إدوارد فيلبس جرجس يكتب: امرأة تحت سيف الأقدار (الجزء 13)

إدوارد فيلبس جرجس يكتب: امرأة تحت سيف الأقدار (الجزء 13)
إدوارد فيلبس جرجس يكتب: امرأة تحت سيف الأقدار (الجزء 13)

قال سليم فرحاً :

_ نجاح جديد تضيفيه إلى نجاحاتك السابقة .

وقالت ناديه :

_ هذا الفيلم حقق لي نجاحا معنويا أكثر منه ماديا .

سأل سليم :

_ الفيلم ضرب رقما خياليا في عالم المادة وطار بك إلى السماء في عالم الشهرة ، لكن لست أفهم ما ترمين إليه من نجاحك المعنوي.؟ ..
وأجابت ناديه: 

_ أنت تعلم أن النجاح المادي والشهرة حققتهما من أول فيلم ، لكن النجاح المعنوي حققته في هذا الفيلم ، الذي أبرز دور المرأة في الحياة وفي المجتمع ، وأنها ليست سلعة ترفيهية لإرضاء شهوات الرجل .

_ ما دمت تطرقتِ إلى الحديث عن المرأة والرجل ، أريد أن أسألك ، من هو السبب في محاولة وضع المرأة في دائرة العبودية ونظام الجواري الرجل أم المرأة ؟

قالت نادية بلهجة ساخرة :

_ الرجل بالطبع ، الرجل يسعى دائما لأن يكون المسيطر والمهيمن على المرأة وخاصة في المجتمعات الشرقية ، بل هناك من يصف المرأة بأنها عورة ، ووصل به التفكير الجاهلي بأن المرأة  يجب أن توضع في قمقم بسدادة، تقفز منه عند رؤية سيدها وتاج رأٍسها لتخرج له ساجدة قائلة .. أمر مولاي وسيدي ..

_ ألا ترين أنك تشتطين في حكمك على الرجل ؟

_ أنني لا أُعمم ، فهناك رجال يرون في المرأة الرفيق المتساوي في طريق الحياة ، وأعتقد أن ما حققته المرأة في جميع الميادين ما يؤكد ذلك.

قال سليم مبتسما :

_ بالضبط كما تقولين فكما يوجد بين الرجال من يسيء إليهن ، فهناك أيضا في النساء من تسيء إلى باقي النساء ، بتصرفاتها التي تعلن أن المرأة هي التي تسعى لأن تكون تابعة للرجل وليست رفيقة .

ضحكت ناديه قائلة :

_ هل تقصد أن الخطأ متبادل بين الرجل والمرأة .. عموما في الفيلم أنا دافعت عن المرأة وعليك أنت أن تدافع عن الرجل .

قال سليم وفي عينيه رجاء :

_ سأدافع عن نفسي فقط أمام ظلمك لي .. ألم يأت أوان الفرح لنعلن خطوبتنا ،  أسبح في الهواء ولا أعرف متى ستستقر قدماي فوق الأرض . لا أمانع أن تسجنيني في قمقم بسدادة ، وحين أسمع صوتك أقفز قائلا ، أأمريني يا سيدتي وتاج رأسي فأنا خادمك المطيع ..

_ كفى .. كفى .. فأنت على وشك أن تصفني بأني جلادة وبيدي السوط .ألا تعلم إني أنتظر هذا اليوم مثلك بالضبط وقد يكون أكثر ، ولكي تؤنب نفسك ، سأقول لك ما جئت أخبرك به اليوم  .

قال سليم وهو ينحني مستظرفا :

_ أرجو المعذرة يا مولاتي لم أكن أقصد أن أضايقك ، لكن قلبي فاض به كيل حبك ، وأنت تعلمين أن ليس لي سوى قلب واحد .

