ريتا علي يكتب: سلسلة سرقة الآثار السورية في الحرب الأخيرة عليها (3)

ريتا علي يكتب: سلسلة سرقة الآثار السورية في الحرب الأخيرة عليها (3)
ريتا علي يكتب: سلسلة سرقة الآثار السورية في الحرب الأخيرة عليها (3)

بعد السطو على الأرض... تركيا تسرق تاريخ سورية وآثارها:

تركيا تستبيح آثار سورية، وتنهب آلاف السنين من الشواهد التاريخية والأوابد الأثرية السورية..

إنَّ قضية سرقة الآثار هي قضية سرقة للتاريخ.. كما سُرقَ الحاضر عبر سرقة منازل المدنيين وسرقة خيراتهم، فإنّهم سرقوا ويسرقون التاريخ..

لا تقتصر مخاطر الحروب على حياة الإنسان وتهديد وجوده، وتدمير البنى التحتية للدول فحسب؛ بل إنّها تُهدّد جذور الإنسان وامتداده التاريخي أيضاً؛ من سرقةٍ للتاريخ أو تدميرٍ للآثار والشواهد المُوغلة في القِدَم، ومن الأمثلة الصارخة في هذا الإطار؛ ما تقوم به القوات التركية في المناطق التي تحتلها من سورية؛ بدعمٍ من الفصائل السورية المسلحة الموالية لها.

وعلى مدى السنوات الخمس الأخيرة؛ احتلت تركيا العديد من المناطق السورية التي تزيد مساحتها على (8800) كم مربع؛ فإلى جانب أغلب محافظة إدلب السورية المحاذية للحدود معها؛ والتي تضمّ كَمَّاً هائلاً من الآثار والمواقع التي تعود إلى حقبٍ تاريخية وحضارات مختلفة؛ بعضها يعود إلى الألف الخامسة قبل الميلاد؛ هذه المنطقة الحافلة بالشواهد التاريخية تضم آثاراً تعود إلى الحقب الحثية؛ الآرامية؛ الآشورية؛ اليونانية؛ الرومانية؛ البيزنطية؛ وصولاً إلى العصور الإسلامية؛ حيث تحتضن أكثر من 400 موقع أثري؛ من بينها على سبيل المثال لا الحصر؛ تل عين الكرخ؛ مملكة إبلا؛ تل مرديخ وغيرها الكثير من المدن والمواقع الأثرية التي تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد، والتي أصبح مصير أغلبها مجهولاً منذ الاحتلال التركي للمحافظة..‘لى جانب ذلك تحتل تركيا مناطق أخرى مثل عفرين؛ سري كانيه/رأس العين؛ كري سبي/تل أبيض؛ جرابلس؛ أعزاز؛ الباب وغيرها الكثير من المدن والبلدات والقرى التي يزخر قسم كبير منها بكنوز أثرية لا تقدَّر بثمن، والتي باتت في مهبِّ الريح؛ من جرَّاء عمليات النهب والسلب الممنهجة من جانب القوات التركية لهذه الآثار والأوابد التاريخية؛ بدعمٍ وتواطؤٍ من الفصائل السورية المسلحة الموالية لها.

 

 

 

مناطق "نبع الإسلام.. نبع الدّم" :

إنًّ الحكومة التركية تلتزم في عملياتها وهجماتها على سورية بتسمياتٍ لا ترتبط بواقع الحرب والقتال، فتطلق على كل هجوم وتهجير واغتيالات، صفات مثل "نبع السلام"، و"درع الربيع" وغيرها من العناوين التي تستحق أن توضع لروايات أدبية خيالية، عوضاً عن إطلاقها على حروب يذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى، عدا عن الذين يتركون بيوتهم ويلجؤون إلى دول العالم بعيداً من القتل والترهيب.

وفي كلّ فترة يشهد المجتمع الدولي نماذج جديدة للسيطرة والتخريب التركيين، آخرها وجديدها محاولة محو الذاكرة الإنسانية التاريخية للسوريين عبر سرقة آثارهم.

