قمة شرم الشيخ الاستباقي المصري السعودي في ظل نظام عالمي يتشكل.. بقلم د. مريم المهدي .

قمة شرم الشيخ الاستباقي المصري السعودي في ظل نظام عالمي يتشكل.. بقلم د. مريم المهدي .
قمة شرم الشيخ الاستباقي المصري السعودي في ظل نظام عالمي يتشكل.. بقلم د. مريم المهدي .

_ ونحن نتحدث عن أهمية وجود نظام عربى وإقليمى قوى، فنحن نتحدث عن ضرورة استعادة القدرة العربية على حفظ التوازن الإقليمى والاستراتيجى، واستعادة المبادرة، بعد سنوات واجهت فيها المنطقة تحولات هددت بعض الدول، وأطاحت بالبعض الآخر إلى مصائر مجهولة.

جاء مؤتمر شرم الشيخ  مؤخرا بين  الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمير محمد بن سلمان علامة على كثافة المشاريع السياسية والاقتصادية التي تجمع مصر بالسعودية. مع اشتداد احتمال ازدياد الحرائق بالمنطقة، وتوسّع إمكانات الاضطراب تأتي زيارة الأمير لمصر لتثبيت عرى التوافق في مجمل الملفات. وما كانت مصر يوماً بعيدة عن السعودية، ويمكن لأي دولة أن تتمايز عن الأخرى ببعض الرؤى، وقد قالها الأمير من قبل إن التطابق ليس شرطاً لأي تحالف. إن اللقاء الاستراتيجي بين السعودية ومصر والإمارات يمثل ذروة النفوذ المعتدل في المنطقة، وصمام الأمان بوجه عاتيات الرياح.

 

* اهمية تصريح الرئيس السيسي:

صرح الرئيس السيسي بأن الإرهاب تمت محاربته بالتوازي مع حركة التنمية، وهذا بيت القصيد في التطور الاقتصادي الذي تقوده السعودية وتؤثر به على دول المنطقة، فالمروحة الاقتصادية التي مثلتها رؤية الأمير 2030 أثرت على عدد كبير من دول المنطقة واستفادت منها، وحتى مجرد أن تهمّ دولة باللحاق بهذه الرؤية أو احتذائها واقتفاء أثرها أو وضع شبيهٍ لها، هذا بحد ذاته يبين الثقل السعودي ومدى تأثيره على المحيط. نعم تمت مواجهة الإرهاب بالتوازي مع التنمية، وهذا تصريح مهم ينقض المقولات القديمة ومنها ما ارتبط بالفترة القومية أن التنمية تأتي بعد هزيمة إسرائيل، فلا حدثت تنمية، ولا هزمت إسرائيل، ونتج عن ذلك ترهل في كل المستويات لدى الدول التي ألقت بكل ثقلها مع القضية الفلسطينية، بينما دول الخليج أكملت إرساء بنيتها التحتية مع دعم الفلسطينيين بحقهم المشروع. تشهد مصر هذه الأيام تنفيذ أحكام بحق الإرهابيين، ومع ذلك تدشن العديد من المشاريع بالشراكة مع أصدقائها الفاعلين، وعلى رأسهم السعودية بوصفها ذات الاقتصاد الأقوى، هنا الفاعلية السياسية.

 

 

  * الفكر السعودي المصري المشترك ودعم الاستراتيجيه التي حققها الرئيس السيسي :

والسعودية تدعم المكاسب الاستراتيجية التي حققتها إدارة السيسي، ثمة نقاط كبرى سجلت في ليبيا، وقدمت مصر دعماً سياسياً قوياً للسودان، حيث صرحت الإدارة السودانية بأن السيسي ألقى بثقله العالمي من أجل ما وصل إليه السودان اليوم من انفراج كبير، هذا مع التنسيق الكبير بالطبع مع السعودية والإمارات، أما نجاح مصر في مبادرة وقف إطلاق النار بغزة فقد كسبته على مستويين، أولهما: نزع فتيل الأزمة بمنطقة مثل غزة هي جزء من فضاء الأمن القومي المصري، والثاني: اقتناع الإدارة الأميركية بضرورة التواصل مع السيسي بعد هذه الأزمة ويقينها بأن الدور الذي يقوم به من أجل إطفاء الحرائق له قيمته بعد أن كانت تشيح بوجهها عنه.

