المحامية د نادية يوسف تكتب : العبودية الجديدة برداء مغاير

المحامية د نادية يوسف تكتب : العبودية الجديدة برداء مغاير
المحامية د نادية يوسف تكتب : العبودية الجديدة برداء مغاير
" مهما حاولت تجميل الشيء القبيح يبقى كما هو "
العبودية عرفت منذ القدم واختلفت ما بين منطقة وأخرى وحسب كل شعب ولكن من المعروف أنها بدأت كما ذكر علماء التاريخ منذ تحول الإنسان في معيشته من الصيد إلى الزراعة وظهرت بوادر استغلال الانسان لأخيه الإنسان واستعباده بكل الوسائل المتاحة وكانت تختلف من حيث الشدة والقسوة وفق منظور كل حضارة ولكن السمة الغالبة عليها هي انتهاك حياة هذا الإنسان ومن المعلوم أن المصدر الأساسي للعبودية كانت  الحروب و نتاجها من الأسرى والفقراء والمزارعين و استمر الحال على ماهو عليه حتى ظهرت بوادر تحرير العبيد وإعطائهم بعض الحقوق وصولاً لتحقيق المساواة نوعاً ما.
 هذا واضح مِن الناحية النظرية ولكن من الناحية العملية نجد أن الاستعباد مازال موجوداً في وقتنا الحاضر ولكن اختلف الأسلوب فهو كمثل أي موروث اجتماعي يبقى له رواسب في الباطن وعند أي اهتزاز يطفو على السطح وهذا ما نراه بالعين .
والعبودية لايمكن أن تعيش مع العقل والحريّة 
غلبة أحدهما يقضي و يذيب الثاني بمعنى عندما تتضخم العبودية  تتقلص الحريات والعقل ويصبح الإنسان مجرد تابع للآخر وعندما يتفوق العقل والحريّة تضمحلّ العبودية وللعبودية الجديدة أنواع متعددة 
ليست هي نفسها التي درجت العادة على تعريفها بل تظهر  بأشكال وصور  مختلفة عبودية الذات و الدين والعمل والعادات والتقاليد و.....
فعبودية الذات هي السمة الغالبة في هذا الوقت
 أن تحب نفسك هو حقيقة لا يمكن إنكارها و هو حق لك.  من لايحب نفسه لا يمكنه محبة الغير وبما أن الإنسان هو ابن بيئته فلا يمكن إغفال دور الحياة الأسرية و الاقتصادية والاجتماعية التي يعيش فيها وهنا يقع الإنسان بين خيارات متعددة الخير والشر ، الهداية والضلال ، الانفتاح والانغلاق النفسي يجتمع في شخصيته كل التضاد وهنا يجد نفسه إما في الطريق السوي أو الانحراف وبالتدريج يتحول هذا إلى مرض يفتك بالآخرين هذا يعتبر انتهاكاً وتعدّياً للقيم الإنسانية
 و بحجج واهية مثل حرية شخصية وكل شيء مباح وهنا يصبح عبداً لنزواته وغرائزه الشهوانية لاشيء يقف أمامه على مبدأ أنا وبعدي الطوفان ويتحول فيه إلى وحش كاسر يعتدي ويقتل وينهب وكله باسم حريتي الشخصية .
 أما عبودية العمل والأفكار الخاطئة حول ماهيته 
 العمل بشكل عام سواء خاص أو عند الدولة حولت الإنسان إلى مجرد آلة ابتعدت عن الحياة الاجتماعية فالوظيفة أصبحت عبودية القرن العشرين باتت تقتل فينا الطموح والتفكير وقد تربينا على مفهوم خاطئ أن الوظيفة هي الرصيد الباقي للشخص وأن الراتب التقاعدي هو الملاذ والأمان له حتى هجر أغلبنا الريف والأرض والعمل الحر والمهن لنبحث عن هذا الذي يدعونه بالعامية " ستر الآخرة للشخص " الراتب الذي بات لا يتوافق مع متطلبات الحياة الجديدة الذي حول الغالبية العظمى من البشر إلى كسالى لا يتقنون سوى عملهم الوظيفي كل منا يرغب بذاك المكتب والكرسي والحقيبة والراحة في الوظيفة  .
أما الأمر الأخطر والأهم الذي أريد الخوض فيه فهو عبوديتنا المغلوطة للدين حيث بات بَعضُنَا يخشى رجل الدين أكثر من خشية الله " حاشا و كلّا " 
ورغم ما نمتلك من ثقافة وعلوم وشهادات مازال الأغلبية  صرعى لهذه المعتقدات والموروثات المجتمعية وهذا ما بدا جلياً في الأزمات والحروب التي عاشتها المنطقة بمختلف أطيافها فقد عادت القبلية وغريزة القطيع فينا ولم نعد ننظر بعين العقل التي أعطانا إياها الله لأن الدين هو قبل كل شيء أخلاق ورحمة ومعاملة حسنة واحترام وللأسف تحول هنا إلى أداة بيد المنافقين للتفرقة والقتل حتى بات بَعضُنَا يكفر بكل شيء ولا أريد هنا أن أحمل القصة كلها لرجال الدين وإنما نحن نتحمل الجزء الأكبر في هذه التبعية من خلال إسباغنا صفة الألوهية للبعض منهم وهذا بالتالي يفتح باب جديد لظهور المشعوذين والدجالين 
العبودية القاتلة هي عبودية تأمين لقمة العيش والحياة وخاصة في وقتنا الحالي بازدياد الأزمات الاقتصادية والحروب والأطماع الدولية الذي يدفع ثمنه الإنسان العادي وخاصة بوجود الغلاء وارتفاع الأسعار الجنوني وفقدان للسلع و الاحتكار التي للأسف تجعل الإنسان يفعل أشياء هو رافض و كاره لها ولكن الحاجة تدفعه للهاوية دون أن يكون له يد فيها هي مسألة نسبية طبعاً ولكن تأمين متطلبات الحياة و صراخ الأولاد الجياع يعمي البصر والبصيرة وتدفعنا لسلوك سبل ملتوية كالسرقة والنصب والنشليح والرشوة و المصاحبة وارتكاب الرذيلة والفتوة الكاذبة
العبودية الأخيرة هي الهوس بعالم الرقميات والتكنولوجيا الجديدة 
هذا الهيام الكاذب بالإنترنت قضى على كل ما هو جيد حيث تحول الإنسان فيها إلى مجرد عيون ترنو إلى هذه الشاشة الصغيرة الاي زادت من الانفتاح على العالم الخارجي بكل تفاصيله الصغيرة والكبيرة قصة من هنا رواية من هناك والإنسان يقع ضحية هذه التقنية الجديدة التي ساهمت بالابتعاد عن الحياة الاجتماعية وجعلت الأسرة الواحدة مشتّتة ينعدم فيها التواصل 
لعل الأيام القادمة ستحمل تقنيات أحدث لأن العلم لا يعرف التوقف وإنما في حراك دائم يبحث عن الأفضل دائماً ولكن وقوع السلاح مهما كان نوعه حربي أو فكري  بيد جاهل يكون فيه دماراً شاملاً . 
من قال أن العبودية هي بالسوط فقط ؟؟
 العبودية هي كل مايسيطر علينا ويحرمنا من حريتنا في اختيار مانريد ونعيش حياتنا دون تعقيدات عندما نتحرر من الداخل نتحرر من الخارج هي علاقة مرتبطة ببعضها البعض.