حمادة عبد الونيس يكتب: دهاليز التمني....!

حمادة عبد الونيس يكتب: دهاليز التمني....!
حمادة عبد الونيس يكتب: دهاليز التمني....!

في زاوية السلم العلوي في المدرسة التي تصفر فيها الرياح فتثير أطنانا من الأتربة التي علقت بأحذية الأشباح القادمين من شوارع العتمة  تفيض عيناها من الدمع على ماض تولى !

كم راهنت زميلات لها على مستقبل وردي يفيض حبورا وسرورا !

تتفلت زميلاتها تفلت الإبل من عقالها واحدة تلو الأخرى لسان حالها يحدثها حديث صدق :

عصفور في اليد خير من ألف فوق الشجرة !

حديث الأم صباح مساء:درهم في يدك أقرب إليك من عشرة في جيبك !

زواج مبكر خير من عنوسة كالحة يتبعها لوم يجعل القتيل قاتلا !

في بلاد الجهالة تكثر أحاديث الخرافة ويلهج المرجفون بمنكر من القول يتلقاه المتسكعون بألسنتهم :

لقد عملت النفاثات في العقد عملهن ودب الحسد في البيوت دبيب النمل الأبيض في الجدران الرطبة !

ترهات وخرافات إنها ترفض الزواج حتى لا ينكشف سرها الذي دفنته في الليلة الحالكة بوم أجابت داعي الهوى في غفلة من الرقباء !

يا رحمة الله أدركي المظلومين الذين أكلت لحومهم ودنست أعراضهم !

تبا لألسنة لاهم لها سوى تعكير الصفو وتلويث الماء النمير وقلب البيوت رأسا على عقب !

كلمات أمها في الطفولة المبكرة إذ تضفر لها خصلات شعرها الحرير لا تزال حلما يراودها :

أملك في جدك واجتهادك،كوني بالعلوم ولوعة لا تفرطي في ساعة من نهار أو لحظات من ليل !

لا أحد يستحق صحبتك سوى كتابك ،لن يفشي لك سرا ،لن يعصي لك أمرا ،لن يبخل عليك بمعلومة أو فائدة!

كم تمنيت أن أكمل دراستي غير أن أباك كان بهلوانا ساحرا استطاع بمكره ودهائه أن يقنع أبي بالزواج مني !

كم سالت الدموع من عيني كلما مر علي زميلة دراسة أو زميل في مدرسة مرتديين المعطف الأبيض كان حلما وليته تحقق!

كم تخيلت نفسي أمر في باحات المستشفي الجامعي أتفقد أسرة المرضى تتبعني دعوات ذويهم بالتوفيق شاكرين صنعي معترفين بفضلي!

عقدين من الزمان يا أمي كابدت المشقات وذقت الأمرين صابرة محتسبة كل أملي أن أحقق حلمك القديم وما البنت إلا قطعة من  سويداء أمها !

سهرت الليل طولا ،صمت النهار توفيرا للوقت حتى لا أنشغل بتجهيز الطعام حفظت المنهج عن ظهر قلب !

الحلم يقترب مني ،أرقبه من بعد ،أتتبع طيفه ،تلوح صورتك في الأفق ،تبتسمين :

اصبري ،تشبثي بحلمك !

غدا تزهر رياض غراسك دانية القطوف!

يد الشر تعمل في الخفاء !

حرام على المساكين أن يحلموا!

اغتيال أحلام النابغين جريمة لا تغتفر لكنها في البلاد التي تسير سياراتها إلى الخلف في الممارات العكسية محض تطوير !

الاقتصاد العالمي قائم على المصلحة ما أضاع هيبة التعليم سوى مجانية لوثت محياه جعلت من المعدمين صفوة الصفوة !

لتذهب كلمات العميد:"العلم كالماء والهواء "إلى الجحيم !

الشيطان يعظ ،لا بد أن تتصالح المصالح !

قرار يشوبه العوار!

يريق دماء الأحلام التي انقلبت كوابيس تسحق هامات الذين قرح أجفانهم السهر !

درجة أو درجتان يذبحان الأمل !

تسود الدنيا ،يتبخر الحلم،تذبل الرياض الناضرة !

في كلية التربية وسط المدرج المملوء طلبة يقرأ الأستاذ الذي عمر طويلا فلا يكاد يبين يتلو على أسماع المغتربين نظريات مختلفة لمدارس شتى نشأت في بلاد الغرب لا علاقة لها بالواقع المعيش من   قريب أو من بعيد !

قد أعد وريقات نقلها من مصادر مترجمة تمت طباعتها طباعة رديئة فرض شراءها على الذين ذهبت أحلامهم أدراج الرياح !

منكسرة تحاول جمع شتات نفسها الكليمة تدون خلف أستاذها بعض إملاءات تراها مهمة لا يغيب عن ناظرها صورة زميلتها التى كانت متأخرة دراسيا لكنها بفضل يد أبيها ومعارفه نقلت لها الإجابة فمكنتها من دخول كلية الطب فراحت فرحة مسروقة تلتقط الصور من أمام المبني الشاهق مذيلة إياها بإمضاء:

حضرة الدكتورة المستقبلية !

أربع سنوات قضتها بين جرح وترح حرمت من السكن داخل المدينة حيث إنها لا تمتلك واسطة ولا تعرف أحدا من صناع القرار!

متفوقة تخرجت تحايل الدنيا :الا حني علي فما بت إلا عظاما تكاد تميل حيث يدفعها نسيم الفجر !

الأولى على دفعتها يكرمها السيد العميد بشهادة تقدير مطبوعة تكلفتها عشرة جنيهات يراودها الحلم أن تصبح معيدة  يعتذر إليها المسئولون :لا تكليف هذا العام!

تتورم قدماها ذهابا وإيابا من العميد إلى الوكيل إلا رئيس الجامعة تطرد شر طردة !

يمر العام ليتم التكليف بقدرة قادر فيعين خمسة معيدين في نفس تخصصها ليكون المعينون الخمسة ابن سيادة العميد وابنا الوكلاء الثلاثة وبنت رئيس القسم وسط احتفالات خيالية في يوم التخرج وقد حضر لفيف من رجال الصحافة أكلوا التورتة وأخذوا اللقطة وجرت الأمور كما شاء لها صناع القرار أن تجري !

في طابور العاطلات تقبع في بيت والدها حزينة كاسفة البال تضربها العنوسة ينال منها الاكتئاب مشتهاه !

تقرأ إعلانات  في جريدة صفراء عن حاجة المدارس إلى معلمين ومعلمات!

تصل إلى المدير بصعوبة كأنها ذاهبة لمقابلة أمير المؤمنين !

يتلو عليها قرارات السيد الوزير ثم يبتسم في وجهها ابتسامة صفراء:

العمل داخل المدرسة تطوع وليس من حقك المطالبة بالتعيين أو مجرد التوقيع في دفتر الحضور والانصراف!

تخرج من أمامه مغاضبة كأنما اندك فوقها جبل أشم ترسل الدعوات ممزوجات بدموعها إلى روح أمها التي قرأت كتاب الحياة قراءة خاطئة!

فأضرتها من حيث أرادت لها نفعا .