قالت ناديه وبعض من حمرة خجل على وجهها :

_ قل لي يا سليم .. كثيراً ما أشعر بالدهشة ، فأنا أعلم مقدار حبك لي لكن ما يحيرني هو موقفك .. فكثيرا ما حانت لك الفرصة لكي تقبلني لكنك لم تفعل !!

قال سليم وهو يقبل يدها :

_ هل تعلمين لماذا .. لأني مريض  .. وشفائي لن يكون إلا على يديك ، لا أريد مسكنا وقتيا  ، أطلب علاجا كاملا بين أحضانك .. فهل تأخذك الرأفة بي وتحددي موعداً للعلاج .

قالت ناديه ضاحكة وهي تربت فوق يده بحنان .

_ هذا ما أود أن أحدثك به يا سليم .. لقد آن الوقت لنحدد موعداًلخطوبتنا ، ثم بعدها بفترة قصيرة نحدد موعد علاجك حتى لا يؤنبني ضميري . والآن يجب أن نتخذ خطوة جادة .. أريدك أن تعمل معي ، تساعدني على إنشاء شركة إنتاج سينمائي تكون أنت مديرها .. وعليك أن تتخلص من دكانك بالشارع الضيق لتتفرغ للعمل الجديد .

_ يعز علىّ أن أتخلص من هذا الدكان ، ففي الشارع الضيق امتلأت عيناي بك ، وأرفف الدكان تحمل أحلامي .

قالت ناديه ونظرة حنان تملأ عينيها :

_ لست في حاجة إليها ، الأحلام ستتحول لحقيقة .

_ أستكثر على نفسي هذه الفرحة ، وأشعر بخوف لا أعرف كنهه .

_ لماذا هذا التشاؤم الذي قفز عليك فجأة .. ما الذي يخيفك .. نحن كآلاف البشر الذي جمع بينهم الحب وساروا في طريق السعادة ؟!

 

 

 

 

**********

      وقف الضابط خالد أمام الجوكر معربا عن امتنانه الذي لا يوصف ، كان لقرار نقله للعمل بمكتب الجوكر ليكون في خدمة حامد النجار ، أسوة بصديقه وائل  وقع لا يُستهان به داخل نفسه . الطريق الآن مفتوح أمامه  للوصول إلى طموحاته ، حامد النجار قوة لا يستهان بها ، لم يكن قرار نقله لكفاءة خاصة ، لكنها كانت خطة من الجوكر ليفتح الطريق أمام رئيسه حامد النجار لمغامرة جديدة في عالم النساء ، تكون بطلتها فجر والدة خالد .

نظر وائل إلى الجوكر وقذف بقنبلته وهو يقول مقهقها :

_ لقد ضمنا الآن أن نشاهد العرض الخاص لأفلام النجمة ناديه كرم قبل أن تطرح في السوق.

قال الجوكر متسائلا :

_ وما علاقة خالد بهذه الفاتنة .

_ علاقة وثيقة يا باشا .. النجمة الشهيرة لن ترفض دعوة أصدقاء أخيها .

وقف الجوكر بحركة لا إرادية وهو يحدق في وجه خالد وموجها كلامه لوائل :

_ هل تقصد أن النجمة ناديه كرم .. هي أخت خالد ؟

_ نعم يا باشا .. شقيقته الوحيدة  .

نظر الجوكر إلي خالد والابتسامة تملأ وجهه قائلا :

_ لم تخبرني من قبل أنك تمتلك كثيرا من المواهب .

أجاب وائل مسرعا وضحكة قواد تملأ فراغ الحجرة :

_ تواضعه يملي عليه دائما أن يكشف عن مواهبه تدريجيا .

عاد الجوكر إلي مكانه وخياله يمرح في هذه المفاجأة .. أي ريح طيبة قذفتك علينا يا خالد .. في منزلك كنز  يجب أن نقدمه لحامد النجار .. هذا الكنز سيضعني في مرتبة أعلى أمام عينيه والمكافأة ستكون سخية بل سخية جدا .

