د. محمد فتحى عبد العال يكتب: الرزق بيد الله

د. محمد فتحى عبد العال يكتب: الرزق بيد الله
د. محمد فتحى عبد العال يكتب: الرزق بيد الله

 

كان الجد عدنان شيخا كبيرا يحب أن يجتمع بأحفاده كل خميس ليقص عليهم قصة مفيدة وكان الأحفاد ميسرة وحاتم ونور وأسيل شغوفين بسماع قصصه.

وما أن جاء اليوم المنشود حتى جلسوا ليستمعوا لقصة جدهم.

قال الجد عدنان :

-يا أحفادي الصغار أحفظوا عني فإن الرزق موكول بإرادة الله وإن حيل بينه وبين صاحبه ألف حائل

قالت أسيل : كيف يا جدي؟

-سأقص عليكم يا صغيرتي  قصة توضح ما أقول. في عصر الخليفة المأمون وكان خليفة للمسلمين كان هناك كاتب يسمى الهبيري كان شيخ كبير مثل جدكم عدنان واستغني الديوان عنه لكبر سنه

قال حاتم : وماذا فعل يا جدي بعد أن فقد وظيفته.

-ظل مرابطا يا أحفادي عند وزير المأمون أحمد بن خالد لا يبرح مكانه حتى يقابله والوزير يتهرب من مقابلته.

قالت نور : مسكين عم الهبيري ماذا فعل بعد ذلك؟

-استمر يا نور يأتي كل يوم ولا يبرح باب الوزير حتى ضج منه وأمر حاجبه أن يخبره أنه لا يريد رؤيته مرة أخرى.

لكن الحاجب يا أحفادي كان رقيق القلب محافظا على ما سبق من مودة مع الشيخ العجوز فأخرج من جيبه خمسة آلاف درهم ودفع بها للهبيري متظاهرا أنها منحة من الوزير حتى يدبر له عملا.

قال ميسرة : فعل طيب يا جدي جزاه الله عنه خيرا وهل قبل الهبيري العطاء؟

-لا يا بني رفض بشدة فهو يريد أن يكسب بعمله ولا يريد تفضلا من أحد  فاعترف الحاجب أن المال ماله الخاص وأنه اضطر لذلك حتى يدفع عن نفسه الحرج في إبلاغه برسالة الوزير الحقيقة وانه لا يريد رؤيته مجددا

قال حاتم :موقف صعب وماذا فعل الهبيري؟

-انفعل الهبيري وقال أبلغ الوزير إن قسم الله لي شيئا من جهته أتاني رغما عنه وهو ما قد كان

-كيف يا جدي قالها الأحفاد الأربعة في تشوق لمعرفة ما حدث؟

-سأقول لكم في إحدى المرات دخل الوزير على الخليفة وليس في ذهنه سوى رد الهبيري الذي وصله عن طريق الحاجب وأزعجه وعكر صفو مزاجه.

كان الخليفة في هذه اللحظة يبحث عن من يوليه ولاية مصر ويكون أمينا وعادلا فطلب من الوزير أن يرشح له أحدا  فقال الوزير: ارشح لك يا مولاي الهبيري أقصد الزبيري.

قالت نور : سبحان الله يا جدي لقد أجرى الله على لسانه قدرا سعيدا للهبيري.

-ما شاء الله يا نور ممتازة  على دقة ملاحظتك

وهذا ما حدث فعلا فقد حاول الوزير الاستدراك وإصلاح الاسم لكن المأمون علق بذهنه الهبيري فسأل عن أحواله وتحدث عن سبق صنيعه مع أبيه الرشيد والوزير يحاول التحجج بعدم صلاحيته للولاية دون جدوى حتى قال له المأمون: أرى منك تحاملا على الرجل اصدقني في أمره فقص عليه ما كان فقال المأمون: لقد صدق والله أجرى رزقه على يديك بالرغم منك.

فخرج الوزير فوجد الهبيري منتظرا فقال له: لقد جاء رزقك على يدي بالرغم مني كما قلت  وسلمه أمر الخليفة بالولاية.

-جميل يا جدي قال الأربعه معا.

-نعم يا أحفادي فالرزق رزق الله يؤتيه بحكمته من يشاء وما علينا سوى مواصلة السعي والكد حتى نبلغه مهما كانت المصاعب.

 

 

د. محمد فتحي عبد العال