أخبار عاجلة

مريم المهدي تكتب : التنمر بمصر ما بين غياب الوعي والقانون

مريم المهدي تكتب : التنمر بمصر ما بين غياب الوعي والقانون
مريم المهدي تكتب : التنمر بمصر ما بين غياب الوعي والقانون
التنمر بأنواعه المختلفة سلوك عدواني ضد الآخر، يدخل تقييمه العلمي في باب علم العلاقات بين الأفراد والجماعات وسواها، ويُعرّفه علماء النفس بأنه سلوك يتخذ أشكالًا مختلفة من الإساءة والإيذاء من قبل فرد أو مجموعة تجاه فرد أو مجموعة تخالفهم في الفكر، وفي الأغلب تكون أضعف وأقل  منهم عددا.
 
 
مصطلح التنمر :
أطلقه علماء النفس السلوكي على ما يقع من عدوان ، يستخدم  فيه المُتنمِّر قوّته البدنية أو الثقافية او الدينية  اوالاجتماعية ضد المُتنمَّر عليه ، لإلحاق الأذى النفسي أو الجسدي به وبالمجتمع . وله أشكال متعددة، منها التهديد والتخويف ونشر الإشاعات والاعتداء اللفظي أو الجسدي والاضطهاد بكل أنواعه والذي ينشا صغيرا متدرجا وينتهي كبيرا لدرجة  تصل للقتل الجماعي والدمار وهو كفيل بانهيار المجتمعات والدول  كما حدث  بما أطلق عليه  الفوضى الخلاقة التي اوصلت جماعة الاخوان الارهابية الى سدة حكم مصر.  
إذا درسنا  ظاهرة التنمر بمعناها العام سنجد أن دائرتها أوسع بكثير من الاضطهاد الديني  وضد  والمرأة و بين الأطفال، إذ تشمل جوانب سلوكية  عدوانية متعددة في حياتنا، ، ينطبق عليها التوصيف العلمي للتنمر، وتمارسه فئات متعددة من المجتمع، ، بل له امتدادات كثيرة ومتشعبة، وخصوصًا بعد تطور وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشهد من خلالها تنمرًا دينيا واجتماعيا  وسياسيًا وعرقيًا وطائفيًا مرتبط بالبنية الثقافية التي كونت عقل وفكر المتنمر وهي أكثر في مجتمعاتنا العربية .
ولا توجد حتى اليوم قوانين رادعة للتنمر على الرغم من تشعّب أنواعه وانتشاره بأشكال متعددة، إذ لم يعد محصورًا علي التنمر الديني والاجتماعي بانواعه  ضد الفرد والجماعات مثل  ذوي الاحتياجات الخاصة وبين تلاميذ المدارس أو الأطفال . وباستثناء الولايات المتحدة الأميركية التي تملك بعض القوانين ضد التنمر لا يوجد في دول العالم قوانين تمنع هذه الظاهرة .
وإذا اتجهنا إلى مصر سنجد أن التنمّر فيها ذو أشكال متعددة، منها التنمّر بين المسلمين والأقباط ، والتنمر ضد الفتيات تحت مسمى اللباس الفاحش المسبب للتحرش الجنسي، ومنها تنمّر التيار الديني ضد دعاة التنوير أو العلمانيين، وغالبًا ما نجد القضاء المصري يتبنى دعاوى قضائية ذات طبيعة تنمرية  ضد المثقفين والتنويريين  أو ضد شباب “التيك توك”.
 
 
 التنمر الديني كمثالً وأثره على الفرد والمجتمع  وكيان الدولة بمصر :
 ظاهرة التنمر الديني ، اصبحت في مصر  ظاهرة راديكالية، تحقق مقوماتها من الكراهية والعنف والاضطهاد  بالحشد  بكل السبل بدون كلل  لقمع ومنع الإبداع وحرية الرأي وإرهاب كل مخالف للتيارات الدينية  والسياسية الاخوانية والسلفيه  والمتعاطفين معهم الفاقدين للثقافة والوعي وهم للأسف  كثر بمصر .  
ان التنمر الديني يمارسه ويدعو إليه بعض دعاة الفضائيات الدينية ومن على منابر المساجد وجماعات دينية مختلفة التوجهات ، تعادي كل من يخالف وجهة نظرهم الدينية في مسائل اجتهادية.  غير أن التنمر الديني للاسلاميين المتطرفين  بات اليوم أكثر تزايدا  وحدة  ضد رموز التنويريين  والمثقفين القائمين على البرامج الإعلامية التنويرية ومواقع التواصل الاجتماعي من أجل  تجديد الخطاب الديني التي تطالب  بضرورة الاجتهاد  لفك الارتباط  بفكر كتب التراث الظلامي والغير منطقي و المحرض علي  الكراهية والتكفير وسفك الدماء , بضرورة تنقيته من خلال فهم أسس الدين وفق  معطيات العصر الذي نعيشه الآن وفقا لحاجات وضرورات الحياة في القرن ال21  لإنقاذ المجتمع والأجيال القادمة من حالة التخلف التي جعلتنا  أكثر المجتمعات تخلفًا في العالم .  
 والتي تطالب العقل المسلم  والمؤسسات الدينية ودعاة الفضائيات بفهم  أن دور الدين ووظيفة متغيرة وغير ثابتة،  انها الآن أصبحت مختلفة عن وظيفته ودوره في قرون نشأته الأولى حين تشكلت فيها الأيديولوجية الدينية، نظرا لان المجتمع المعاصر يواجه مشكلات مختلفة تمامًا عن مشكلات عصر نشاة الدين .
 
