن أثيوبيا بصفة خاصه وأفريقيا بصفة عامه نتيجة هذا الحادث . وكعادتها دائما في الاصطياد بالماء العكر لم تفوت إسرائيل الفرصة لتوطيد علاقتها بأثيوبيا واختراقها من الداخل وأستخدمت كل الطرق المشروعة والغير مشروعة في ذلك عن طريق الدبلوماسية وعن طريق استغلال الأوضاع الاقتصادية المتردية في أثيوبيا ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل بلغ المكر والدهاء الإسرائيلي باستخدام يهود الفلاشا كورقة ضغط علي الجانب الأثيوبي ولا يخفى علي أحد الدعم الكبير والغير مسبوق والدور الخفي الذي تلعبه إسرائيل  بذلك في ملف أزمة سد النهضة حتي يكون ورقة ضغط علي القيادة السياسية المصرية

من هنا وبدأت اللعبة الإسرائيلية بمد نفوذها على الحكومات الإفريقية فى تقديم ما يسمى بالقروض الميسرة و كذلك تقدمها وكالة (اسرا ايد) للمساعدات للإفراد فى التعليم و الصحة و مد شبكات المياه و الاتصالات و الزراعة و حتى تدريب الفصائل المسلحة و مدهم بالأسلحة ، فضلا عن البعثات التبشيرية التي تعمل على تهويد الأفارقة حتى يكسبوا ولائهم للدولة الإسرائيلية و يكون ولاءهم الديني أقوى من أية دوافع أخرى و حتى أقوى من انتماءهم للدولة الأفريقية التي تاويهم، بالإضافة الى وصول الاستثمارات الإسرائيلية فى الطاقة الشمسية النظيفة فى إفريقيا و الكهرومائية إلى أكثر من 200 مليون دولار فى 8 دول عن طريق شركتها التي تسمى (انرجيا جلوبال)

وبدأ يتحقق الحلم الإسرائيلي الأثيوبي في بناء سد النهضة للسيطرة على موارد الطاقة وتصدرها لدول عدة والضغط على مصر لتوصيل المياه لداخل إسرائيل..

 

* اطماع اسرائيل في توسيع نفوذها والهيمنه علي مصادر الطاقة والتي يعد نهر النيل من ابرز احتياجاتها :_

إن خلفيات الوضع الإسرائيلي في أزمة "سد النهضة" الدائرة بين مصر وأثيوبيا والسودان جاءات انطلاقاً من الرغبة الإسرائيلية في السطو على نسبة من مياه النيل، هذا من ناحية الأمن المائي. أمّا في البعد الجيوسياسي، فإن إسرائيل تطمح إلى توسيع نفوذها والهيمنة على مصادر الطاقة التي يعد نهر النيل أبرزها، مما سيعزز موقفها السياسي في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.

 

كل تلك العوامل، تدفع السلطات الإسرائيلية إلى التواجد بشكل مباشر في مسألة "سد النهضة" المرتبطة بنهر النيل، وذلك من أجل فرض وجودها السياسي والأمني الذي سيخولها في مرحلةٍ لاحقة إعادة إحياء المشاريع الهادفة لإيصال مياه النهر إلى المستوطنات في فلسطين المحتلة، نظراً لخطورة ما تعانيه حالياً فيما يخص "أمنها المائي"، في ظلّ رغبتها المتزايدة في التوسع واستقدام المزيد من المستوطنين.

ما يؤكد صدق ذلك ما ذكره  الإعلام الإسرائيلي في السنوات الأخيرة بقوله  أن الكثير من بحيرات فلسطين المحتلة وأحواضها النهرية والمياه الجوفية وصلت إلى أدنى المستويات التي لم يسبق لها مثيل منذ 100 عام، حيث اقتربت بحيرة طبريا بشكل خطير من "الخط الأسود"، وهو المستوى الذي يقع تحت أنابيب السحب من مضخات المياه التي ترسل مياه البحيرة إلى البلدات المجاورة.

