د. صلاح هاشم يكتب: مباشر إلى السيد الرئيس..

د. صلاح هاشم يكتب: مباشر إلى السيد الرئيس..
د. صلاح هاشم يكتب: مباشر إلى السيد الرئيس..

بعد موجات الغلاء التى صاحبت قرار تعويم الجنيه نشرت فى هذا المكان تحديداً مقالاً أعده مهماً، تناقلته معظم المواقع الأليكترونية ، كان عنوانه" على من تعلنون الحرب الفقر أم الفقراء ..؟! وكان من المفترض أن أعيد عليكم قراءة هذا المقال، تمشياً مع هذا التوقيت الساخن الذى تمر به البلاد، والذى تتشابه ظروفه مع الأحداث التى دفعتنى لكتابة المقال،. لكننى فضلت كتابة مقالاً جديداً، إستكمالاً للمقال السابق.

فلآ أنكر أننى كنت ولا زلت من المساندين للدولة،  لكننى  أيضاً لا أنكر عجزها عن تحقيق معدلات التنمية والنمو الاقتصادى المنشود. لا أنكر أننى كنت ولا زلت ضد أى دعوات لثورات أو حتى تظااهرات ولو كانت فئوية؛لإيمانى بأن الثورات على مدار التاريخ الاجتماعى فى مصر لم تفضِ سوى إلى خراب. لكننى استنكر عدم سماع الحكومة لصراخ الفقراء وربما لاستغاثاتهم عبر الدراسات والمسوح الاجتماعية، وعلى صفحات  برامج التواصل الاجتماعى وعلى شتىالقضائيات ..!

 لأ أنكر أننى معجب بذكاء  الرئيس وعزيمته الفلاذية وقلبه الجرئ، لكننى إستنكر جرأته على بطون البسطاء من الشعب..فلا استطيع أن أنكر حجم المشروعات التى نفذت فى عهده، لكننى لا أستطيع أن أنكر أن حجم ما أنفق على هذه المشروعات يزيد على عوائدها التنموية بكثير، وأن احتمالات فشل بعض منها وارد ولو بنسبة. فالبرغم من كثرة هذه المشروعات وضخامة الأموال التى ابتلعتها، فإنها لم تؤت ثمارها حتى الآن، بل تشير الإحصائيات إلى تراجع رهيب فى معدلات النمو الاقتصادى التى وصلت إلى 3.8 % فى بدايات 2017م بعد أن كانت 4.2% فى العام الماضى، طبعاً مقارنة بمعدلات النمو السكانى التى تجاوزت هذا العام 2.8 %.. !

مما جعل شبكات الحماية الاجتماعية لم تعد كافية لتلقى سواقط التغيير، من الفئات التى عجزت عن التكيف مع الشروط الاقتصادية الراهنة. فمثلا ما تنفقة الدولة من الموازنة العامة لعلاج " فيرس سى" يساوى ثلاثة أضعاف ما ينفقعلى برامج الحماية الاجتماعية. ففى حين تنفق الدولة 7.2 مليا جنية على برامج الدعم النقدى تنفق 22 مليار جنيه سنوياً على علاج فيرس سى. ومن ثم فقد تحولت أهداف الحماية الاجتماعية من مواجهة الفقر إلى إنقاذ الفقراء من المجاعة ..!نهايك طبعاً عن تراجع مخصصات التعليم والصحة فى الموازنة العامة للدولة وأن نسبة الذين يتلقون تأمين صحى لا تتجاوز 30% ، و20% من السكان لا يتلقون أى رعاية صحية، وأكثر من 2 مليون مصاب " بفيرس س" يموتون سنويا لعدم قدرتهم على العلاج ..!

فلا شك اننا بتنا مجتمعاً مريضا تنفق فيه الأسر أكثر من 55.6 % من دخلها على العلاج .. ولهذا  فموجات الغلاء المتتالية وغير المدروسة ربما لا تفضى سوى  إلى مزيد من العجز والمرض ومن ثم الموت ..!

لأ أنكر أيضا على الرئيس أنه تـسَلًّمَ من سابقية دولة محملة بالديون والأزمات والكوارث، وأنه تسلم أيضاً دولة كاد نسيجها الداخلى أن يتمزق ، وأن ملفاتها الأمنية والاقتصادية كانت مهلهلة، ولا أنكر أنه نجح الى حد بعيد فى انقاذ الملف الأمنى، لكننى أعترف وألاحصائيات شواهد عدل أن ديوننا الداخلية والخارجية لا تزال فى تزايد.. فرما انشغلت حكومات 30 يونيو  30 يونيو ببناء المشروعات الاقتصادية العملاقة ؛ مما شغلها عن الإستثمار فى الموارد البشرية؛فخرجت مصر من التنافسية فى مجال التعليم الأساسى .. ولم نحصل على ترتيب متقدم ضمن أفضل 500 جامعة فى العالم .. وصرنا الدولة الأولى عالمياً من حيث الاصابة بالفيروسات الكبدية التى بلغت نسبة الاصابة بها 17% سنوياً.