 

 

 * قضية اصلاح الفكر الديني الهامة  في السعوديه ومصر:

ان من اهم القضايا التي  تجمع مصر بالسعودية قضية الارتقاء بالفكر الانساني بالتصحيح  بما يقبله العقل والمنطق ، وهو الإصلاح الديني، وقد ضرب الأمير محمد بن سلمان أمثلة لذلك في حواره التلفزيوني، قطار التنمية أخذ مساره، وإصلاح القوانين قد بدأ بالفعل، والتغيير الاجتماعي قطع شوطاً جيداً، بقي فقط الهمّ لإصلاح فهم المسلمين للإسلام. ما تحدّث به الأمير يعني أن الخلل قائم حتى الآن في فهم روح الإسلام وتعاليمه، يمكن لمصر أن تكون شريكة للسعوديين في هذا المشروع الكبير وذلك عبر شراكة المؤسسات بين البلدين، ثمة تجارب إصلاحية بمصر والسعودية، الإصلاح الذي قاده الإمام محمد عبده لا يمكن اللجوء إليه في هذا العصر، كذلك الحركة الإصلاحية التي قادها الإمام محمد بن عبد الوهاب فقد مضى عليها أكثر من ثلاثة قرون، التحديات التي يواجهها المسلمون اليوم تختلف جذرياً عن التي عالجها الإمامان في عصريهما المختلفين. إن حركة تصحيحية كبرى لمجمل الفهم للإسلام باتت ضرورية للغاية بعد أن نجحت خطط التنمية، لا بد من الالتفات للإصلاح الديني عبر عملٍ مؤسسي شامل.

 

 

* تحولات كبرى كادت توشك أن تمس الأمن الإقليمي وتودي بالمنطقه باكملها الي الجحيم:

اهمية تصريحات الرئيس السيسي بعد لقاء الأمير بأن ما يجمع بين السعودية ومصر الاتفاق بين القيادتين على القضايا المشتركة، ومعهما التوافق والتعاضد بين الشعبين، وهنا نوضح أن التحديات التي واجهتها مصر كانت السعودية في طليعة المنقذين، حيث أسهمت السعودية في إنجاح ثورة يونيو (حزيران) التي قادها أبناء الشعب المصري ضد حكم الإخوان المتطرف والجائر، ودافع قادة البلاد عن مصر في جميع المحافل الدولية، ووضعت السعودية أمن مصر من أمنها وكانت مرحلة كسر عظم مع الأميركيين.

نحن نشهد موجة تحولات كبرى توشك أن تمس الأمن الإقليمي كله، الحركات التي نعتبرها إرهابية، تعتبرها دول غربية منظمات سياسية، ثمة انتعاش لحركة طالبان بعد الانسحاب الأميركي، ما جعل حكمتيار يصرح بأنه انسحاب يجر إلى الدم، وكذلك الأمر في مهادنة جماعة الحوثي، والتفهم لموقع نصر الله في الواقع اللبناني، وقل مثل ذلك عن جماعة الإخوان المسلمين التي تدافع عن وجودها في الحكم دول ومؤسسات غربية، وتنظيم داعش كل إمكانيات انبعاثه مجدداً متوافرة، والأخطر منه احتمالات عودة تنظيم القاعدة بشكلٍ أشرس وخصوصاً بعد خطط الانسحابات الأميركية من أفغانستان والعراق.

بإمكان الشراكة بين مصر والسعودية تحقيق قدر عالٍ من التنسيق للاستعداد لأي حرائق محتملة، ما مر به الفلسطينيون من ضربات إسرائيلية بسبب تهور حماس يجب ألا يتكرر، وما عصف بالمنطقة من إرهاب من قبل الحركات الأصولية يمكن العمل من خلاله بشكل مكثف على تقليل احتمالات عودته.

كانت المنطقة ستذهب إلى الجحيم، لولا التنسيق الثلاثي السعودي المصري الإماراتي، هذه القوى المعتدلة لجمت الكثير من المشاريع الجهنمية.

إن السلاح الأساسي بيد هذه القوى المعتدلة يتمثل في الآتي، التنمية بيد، وضرب الإرهاب باليد الأخرى، لا يمكننا الانتظار، ليس هناك وقت للتأجيل، الوقت يداهم الجميع، هذا ما تمثله بالفعل القمة الاستثنائية في شرم الشيخ.

 *  وسواء اتفق البعض أو أنكر وجود خطط للتفتيت وإعادة التقسيم، فإن الواقع وما جرى، على مدى عقدين، كاف للبرهنة على حجم الخطر الذى واجهته المنطقة بشكل مؤكد.