وفي الدراسات الإسرائيلية يظهر أن تحسين مستوى العيش وبناء المستوطنات يحتّم تأمين زيادة في المياه بمقدار 600 مليون متر مكعب كل عام. فإذا تعثَّر الحصول على ذلك فيكون من الضروري تأمين ثلثه على حساب المشاريع الزراعية، ما يؤدي إلى أزمة اقتصادية واجتماعية بغض النظر عن الأضرار التي تحصل بفعل برنامج التوزيع السكاني.


* رئيس وزراء اثيوبيا ابي احمد وفرض الامر الواقع تحت عنوان السيادة الاثيوبيه :_

كذلك إذا نظرنا إلي  إستراتيجية رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، وهي إطالة أمد المفاوضات إلى أقصى قدر ممكن، حتى يكتمل بناء سد النهضة في عام 2023، ودون تقديم أيّ تنازلات عن مواقفه المتصلبة لمصر تحديدًا، وبما يمكّنه من فرض أمر الواقع تحت عنوان السيادة

نجد أن هذه الإستراتيجية تذكرنا بنظريتها التي اتبعتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في مفاوضات أوسلو مع الفلسطينيين التي امتدت لحوالي 25 عاما، واستولت خلالها الدولة العبرية على معظم الضفة الغربية ومياهها، وأرضها وتجارتها، وهو ما يؤكد لنا أن التخطيط للمفاوضات تخطيط إسرائيلي أثيوبي بالدرجة الأولى.

فالعديد من أوجه التشابه بين استراتيحية إثيوبيا في التعامل مع هذه الملف وإستراتيجية إسرائيل في التفاوض مع الفلسطينيين تؤكد أن الذي يديرالأزمة إسرائيل وليست أثيوبيا.

فالحضور الإسرائيلي القوي والداعم لأثيوبيا في هذا الملف يؤكد أن تل أبيب باتت تتحكم بنسبة كبيرة في المشروعات المائية والكهربائية في أثيوبيا (من دول المنبع)، ما سيجعلها تتحكم في مرحلة لاحقة بتدفق مياه النيل، من المنبع إلى المصب، مع ضمان حصول مصر على نسبة معينة، على أن تكون هي من ضمن "المصب"، بمعنى أن تشترط "إسرائيل" وصول المياه إليها مقابل السماح بوصوله إلى مصر، وذلك من خلال شراكتها مع أثيوبيا بـالبنك الإثيوبي لتصدير مياه النيل الأزرق.

هكذا أخذت إثيوبيا تماطل وتبتسم مرة، وتمد يدها مرات لتخدعنا، وتنجح في تنويمنا بالفعل، حتى أكملت بناء السد، وبذلك وضعتنا أمام الأمر الواقع.

مما سبق يتضح للقاصي والداني مدى الوجود الإسرائيلي في ملف سد النهضة وبخاصة بعد زيارة رئيس وزراء إثيوبيا آبى أحمد واجتماعه بنتنياهو لبحث التعاون المشترك بينهما، في مجالات التكنولوجيا والأمن والمياه، ووصفه الزيارة بالتاريخية، داعيا الطرفين للتعاون والتغلب على التحديات المشتركة ومنها إدارة مصادر المياه، رافق ذلك معلومات عن قيام إسرائيل بتزويد اثيوبيا بأنظمة دفاعية لحماية السد من أي هجوم مصري محتمل .


* ملئ السد وتشغيله بشكل احادي دون التوصل لاتفاق يتضمن الاجراءات الضروريه لحماية حقوق دولتي المصب مصر والسودان سيؤدي الي صراعات تهدد امن المنطقة برمتها :_

إن حل مسألة "سد النهضة" لا يتعلق فقط بالمفاوضات المصرية-الأثيوبية-السودانية، بل لها خلفيات ترتبط بالرغبات الإسرائيلية بالهيمنة على مصادر الطاقة في حوض النيل من جهة، وعلى التوسع باتجاه القارة الأفريقية من جهةٍ أخرى. لذا، فإن "إسرائيل" الحاضر الأبرز في "سد النهضة" لن توافق على أيّ حلّ يستثنيها من "مياه النيل" ويقوّض توسعها في دول حوض النهر، وعلى سواحل البحر الأحمر.

