أ.د صبري فوزي أبوحسين يكتب : الأدب الكوروني في مجموعة (مس كيلوباترا) للكاتبة وداد معروف ( 2)

أ.د صبري فوزي أبوحسين يكتب : الأدب الكوروني في مجموعة (مس كيلوباترا) للكاتبة وداد معروف ( 2)
أ.د صبري فوزي أبوحسين يكتب : الأدب الكوروني في مجموعة (مس كيلوباترا) للكاتبة وداد معروف ( 2)
 الأدب الكوروني في مجموعة (مس كيلوباترا) للكاتبة وداد معروف ( 2)
إعداد الأستاذ الدكتور/صبري فوزي أبوحسين
أستاذ ورئيس قسم الأدب والنقد بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بمدينة السادات  
 
 انتقل القلق إليَّ: ماذا لو كانت أم رامي عندها أعراض كورونا ولا تدري؟! شاهدت فيديو على الواتس يتحدث عن ووهان وتجربتها الناجحة مع كورونا، إنه ربما يحمل أحدهم المرض لأربعة عشر يومًا ولا يدري! مصيبة أن تكوني حاملة للكورونا يا أم رامي وتمشين بين الناس توزعينها بالعدل دون أن تدري! 
فلأصعد للطابق الرابع حيث شقة أم رامي، لكن كيف أسأل؟ لن أدخل؛ فربما كانت مريضةً فعلاً، وهذا العطس عرض من أعراض الكورونا، ماذا أفعل؟ أقف علي بسطة السلم الأعلى وأتصل بالصيدلية وأطلب التوصيل السريع؛ ليأتي لرقم شقتها بدواء خافض للحرارة وأقف هنا أراقب: بماذا سترد على عامل التوصيل السريع؟!
 دقائق وصعد عامل الصيدلية ومعه الأدوية، فلأتعمد النزول على السلم الآن لأرى رد فعلها، ولأبطئ نزولي. دق الجرس.
 فتحت أم رامي. ظهر عليها الاندهاش وهي تسأل:
- خيرًا يا ابني؟ دواء خافض للحرارة، حسب طلبكم يا حاجة.
- مَن يا ابني أخبرك أن حرارتي مرتفعة؟! زوجة ابنك يا حاجة اتصلت بنا أصلح الله حالك يا دعاء، أمس أخبرتها بأني أشعر ببوادر إنفولونزا.
 ابتعد العامل خطوات وقال لها:
- آلحساب معك أم مع الرقم الذي اتصل بنا؟ معي يا ابني.
 وأدخلت يدها في جيب عباءتها وأخرجت المبلغ المطلوب. أخرج العامل المُعقِّم من سترته ورش النقود قبل أن يأخذها وفر من أمامها سريعًا.
 كان لزامًا عليَّ أن أحمي نفسي ومن حولي، فاتصلت برقم (١٠٥) أبلغ عن حالتيْ كورونا في العمارة.
وقد قرأتها غير مرة، مندفعًا نحوها لكونها دائرة حو ما نعانيه في زمننا وآننا. فخرجت بتلك الانطباعات النقدية:
النسيج السردي:
هذه التجربة الأدبية تصور مشهدًا من مشاهد التعامل الحياتي اليومي في أي تجمع وبأي مكان، وبين أية مجموعة من البشر، في كوننا، تجاه هذا الفيرس الحاضر بقدرة عجيبة عبر الزمان والمكان والإنسان. وتتكون التجربة من عنوان، ومقدمة تمثل التمهيد حيث الحوار بين الشخصيتين المحوريتين: شيرين ووائل، ثم جزء أكبر يمثل الحدث الأبرز:لقاء البطل بأم رامي وعطسها في وجه البطل وموقفه الفزع الهلع منها، ثم ختام للأقصوصة حيث أبلغت شيرين عن حالتي كورونا في العمارة التي تقطنها: حالة أم رامي، وحالة البطل:وائل. وهي أجزاء مترابطة مترتبة منطقيًّا وعقليًّا... 
ويقوم بالأحداث في هذه التجربة شخوص رئيسة ثلاثة:شيرين/وائل/أم رامي، ثم شخوص هامشية: عامل الصيدية/الجار/دعاء. 