 

 

تركيا والشمال السوري:

في الشمال السوري، تواصل القوات التركية الحفر والتنقيب عن الآثار في مناطق مختلفة مثل "تل حلف"  الخاضعة لعملية "نبع السلام" في ريف الحسكة، أين استخرجت لقى أثرية وفخاريات من الموقع الذي تتمركز فيه، أعلى التل الأثري.

ويقع تل حلف، على بعد (3) كيلومترات جنوب غرب منطقة رأس العين، ويضمّ آثاراً من الألفية السادسة قبل الميلاد.

ويجند ضباط المخابرات التركية فصائل محددة لتنفيذ الحفريات والبحث عن آثار في أحياء المحطة، والعبرة، والكنائس في مدينة رأس العين، (سري كانييه) بالكردية، في ريف الحسكة، وهي أحياء قديمة، في تتذرع الفصائل لتبرير حفرياتها، بالبحث عن أنفاق حفرتها قوات سوريا الديمقراطية قبل خروجها من المنطقة.

ويضم شمال غرب سورية نحو (40) قرية، بينها باقرحا، التي تعود إلى ما بين القرنين الأول والسابع للميلاد من الحقبة البيزنطية، التي وضعتها اليونسكو على قائمة التراث العالمي. لأهميتها التاريخية والإنسانية.

وتضم المنطقة، وفق موقع اليونسكو، معالم أثرية متنوعة، مثل المساكن، والمعابد الوثنية، والكنائس، والأحواض، والحمامات العامة، و"تُعد دليلاً مهماً على الانتقال من التاريخ الوثني للإمبراطورية الرومانية إلى الحقبة المسيحية في العصر البيزنطي".

 

 

تركيا تمنع السكان من الاقتراب :

كما نقل المرصد عن مصادر قولها إن السلطات التركية والفصائل الموالية لها تمنع دخول هذه الأماكن وتعرض كل من يحاول الاقتراب من مواقع الحفر لأقسى العقوبات.

الآثار التي سرقها سابقاً تنظيم “الدولة الإسلامية” بيعت في تركيا، والآثار التي سرقتها “جبهة النصرة” وكل من حمل السلاح في سورية “بيعت في تركيا”:

وعرض تجار آثاراً في إسطنبول في الأشهر الماضية لقى فخارية، وقطعاً فنية، ولوحات فسيفساء تاريخية بأحجام كبيرة تقدر بملايين الدولارات، لبيعها في الأسواق السوداء، بعد سطو الضباط الأتراك عليها وتوزيعها فيما بينهم، مقابل القليل للميليشيات السورية المحلية الموالية لهم في المنطقة.

عندما كانت “داعش” تسرق آثار تدمر وتأتي بها إلى منطقة الباب التي كانت تحت سيطرة “داعش” على الحدود السورية – التركية، وبعد ذلك تباع داخل الأراضي التركية، كانت المخابرات التركية تعلم بذلك.

هذا ويستمر الجيش التركي حتى اللحظة بعمليات تخريبه للمواقع الأثرية السورية، عبر حفرها والتنقيب عن الآثار فيها بغرض سرقتها وتهريبها خارج البلاد، ونقل تلك المسروقات إلى الأراضي التركية وبيعها هناك بمبالغ طائلة، كلّ  ذلك يحدث برفقة خبراء أجانب يمتلكون أجهزة لكشف المعادن تحت الأرض.

عمليات النهب والسرقة هذه ليست سوى نقطة في بحر الانتهاكات الجسيمة التي تمارسها تركيا في المناطق التي تحتلها من سوريا؛ بمساندة الفصائل السورية المسلحة الموالية لها، ويرى المختصون في الشأن التركي أن «هدف أنقرة من وراء سرقة وتدمير الآثار ليس ملايين الدولارات التي تجنيها من بيعها فحسب؛ بل تهدف كذلك إلى طمس الحقائق التاريخية والشواهد الحضارية التي تحكي قصص شعوبٍ ومِللٍ ونِحل عاشت ومرَّت من هناك، وتغيير التركيبات البشرية والعرقية في المناطق المحاذية لحدودها على وجه الخصوص؛ تماماً كما كانت تفعل خلال حقبة الاحتلال العثماني.