حكايّة حقيقيّة بقلم المنتجب علي سلامي

حكايّة حقيقيّة بقلم المنتجب علي سلامي
حكايّة حقيقيّة بقلم المنتجب علي سلامي
في عام من الأعوام و في أحد المطاعم اللبنانيّة الفخمة ،فوجِئ صديقي الشابّ الثلاثينيّ السّوريّ الغريب عن بيروت بأنّ أحد الجالسين قبالته على إحدى الطاولات التي لاطعام ولاشراب عليها،  يطيل النظر إليه ،وصديقي يأكل بشهيّة بعد تعب وجوع لساعاتٍ وساعات في سفره وفي تنقّله بين عيادات الأطباء لعلاج والدته المريضة....
كما أنّ هذا الصديق فُوجِئ أيضاً بأنّ هذا الرجل السبعينيّ الذي تبدو عليه الأناقة والتّرف من خلال ملبسه وهيئته ولهجته وعصاه المذهّبة وقبّعته الأوربيّة، قد قام بدفع ثمن المأكولات الشهيّة التي التهمها صديقي وهو يتلذّذ بمذاقها بعد ساعات من الإرهاق والصيام المفروض عليه في مدينة غريبة......
وقد اعتقد هذا الصّديق بأنّ ذلك الرجل الأنيق قد أخطأ في الشكل ولم يميّزه جيدا فقد ظنّ أنّه إنسان مقرّب يعرفه وأراد إكرامه......
لكنّ المفاجأة التي أصابت صديقي بفرح مُغشّى برداء الشفقة حينما سأل الرجل الكهل لماذا قام بهذا الفعل الكريم؟!
وكان ردّه:   
  - والله يا أخي أنا لاأعرفك ولم اشتبه
 بك لكنّني من سنوات أعاني مرضاً يمنعني من تناول إلّا القليل من العصير المحدّد الذي مللت مذاقه مع جرعات الدواء اليوميّة على الرغم من ثرائي وامتلاكي لعدّة مطاعم مشهورة في هذا البلد الجميل، 
وكم تمنّيت الفقر الذي كنت عليه في شبابي على المرض الثقيل الذي يصاحبني اليوم، 
لكنّني مؤمن أيضاً بأنّ ذلك هو إرادة الله القادر،
 وهذا المطعم الذي تراه فاخراً هو ملكي والملك لله، وقد لفتني تلذّذك بتناول الطعام وشراهتك في مضغه بعد جوع واضح، فتذكّرت صباي وأيّام فتوتي ومعاناتي من الفقر المادّيّ عندما كنت بصحّة جيّدة وأحلم بأن أشبعَ طعاماً في مطعم راقٍ كهذا وأنا متعب من المشي في سبيل البحث عن عمل ورزق ومال....
وعندما تأمّلتك تأكل بفرح وشهيّة ضحكتْ روحي واشتعلت ذاكرتي وناداني حنيني إلى ذلك الزمن الجميل زمن الشباب والعافية، الذي لن يعود، 
فوالله أنا متحسّرٌ الآن على حالتي ،وأعتبر بأنّ تبرّعي بثمن طعامك قد يخفّف من تلك الحسرة وذلك الألم، فما أروع الحياة بلا مرض ولو كانت تعباً وشقاء وفقراً مادّيّاً.