نظر إلى خالد نظرة جديدة تفوق سابقتها ، قال وهو يهز رأسه مؤكداً :

_ سأنتهز أول فرصة لتقديمك إلى حامد باشا .. ثم غامزا بعينه .. وأنت عليك أن تنتهز أول فرصة لإقامة حفل في القصر ، اعتقد أن حامد باشا لن يحرمك من شرف تشريفه . أنت في أول الطريق ، تلزمك الفرصة لتبدأ أقدامك نحو المستقبل الذي يليق بمواهبك ( غامزاً بعينه ) من الأفضل أن يكون هذا الحفل مقتصرا علينا وبعض الأصدقاء الموثوق بهم .

_ سيكون شرفاً كبيراً لي يا باشا ، قال خالد غير غافل عن تلميحات الجوكر .

وقال وائل وهو ينظر إلى الجوكر مبتسما :

_ وأنا ألن يكون لي نصيب في بعض الخطوات مثل خالد .

قال الجوكر  بلغة القواد الكبير التي يفهمها القواد الصغير :

_ بالطبع سيكون لك نصيب كبير .. ألم تسمع عن المثل الذي يقول من جاور السعيد يسعد.

 

**********

      الهدوء يشمل قصر جاد الكومي ، الساعة جاوزت الثانية بعد منتصف الليل ، وبالرغم من تأخر الوقت ، اضطر رمزي صديق رشاد أن يذهب معه ، بعد أن انتهيا من مراجعة دروسهما في منزله لاستعارة أحد الكتب ، صعدا إلى الطابق العلوي حيث غرفة رشاد ، توقف رشاد أمام أحد الغرف كانت مخصصة للضيوف ، نما إلى سمعه من داخلها همسات غريبة ، فتح باب الغرفة واشعل الضوء ثم أطفأه سريعا . كانت هذه اللحظات كافية لأن تلُم عيناه بكل ما يحدث بالغرفة ، وأن تجعل الدماء الساخنة تصعد إلى رأسه ، المشهد لا يتناسب مع تركيبة عقله وسلوكياته ، أخوه  "علي " مع إحدى العاهرات . كحارس ليلى وقف أمام باب الغرفة في انتظار مواجهة الأخ الفاسق ، حاول رمزي أن يصطحبه لغرفته ويؤجل المواجهة إلى أن تهدأ الأمور ، رشاد صاحب الفضيلة لم يطق أن يغادر مكانه قبل أن يحاسبهما . فُتح الباب وظهر "علي " وغضب شهوته التي أُهدرت يعمي بصره ، هوى رشاد على وجهه بصفعة اهتزت لها الجدران ، بوغت " علي " بالصفعة من أخيه الذي يصغره بثلاثة أعوام ، وضع يده يتحسس مكانها المؤلم ، كانت هذه فرصة لرفيقة الليل لتطلق ساقيها للريح متخذة طريقها للباب الخارجي . كان هروبها مشجعاً لأن يستعيد  "علي " جزء من توازنه المترنح تحت ثقل وجبة ثقيلة من المخدرات ، هروبها يعني هروب جسم الجريمة ، لم يتمهل وأمسك بتلابيب رشاد ، ألقى رمزي بنفسه بين الأخوين مجاهدا لأبعادهما عن بعضهما ، نجح قليلا ، لكن " علي " كان قد استل مطواته وهو في حالة من اللاوعي محاولا أن يدُسها في جسد أخيه ، حادت المطواة عن طريقها لتستقر في جسد رمزي ، صرخ ووقع على الأرض والدماء تندفع كالصنبور من جرحه ، ألقى "علي " المطواة وتبخر من أمامهم في ثوان . أطلق رشاد صرخة أيقظت أهل البيت ، تجمع الجميع حول رمزي والدماء تنزف منه ، قفزت ناديه نحو الهاتف لتستدعي الإسعاف ، قفز خالد خلفها يرجوها ألا تفعل حتى لا تتسبب في فضيحة وأنه سيتولى هو نقله سريعا لمستشفى خاص ويعالج الموضوع بنفسه ، حتى لا يتورط أخوها " علي " في جريمة ثانية  وجريمته الأولى لم تجف بعد . انفجرت ناديه تنعت أخاها " علي" بأبشع الألفاظ مصرة أن تُبلغ الشرطة . لكن رمزي بالرغم من آلامه ، أشار لها بيده ألا تفعل من أجل صديقه رشاد . الأب الفاسد وقف يعنف رشاد على تدخله فيما لا يعنيه ، انفجر رشاد في وجهه بأنه هو المسئول ، وأنا ما حدث ما هو إلا نتيجة إغماضة عينه عما يحدث من موبقات داخل منزله ، حاول الأب صفعه ، حالت ناديه دون ذلك متكاتفة مع أخيها رشاد الذي ترى فيه إشراقة جميلة ، تختلف عن ظلمات باقي أهل المنزل ، أقسمت أن تترك لهم القصر وتأخذ معها رشاد حتى لا تتلوث عينيه بمناظر السوء .