ويكفى تطبيق الأمر على ظهور تنظيم داعش تزامنًا مع صعود تنظيمات متطرفة إلى السلطة فى بعض الدول، لنكتشف أن الأمر لم يكن مجرد مصادفات، بل هى نتائج تقوم على مقدمات، خاصة أن داعش ظهر فى وقت متزامن مع تحركات اتخذت فى البداية أبعادًا جماهيرية، لكنها مع الوقت أسفرت عن وقائع أخرى.

 

 

* حرب مصر علي الارهاب هي الاشد ضراوة وعمقا:

واللافت للنظر، أن مصر تعرضت لهجمات الإرهاب، تزامنًا مع صعود داعش فى الشام والعراق، وإعلان دولة الخلافة المزعومة بقيادة أبو بكر البغدادى، وعندما تصدت مصر كانت تعى أن الإرهاب ليس تهديدًا محليًا، لكنه جزء من شبكات علنية وسرية، تتقاطع مع تنظيم الإخوان أو التنظيمات المتطرفة وتقف خلفها شبكات تمويل ضخمة، ولهذا كانت حرب مصر ضد الإرهاب هى الأكثر اتساعًا وعمقًا، ومع هزيمة الإرهاب فى مصر تراجعت قوة داعش وتوابعه فى أكثر من دولة.

 وحرصت مصر والرئيس عبدالفتاح السيسى، طوال هذه السنوات على التعامل مع الإرهاب والتهديد، باعتباره قمة الجبل الظاهرة، وأن المواجهة يفترض أن تشمل كل الجيوب والامتدادات، كانت مصر تواجه حربًا متعددة الأطراف، تتم بالوكالة عن دول وتنظيمات، ولم يكن الإرهابيون سوى الجزء الظاهر، ولهذا حرصت الدولة المصرية على مواجهة كل عناصر التهديد والحملات الدعائية، ونجحت فى تحييد الكثير من هذه النقاط، بالكثير من الجهد، ومن خلال عمل فى كل الاتجاهات.

 

 

* الدول الكبري  مشغولة  بمصالحها واهدافها في ظل تحولا ونظاما عالميا جديدا يتشكل:

وقد تزامن هذا التحول، مع واقع دولة يشهد توترًا وإعادة بناء للعلاقات الدولية، وسط منافسات اقتصادية وسياسية، ظهرت فى صراع واتهامات بين روسيا والولايات المتحدة على خلفية اتهامات لروسيا بالتدخل والهجوم السيبرانى على الولايات المتحدة، فضلًا عن الصراع التجارى بين الصين وأمريكا والذى بلغ أقصاه فى عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، وما يزال قائمًا، مع تفكير أمريكى فى سحب القوات من العراق وأفغانستان.

وجاء الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى، والذى لا تزال تأثيراته قائمة، بل إن بريطانيا قد هاجمت أوروبا أثناء انعقاد قمة السبع الكبار، بسبب قواعد التجارة البينية. واليوم تستمر الاتهامات بين أوروبا وأمريكا من جهة، والصين من جهة ثانية، بينما التقى الرئيسان الروسى والأمريكى، فلاديمير بوتين وجو بايدن، فى القمة الأولى بينهما فى جنيف لبحث العلاقات الثنائية وعدد من القضايا الدولية، وصدر إعلان مشترك بشأن إطلاق «الحوار الثنائى الشامل حول الاستقرار الاستراتيجى» بين البلدين.

كل هذا يشير إلى أن الدول الكبرى لا تزال مشغولة بمصالحها وأهدافها، وأن هناك نظامًا عالميًا يتشكل، وعلى العالم العربى أن يكون جاهزًا للتعامل مع هذا الواقع بتصورات وخطط، تناسب ما يملكه من قدرة على الفعل.

 -  ومن هنا يمكن التعامل مع مساع وتحركات عربية للتجمع، والتعامل بشكل فاعل أكبر مما كان خلال العقد الماضى، وقد تحققت بالفعل بعض الأهداف فى تقليل التوترات والانخراط فى حلول ومفاوضات سياسية، فى سوريا والعراق، وأيضًا فى ليبيا، مع تراجع كبير للصراعات، ومن واقع مقارنة الحال قبل عام فى هذه المناطق، يمكن اكتشاف حجم التحول، وهو واقع يمكن البناء عليه فى اتجاه مستقبل أكثر استقرارًا بعد سنوات من الصراع.