واللغة في التجربة تتنوع بين وصف وحكي وحوار، الوصف محدود، والحكي غالب في كل أجزاء التجربة، والحوار يتخلل التجربة، ويسير أحداثها. وقادم العناوين يزيد هذا النسيج السردي إيضاحًا وتبيينًا:    
تفكيك العنوان:
(عندما عطست أم رامي) هذه جملة شرطية غير مكتملة، تتكون من الأداة(عندما) وفعل الشرط(عطست) وفاعل الشرط(أم رامي).وهو عنوان يمثل تقنية في بناء النص حيث يشير إلى الحدث الأبرز الذي يعد محور التجربة وعمودها، والذي يمثل لحظة الأزمة في النص. كما أنه عنوان جاذب مثير مشوق، يدعو المتلقي إلى التسآل: من أم رامي، وماذا حدث عندما عطست؟!   .
تجنيس العمل:
هذا العمل يعد أقصوصة لأنه يتكون من صفحة، ويقرأ في زمن قليل جدًّا، ولأنه يتسم بعنصري الوحدة والتكثيف: 
أما الوحدة فتكمن في وحدة الزمان، ووحدة المكان، ووحدة الحدث. (وحدة الزمان) حيث تدور الأحداث في ساعة أو يزيد قليلاً. و(وحدة المكان)، حيث تدور الأحداث في شقة داخل عمارة، ويشار إلى أماكن أخرى هامشية كالصيدلية والسنترال ووهان. و(وحدة الحدث) حيث تنبني القصة كلها حول رغبة بطلها(وائل) الذهاب إلى عمله بالسنترال، ووصف هذه الرحلة بدءًا من حواره مع (شيرين) زوجته أو قريبته(بنتًا أو أختًا)، ومرورًا بأخذه بأسباب الوقاية من فيروس كورونا، وابتلائه بمقابلة أم رامي وعطسها في وجهه، ثم أخذه بأسباب الوقاية من هذه المصيبة(عطسة أم رامي!).. 
أما التكثيف فقد تمثل في خلو النص – غالبًا- من أية لفظة أو عبارة أو مشهد يمكن أن يحكم عليها بالاستطراد أو العبث أو اللغو، أو عدم الجدوى في بناء الأحداث وتسييرها.
مذهب التجربة  
ما دامت هذه التجربة أقصوصة أو قصة قصيرة فهي بلا ريب تنتمي إلى المذهب الواقعي(Realism)؛فالأقصوصة هي النوع الأدبي السائد في عصر الواقعية، حيث تصوير الحياة، وكون النص انعكاسًا  للحياة الحقيقية، وذلك بـالعناية بتصوير الأشياء والعلاقات، بصورة واضحة كما هي عليه في العالم الحقيقي الواقعي...وبتصوير الجوهر الداخلي للأشياء, وليس الجنوح إلى الفانتازيا أو الرومانسية؛ فالتجربة المقروءة هنا(عندما عطست أم رامي) تصور حياة رجل من الطبقة الوسطى في تعامله مع الحياة والأحياء في زمن الكورونا، فتجد الواقعية في بيان وسائل تلقي الأخبار(التليفزيون/الواتس)، وفي قول الكاتبة على لسان البطل مخاطبًا شيرين:" ألم تكفك مقاطع الفيديو على كل التطبيقات"؟!. وتجد واقعية الموظف المصري في رحلة انتقاله إلى مقر عمله في عبارة البطل:" سأنحشر وسط ركاب الله أعلم بحالهم، بعدها سأجلس على مكتبي وستفد عليَّ أمة لا إله إلا الله، هذا يريد توصيل الخدمة وذلك يشتكي من الخدمة، وتلك تريد زيادة السرعة".كما تجد الواقعية المنزلية في عبارة:" ناولته شيرين ورقة بطلبات البيت ليجلبها معه من السوق عند عودته، فحظر التجوال سيبدأ من السادسة مساء، ولن يستطيع بعد ذلك أن ينزل من البيت لجلب أي شيء نسيه كما كان يفعل من قبل". وتجد مفردات خاصة مواجهة الفيروس في وصف البطل بعبارة" لبس قفازيه ووضع الكمامة على وجهه، وحمل في يده زجاجة المطهر"، وتجد طبيعة العمل الحكومي في زمن الكورونا في عبارة:" تقلص وقت العمل في زمن الكورونا وأصبح نهاية الدوام في الواحدة والنصف".