لآ أنكر أن حكوماتنا لا تعرف معنى الإستثمار فى البشر، والدليل أن ما تُنفقهُ الدولة على العلاج أضعاف ما ينفق على الوقاية .. فلا يزال الأطفال فى مدارس بلا تعليم،  والشباب ضحية لسياسات ثقافية وتعليمة متخبطة وفاشلة؛ جعلته يفقد الأمل فى غدٍ أفضل، وألقت به فى أتون المخدرات والبطالة والجريمة والهجرة غير الشرعية.

وأعترف بفشل الحكومة المرصود فى امتلاك رؤية واضحة للإستثمار فى البشر، وحسن توجيههم واستخدامهم فى مجالات التنمية. بالإضافة إلى فشلها فى توظيف الجمعيات الأهلية التى تجاوز عددها 54 ألف جمعية أهلية؛ لخدمة قضايا التنمية والحد من الفقر.بل نجحت الحكومة فى جعل " التطوع " وصمة فى جبين من يرتاده..! وبدل من أن تنجح فى الإستفادة منه كشريك حقيقى فعال فى التنمية والبناء؛ نجحت فى تحوله إلى عدو بحكم القانون ..!

لا أنكر أيضا أن حكومتنا فقدت حسها الاجتماعى . فكيف لحكومة واعية سياسياً واجتماعياً أن ترفع أسعار السلع أكثر من مرة فى السنة الواحدة،  فى بلد بها أكثر من 351 منطقة عشوائية، 80 % من أطفالها محرمون تمامًا من الخدمات الأساسية ولا سيما الصرف الصحى ومياه الشرب النقية ..؟!

 كيف تفكر فى رفع الدعم عن شعب تجاوزت فيه معدلافت الفقر المدقع 4.4 %، وتجاوت فيه نسبة غير القادرين على اشباع احتياجاتهم الأساسية 27.8%..؟! كيف تفكر حكومة واعية  فى رفع الدعم، فى بلدٍ ارتفعت فيها الأسعار فى العام الواحد لأكثر من 300 % مع ثبات شبه كامل فى الأجور والدخول...!

لقد أثرت فى هذا المقال أن يكون مدلالاً بالإحصائيات الثابته والأرقام ؛  حتى لا يُغَيِّرُ الموتورون مساره، فيتهمنى مهابيل السلطة بالمعارضة الحانقة على الدولة، ويحسبوننى على قائمة المناهضين لنظام الحكم .. فأنا أكتب  فقط كمواطن مثقف عاشق لبلاده حتى النخاع. أحاور فى كتاباتى أصحاب العقول الواعية، والضمائر الوطنية الحية.  أطالب فيها ابناء الشعب بالإلتزام  بواجباتهم كمواطنين يعيشون فى دولة ذات سيادة، وأطلب فيها الدولة أن تتعامل مع أبناء الشعب كمواطنين لهم كرامة..

 وأؤكد  للحكومة والنظام أنه لا مانع من أن يدفع المواطن أكثر،  مقابلأن يحصل على خدمة أفضل. وإذا كانت ضرائب الدولة تزداد دون منطق؛فعلى ما يدفع الشعب ضرائبة ..؟ وأؤكد ثانية أن مساندة الدولة حق مكفول فى عنق كل مواطن. لكنه مشروط بأن يعرف كل مواطن إلى أين هو ذاهب، وإلى متى يظل يدفع الضرائب، ولماذا ؟!

وفى الختاملى أمنيتين واقتراح واحد. الأمنية الأولى أن يصل هذا المقال إلى الرئيس،  ليعلم أن مشكلاتنا الحقيقة ليست فى فقر مواردنا، وإنما فى فقر أفكارنا وعجز فى سياستناوفساد فى مؤسسات الدولة ، والتى إن تمسكنا بها؛ لن نخرج أبدا من أتون الأزمة، ولا من دائرة الفقر المفرغة ..

والثانيةأن يُعِيدَ الرئيس النظر فى قرارات الغلاء الأخيرة، والتى أراها لا تَصبُ أبداً فى صالح إستقرار البلاد. بل ربما تصبح سُلَماً يتسلق من خلاله أعداء الدولة إلى عقول البسطاء؛ فينفضوا عن دعم النظام ومساندة الدولة ..

وأقترح على الرئيس أن يؤسس خلية لقياس الرأى العام " ليست أمنية " تتبع مباشرة مؤسسة الرئاسة، وتتكون فقط من رجال الإجتماع وعلم النفس، وتستهدف قياس نبض الشعب، قبيل إصدار كل قرار سياسى، إيمان من النظام بأن مساندة الشعب وتماسكه، هى الضامن الوحيد للإستقرار والانتصار على كل الأزمات .وأذكره بأن من العجلة ما أفضى إلى الندم، وأن ما لا يُدرَك كله لا يُترَك كله..!

 

للتواصل مع الكاتب: صلاح هاشم 
Sopicce2@yahoo.com