كما أن ملء السد وتشغيله بشكل أحادي، ودون التوصل لاتفاق يتضمن الإجراءات الضرورية لحماية حقوق دولتي المصب، مصر والسودان، من شأنه أن يزيد من التوتر في المنطقة، وقد ينجم عنه أزمات وصراعات تهدد استقرار المنطقة برمتها..

فإذا أخفقت كل البدائل الدبلوماسية والقانونية والسياسية فإن التدخل العسكري ربما يكون اضطراريا. لا يوجد عاقل واحد يدعو إليه فعواقبه وخيمة، لكن إذا ما وصلت السكين إلى حد الرقبة فلا أحد بوسعه أن يوقف مثل هذا الخيار وهو  خيار شبه انتحاري لكنه قد يكون اضطراريا إذا لم تتعقل إثيوبيا وتدرك  أن الأزمة إذا أفلتت من عقالها فلن تنفها إسرائيل أو تركيا.

 

 * الدور التركي في ازمة سد النهضه :_

بعد سقوط الأخوان المسلمون في مصر والقضاء على وهم الخلافة الاسلامية الذي كان يرتبط بالحلم التركى وهو عودة الأمبروطورية العثمانية  سعى الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لاستخدام  قواه الناعمة وسلاح المساعدات الإنسانية لاختراق إثيوبيا، حتى يجعل لنفسه موضع قدم في المنطقة ومخلب قط لمناكفة مصر وتكون أداة ضغط على القاهرة لخلق أزمات سياسية وعسكرية للنظام المصري

لعب أردوغان في مخطط غزوه الناعم لإثيوبيا على وتر العلاقات التاريخية بين الدولة العثمانية وبلاد الحبشة، واتصالات السلطان عبدالحميد الثانى مع الإمبراطور الإثيوبي منليك منذ عام ١٨٩٦، وجرى افتتاح أول قنصلية تركية في مدينة هرر عام ١٩١٢، وأعقبها افتتاح السفارة في العام ١٩٢٦ بعد ٣ سنوات من إعلان قيام الجمهورية. حرص أردوغان على تطوير العديد من المناطق الإثيوبية المرتبطة بالتاريخ الإسلامي مثل منطقة نجاش وإعادة ترميم مسجد النجاشى التاريخى في إقليم تجراى شمالى إثيوبيا، ومشروع ترميم القنصلية العثمانية في مدينة هرر شرقًا. إلا أنه حافظ على ظهور أقل نسبيا في الدولة المسيحية ذات الأغلبية الأرثوذكسية، مما يعكس برجماتية إذ تجاهل ملايين المسلمين، من جماعة أورومو، ودعم السلطة (أقلية أمهرة)، مما دفع المسلمين لمهاجمة الاستثمارات التركية في إثيوبيا، ولاسيما بعد افتتاح مراكز ثقافية لتعليم اللغة التركية في العديد من المدن الإثيوبية، كما أسيس المدارس الدينية لنشر أفكار الحزب الحاكم بين الإثيوبيين. كما تمكنت تركيا عبر منظمة التعاون والتنسيق التركية تيكا من التدخل في الشئون الإثيوبية منذ افتتاح مكتبها في أديس أبابا عام ٢٠٠٥، وركزت أنشطتها على الترويج للتعليم التركى باعتباره أكثر أدوات الاختراق الثقافي فاعلية من خلال المنح والبعثات التعليمية إلى الجامعات التركية.

كما تعمل تيكا على تقديم المساعدات الطبية للمستشفيات في إثيوبيا ولاسيما مستشفيات الأطفال لخلق جيل يدين بالولاء لتركيا .