والتجربة تنتمي إلى مدرسة الأدب الإسلامي من حيث شكلها اللغوي الفصيح الثابت المحافظ الواضح المبين، ومن حيث بناؤها الفني الملتزم بالعناصر البنائية المستقرة لفن الأقصوصة، ومن حيث عطاؤها الفكري الإيجابي النوري الخيري الهادف. كما أنها تخلو من أية لفظة أو عبارة تخرج عن نطاق التصور الإسلامي للحياة والأحياء، وهي تقدم خدمة إيجابية في التوعية بفيروس كورونا وكيفية الوقاية منه، والتعامل مع المرضى به. والصدق نجده في لحظة الكشف والانكشاف في الأقصوصة في الفقرة الأخيرة بها: " كان لزامًا عليَّ أن أحمي نفسي ومن حولي، فاتصلت برقم (١٠٥) أبلغ عن حالتيْ كورونا في العمارة" فشرين لم تبلغ عن أم رامي وحدها، بل أبلغت عن زوجها أو قريبها(وائل) وهذا منتهى الصدق، وهو الرسالة الأسمى في التعامل مع كورونا، فالصدق مع النفس والأقارب والآخرين حائط صد أساس في التعامل مع هذا الفيرس الغازي المتربص! 
لغة التجربة:
جاءت التجربة المبحوثة في قالب لغوي واضح مباشر مبين، ليس فيه لفظة حوشية أو وحشية، ولا عبارة معقدة ملغزة مبهمة، وذلك راجع إلى كونها أقصوصة واقعية تسجيلية هادفية، تتغيا الوصول إلى القدر الأكبر من الجماهير المتلقية للعمل. خلت من الإثارة والأحداث الغريبة والعجيبة المحدثة للتشويق والمتعة! 
وتوجد بالنص لغة موحية، مقتبسة من لغة العامة مثل: تركيب (سأنحشر) الذي يكاد يكون مولدًا غير أصيل، لكنه يوحي بحالة الموظف الكادح في التعامل اليومي مع وسائل المواصلات العامة والشعبية. وتعبير(أمة لا إله إلا الله) الذي يوحي بالكثرة الكاثرة.وعبارة(تزلزل كيانه صرخ فيها) الدالة على التأثير الفظيع المريع لعطسة أم رامي في وجهه.وجملة(خذي راحتك) تعبير دال على التعامل الحر المنفتح المنطلق بين (شيرين ووائل) . واستدعاء المثل:"مازال الفأر يلعب في صدري" يدل على الوسواس المسيطر على البطل بسبب عطسة أم رامي. وجميل من القاصة أن تغيرلفظة (عِبِّي) إلى (لفظة(صدري) تفصيحًا للمثل، وهذا يدل على نزعة أصيلة محافظة من الكاتبة، تدل على حبها العربية الخالدة، وحرصها على أن تحفظها من كل لفظ دخيل يشوهها أو ينال من وقارها وطهارتها.
ومما يلاحظ على لغة النص لفظة(الدوام) في قول شيرين:" وأصبح نهاية الدوام في الواحدة والنصف " التي تعني في اللهجة الخليجية مدة العمل الرسمي، ولعل القاصة أشارت بهذا إلى كونها و(وائل) ممن عاشوا في الخليج وعايشو أهله! 
كما يلاحظ استخدام عبارة (بالعدل) في قول شيرين عن أم رامي:" مصيبة أن تكوني حاملة للكورونا يا أم رامي وتمشين بين الناس توزعينها بالعدل دون أن تدري!"، فالتوزيع هنا لا يمكن أن يكون بالعدل بل هو توزيع قدري إلهي في المقام الأول ولا دخل لأم رامي أو غيرها في الابتلاء والعدوى به، ولم تخطط له أو تقصده أم رامي! وقد نقبل عبارة بالعدل، على اعتبار أنها توحي بالسخرية من طريقة أم رامي الاعتباطية.