 
وقفة صريحة صادقة مع ظاهرة التنمر الديني ضد الطفولة والمرأة  وأقباط مصر :
بموضوعية اكثر وضوحا مصر تعيش خطاب ديني عنصري ، يغرس فى عقول ومشاعر الأطفال المسلمين منذ الصغر معاني التنمر والكراهية بأنهم هم الأفضل، وأن المسيحى كافر، ولا يجب ان تاكل من اكله , ويستمر تسميم فكر هؤلاء الأطفال يكبروا ويصيروا شباب وأجيال تحمل جينات الكراهية ونزعة العداء.. خطاب ديني فيه ما يسيء إلي الدين بالتحدث عن فقه الجوارى وتحريض الشباب على شرعية هتك أعراض الفتيات وزواج القاصرات ، باسم الدين بحجج واهية تدل علي فقد الضمير والتنمر والتسلط لانهن سافرات ولا يرتدين الحجاب . وعليه تتم استباحة أعراض النساء، وهكذا الي ان وصل الحال حرق وتفجير الكنائس ومنع اقامة الصلاة في بعض كنائس بصعيد مصر ، وهكذا فقد المواطن المصري حقه في ممارسة شعائره الدينية او أن يختار نمط حياته وملبسه ومن هنا أصبح الدين دوله داخل الدوله واصبح هو الحاكم بامره و ترتكب باسمه كل أنواع التنمر والكراهية التي افقدت الفرد حريته وأمنه وغيبت الوعي والإدراك المجتمعي. 
فقد استغل التنمر الديني الثورة التكنولوجية ليتخطى الحدود الدولية، فقفز على كل أشكال المنع والحظر، وساهم في تجذير المواقف السياسية وخلط الأوراق. واتخذت بعض التنظيمات الإسلامية الدين بصورة مراوغة تكسبها مشروعيتها التنمرية في أذهان الحالمين باستعادة الخلافة الإسلامية وتطبيق الشريعة، واعتبرت التنمر الديني بمختلف أشكاله الطريقةَ الوحيدة لإثبات صحة وجهة نظرها، و لإسكات المعارضين لها، ويتحمل كفل هذه الخطيئة العدوانية ضد الآخرين، الذين سيّسوا الدين لمآرب سلطوية سياسية.
التنمر الديني ظاهرة من أخطر أنواع  التنمر ، تغيب الوعي و تؤثر في تقدم الشعوب والنهضة والإبداع والتنمية والتلاحم الوطني  بين أفراد المجتمع ، ومكافحتها تحتاج  وسائل عدة، تبدأ من ترسيخ ثقافة قبول الرأي الآخر والحوار العاقل والعمل على تجذير ثقافة المشاركة بين أبناء المجتمع، على اختلاف انتماءاتهم الدينية والعرقية والمذهبية والطائفية و الثقافيه والتعليميه . ولا بدّ من تأسيس منظمات مجتمع مدني تعمل على احتواء ظاهرة التنمر بعقد  حوارات  راقيه مستمرة بين فئات المجتمع  لاستحضار العقل ونشر الوعي،  وهنا لا بدّ للجانب القانوني  ان يتطور ليكون أكثر شمولية رغم أن الدولة جاءت بمشروع تغليظ عقوبة التنمر في مادة واحدة بإضافة مادة جديدة برقم  ( 50 ) مكرر الي قانون حقوق الاشخاص ذوي الاعاقة الصادر رقم ( 10) لسنة 2018 وشددت المادة العقوبة لتصبح الحبس مدة لا تقل عن سنتين وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد علي 200 الف جنيه او باحدي هاتين العقوبتين إذا توافر أحد الطرفين الأول وقوع الجريمة او أكثر . 
 
* عقاب المتنمر بالحبس مدة لا تقل عن 6 شهور وبغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنيه ولا تزيد عن 30 الفا و بإحدى هاتين العقوبتين .
* تشدد العقوبة ايضا اذا كان مسلما اليه بمقتضى القانون او بموجب حكم قضائي لتكون العقوبه الحبس مدة لا تقل عن سنة وبغرامة لا تقل عن 20 ألف جنيه ولا تزيد عن 100 الف جنيه او باحدي هاتين العقوبتين .علي ان  يأخذ القانون  مجراه  لتحقيق العدالة ووقف حملات التنمر بكل أشكالها، من خلال سن قوانين  تُجرّم مظاهر التنمر ضد المخالفين، وتغليظ  العقوبات على من يدعو إليه أو يمارسه.