 

* اتفاقية دفاع مشترك بين تركيا وإثيوبيا مايو 2013 :_

إن المتبع للسياسة التركية يلمس حرصها الشديد في السنوات العشر الأخيرة على التقارب مع دول الرباعى إثيوبيا وإريتريا والصومال وجيبوتى، وارتكز أردوغان في تحركاته نحوها على أسانيد كاذبة، حيث يدعى أن الأتراك أحق بحكم التاريخ والجغرافيا والعلاقات الدينية والثقافية بعلاقات أمتن مع أفريقيا من قوى دولية صاعدة وفاعلة في القارة مثل الهند والصين وإيران.

 أخذت السياسة الخارجية التركية في الاهتمام بأفريقيا منذ عام ٢٠٠٩ ويعد أحد الشواهد على ذلك وصول عدد السفارات التركية في أفريقيا إلى ٤١ سفارة بعد أن كانت ١٣ سفارة قبل هذا التاريخ،

أما التعاون  عسكرياً وأمنياً فقد وقعت أنقرة وأديس أبابا اتفاقية دفاع مشترك في العام 2013، وأقرها البرلمان الإثيوبي في العام  .2015

حيث أن فكرة تركيا محاولات إنشاء القواعد العسكرية على الساحل الأفريقي حتى يصبح لها مخلب قط في المنطقة لتنفيذ مخططاتها لا تغيب أبدا عن نظر أردوغان الذي عقد العديد من اتفاقيات التعاون المشترك مع أثيوبيا  لاستخدامه كأداة للتوغل في العسكرية الإثيوبية بدلا من اللجوء إلى إنشاء القواعد، ووقعت أنقرة اتفاقية دفاع مشترك مع أديس أبابا في مايو ٢٠١٣، وأقرها البرلمان الإثيوبى في مارس ٢٠١٥.

وتنص على تدعيم التعاون في مجال الصناعات الدفاعية، وتقديم تركيا دعما فنيا ولوجستيا لزيادة قدرات إثيوبيا العسكرية، ونقل التكنولوجيا الدفاعية، وتحديث الموجودات العسكرية لإثيوبيا، وإقامة تعاون متبادل بين شركات الصناعات الدفاعية، بأن تحصل تركيا على الدعم الفنى والعسكرى واللوجستى من إثيوبيا مقابل إمدادها بالتكنولوجيا الدفاعية. وجاء في إعلان البيان الختامى لاتفاقية الدفاع المشترك  فتركيا تنقل خبرتها في بناء السدود وتساعد في الدفاع عن السد ضدّ أى تهديد» مما يؤكد أن مصر هى المقصودة من هذه الاتفاقية، نظرا لبعد المسافة بين البلدين مما يؤكد أننا أمام مشروع تركى إثيوبى لإضعاف الدور المصري.

تعهدت تركيا في إطار تعاونها العسكرى مع إثيوبيا بحماية إنشاءات السد بواسطة أجهزة رادارات تركية تستخدم للإنذار المبكر ومد إثيوبيا بنظام صواريخ تركية - إسرائيلية مشتركة الصنع. المؤكد في هذا الأمر أن تركيا تحاول استنساخ ما سمى باتفاقية الرمح الثلاثي، التى وقعتها إسرائيل مع إثيوبيا في عام ١٩٥٦، وكان الهدف منها أيضا هو السيطرة على المياه الإقليمية وفرض نفوذ في منطقة الشرق والقرن الأفريقي من جهة، وإفساد أى توجه مصرى لأفريقيا من جهة أخرى، وهو ما نفس ما تحاول أن تفعله تركيا..