لم يحد والد رمزي عن نبل ابنه ، لم يشأ أن يجرح رشاد صديق ابنه بالإبلاغ عن فعلة " علي " أخيه ، كاد أن يخرج عن هدوئه ، عندما عرض عليه " جاد " مبلغا من المال ، وهو يظن أنه بذلك يضمن سكوته .

نفذت ناديه تهديدها ، تركت لهم القصر ليمرحوا في هوانهم ، اصطحبت معها أخاها رشاد وأقامت في شقة جديدة ، وافقها سليم على خطوتها بعد أن قصت عليه مأساة أهل منزلها ، وبأنها تريد أن تخرج عن دائرة أفعالهم المشينة .

في مقابلة بين ناديه وسليم أسرت له بأنه آن الأوان ليزينا إصبعيهما بخاتم الخطوبة ، على أن يكون ذلك بصفة سرية لا يتعدى الخبر أخاها رشاد وصديقه رمزي بعد أن تماثل للشفاء ، أما الحفل والإعلان عن خطوبتهما فليكن في وقت لاحق ، وافق سليم فورا ، لم يكن يعنيه في الأمر كله إلا أن تكون ناديه له .

اقترح رمزي أن يذهبوا إلي الشيخ نديم لينال الخطيبان بركته ودعاءه ، توجه أربعتهم ناديه وسليم ورشاد ورمزي إليه ، لم تدر ناديه لماذا شعرت بالارتياح في جلستهم معه ، تستمع لرجل دين متفتح ، جمع بين الدين والدنيا في قالب مثالي لما يجب أن يكون عليه سلوك البشر . استمعت ناديه إلى أرائه المثقفة في الفن معجبة بها ، الفن النظيف في نظره جزء من ثقافة المجتمع ، والأفلام الهادفة هي وسيلة لراحة العقل المنهك دوما في العمل ، والدين لا يمنع المجتمع من أن يتمتع بالوسائل الترفيهية التي لا تضر به . انتهي اللقاء مع الشيخ نديم ونظر رشاد نحو رمزي ضاحكا وقال :

_ ألا ترى معي أن نمتعهم أيضا بجلسة مع الأب يعقوب .

 أظهر سليم وناديه ترحيبا ، لم يندما على هذا اللقاء الذي أثبت لهم أن رجل الدين في كل طائفة أو عقيدة عندما يسمو فكره ، ويرتقي فوق خزعبلات البعض ، الذين يحاولون أن يحولوا بها الأديان لأسوار عالية تسجن خلفها معتنقيها ، يكون كالربان الماهر الذي يبتعد بالسفينة عن تهديدات العواصف التي يمكن أن تحطمها بمن فيها . تركوا الأب يعقوب تلاحقهم دعواته بالبركة والنجاح في حياتهم. 

 

إدوارد فيلبس جرجس

edwardgirges@yahoo.com

**********************