 

*تركيا والصدام مع مصر بعد 30 يونيو 2013 :_

 دخلت تركيا في صدام مع مصر بعد 30 يونيو 2013  خاصة أن تركيا كانت هي الخاسر الأكبر من التغير الحاصل، فعدى تيار الاسلام السياسي المشترك لحكام تركيا والإخوان في مصر، كان للعلاقة المتوقعة بين البلدين أن تعزز نفوذ تركيا في الشرق، وتفتح أسواق مصر الضخمة لاستهلاك صادراتها، مما جعلها تتخذ ردة فعل عدائية ، هذا الرد بدأ بشن تركيا حملة إعلامية ضد النظام المصري، ثم حملة دبلوماسية  وصولًا إلى تعزيز التعاون بينها وبين إثيوبيا ،  عبر عدة صور من التعاون أشهرها هو الدعم التركي لبناء سد النهضة والذي يمثل استكمال بناءه خطراً حقيقياً على مصر واقتصادها وشعبها، وسيؤدي إلى تقلص المساحة الزراعية المصرية بنسبة تصل إلى 25% بحسب الخبراء،

ويشار إلى أن تركيا ضمن قائمة الدول الممولة لسد النهضة من خلال مشروع استثمارى زراعى ضخم، لزراعة مليون ومائتى ألف فدان في منطقة السد، ومع انطلاق المفاوضات برعاية أمريكية سارع الرئيس التركى رجب طيب أردوغان للتحرك في هذا الملف بهدف تفجيره بالتعنت.

 

* دور تركيا المشبوه في دعم اثيوبيا في ملف سد النهضه بهدف الانتقام من مصر ومحاولة تعطيشها وضرب اقتصادها :_

أن أردوغان وضع خطة ذات محاور متعددة لنيل أطماعه، فهو يرى أن السيطرة على إثيوبيا تضمن لها دورا محوريا في المنطقة، حيث تتحكم في منابع النيل الأزرق الذي يشكل ما بين ٨٠٪ و٨٥٪ من إجمالي مياه نهر النيل، ما يجعل جميع دول حوض النيل البالغة ١١ دولة مرهونة بموقف أديس أبابا من بناء السدود المائية وهو ما ظهر جليا في أزمة سد النهضة.

فبحسب موقع المعارضة القطرية قطريليكس، يعد الدور التركى القطرى المشبوه السبب الرئيسى في تعثر مفاوضات سد النهضة في الولايات المتحدة الأمريكية ورفضها للتوقيع، إذ إن وفدا أمنيا قطريا - تركيا سافر إلى أديس أبابا وحمل رسالة مفادها أن الموافقة على المفاوضات المصرية الإثيوبية في الولايات المتحدة ستكون لها خسائر كبيرة لن يستطيع النظام الإثيوبى تحملها

أخبرهم الوفد أن سحب الودائع القطرية والتركية التى تبلغ ٦ مليارات دولار سيعطل بناء السد من الأساس، ويؤخر خطة التنمية الإثيوبية في ظل أزمات عالمية متلاحقة.

وأكد الوفد للسلطات الإثيوبية أنهم لن يجدوا في دول العالم من يقبل بضخ مليارات الدولارات وخاصة بعد نجاح المفاوض المصري في إثبات تعنت إثيوبيا في مفاوضات سد النهضة

لقد نجحت لعبة  أردوغان في مخطط غزوه الناعم لإثيوبيا على وتر العلاقات التاريخية بين الدولة العثمانية وبلاد الحبشة، ونتناول في هذا الجزء تحكم تركيا في الاقتصاد الإثيوبي، ومن ثم السيطرة على دوائر صنع القرار في أديس أبابا.

يبدو أن السيطرة على الاقتصاد الإثيوبي حققت لتركيا أكثر من هدف إذ صارت رقما صعبا في معادلة اتخاذ القرار الإثيوبي وخاصة في ملف سد النهضة كما أشرنا سلفا كما أصبحت المصدر الرئيسي للسلع التي يستهلكها الشعب الأثيوبي، وخاصة مع رفع الرسوم الجمركية على السلع والبضائع التركية

ويتضح بذلك دور تركيا المشبوه في دعم إثيوبيا في ملف سد النهضة، بهدف الانتقام من مصر، ومحاولة تعطيشها وضرب اقتصادها، عبر قوة أنقرة الناعمة وسلاح المساعدات الإنسانية، حتى يجعل لنفسه موضع قدم في المنطقة وأن يكون له مخلب قط لمناكفة مصر كأداة ضغط على القاهرة.