د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : وفي إحيائها إحياء للمجتمع

د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : وفي إحيائها إحياء للمجتمع
د. علي زين العابدين الحسيني يكتب : وفي إحيائها إحياء للمجتمع
يعدّ الاهتمام بالمعارف على اختلاف أنواعها من أكثر وسائل بقاء الحضارات، فما من أمة تخلت عن ثقافتها أو تكاسلت عن مهامها المعرفية إلا ضعفت، وأعقب الضعف عدم قدرتها على مسايرة الواقع والقيام بأعباء النهوض، والثقافة وإن كانت ترتبط ارتباطاً وثيقاً بخصوصية كلّ مجتمع إلا أنها تحدد دور هذا المجتمع في السياق العالمي، ومدى قدرته في المشاركة الحضارية العالمية، ودوره في الحضور الإبداعي العالمي، كما أنّ الثقافة هي الشجرة التي يستظلّ تحتها السلام المجتمعي، وهي التي تحيي الإنسان والمجتمع، وفي إحيائها والنهوض بها إحياء للإبداع في شتى جوانب الحياة، وفي القضاء عليها إحياء لحالة من الفقر الفكري والإبداعي عند جميع فئات المجتمع ينتج عنه كثير من المشاكل الفكرية والأخلاقية، أهمها الغلو والتطرف وضياع منظومة الآداب بأكملها، ومن القضايا الشائكة والمهمة التي تهدد مستقبلنا الثقافي إهمال الأصوات الثقافية المعتدلة وعدم إعطائها ما يجب لها من الاحتفاء والتنويه بأفضالها، وهو بحدّ ذاته جنايةٌ على الحضارة، وينبني عليه انهيار منظومة الوسطية، وانتشار الأفكار المتطرفة؛ لأنّ الثقافة فكرٌ يُعرف، ورأيٌ يُنقل، ولسانٌ يرشد، وحصنٌ من الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا يحمي، وصوتٌ يُسمع، وقدوةٌ حية يُقتدى بها، وكتبٌ يُنتفع بها، ومقالاتٌ تسطر، وأفكارٌ في الخير تَنتشر، وتربيةٌ تؤثر، وسلوكٌ يُعدل، وأملٌ يتجدد، وشباب يتثقفون، وتعصبٌ يقضى عليه، وانحرافاتٌ فكرية تموت، وفراغٌ واسعٌ مجتمعيّ لن يستطيع أي أحد ملئه، وإذا ما أردت القضاء على الأفكار المتطرفة التي تهدد المجتمع فانشر بين الناس فكراً وسطياً من خلال إقامة الندوات والأمسيات الثقافية ودعم التوجهات الثقافية المعتدلة بشتى أنواع الوسائل وعلى اختلاف جميع الأصعدة، وكما هو مشاهد فإنّ الكتّاب في عالمنا العربي -مع الأسى- لا يلقون أيّ دعم، فيحاول الكاتب الاستمرار في عالم الكتابة ليس إلّا، ويسعى إلى البقاء على موهبته بكل طاقاته، وهو في طريقه لا يتلقى أيّ محفز أو توجيه، حتى الجمهور المحيط به يضنّ عليه بالتشجيع والتأييد، وأما في البلاد الغربية فيحظى الكاتب -ولو كان مبتدئاً- بجمهور هائل يمنحه إمكانات ودعماً مستمراً لاحتراف الكتابة وبقاء كلمته، ومن علامات التوفيق المجتمعي ودلالات التقدم المعرفي أن ترى بعينيك مَن يعينون أرباب المعرفة على توصيل رسالتهم، ومن مزالق الثقافة المعاصرة عزلة المدارس الثقافية بعضها عن بعض، والانشغال بقضايا فرعية، فينبني على العزلة الثقافية عن الآخرين كثير من المشاكل؛ كالغرور بالأعمال، وعدم معرفة واقع الغير من المثقفين، ويترتب على التفرغ للمسائل الثقافية الفرعية استهلاك جهدهم فيما يكون نفعه أقل، وفي الانفتاح على الآخرين في المجال التعليمي والثقافي فوائد كثيرة، من أهمها معرفة رؤى الآخرين، والاطلاع على مشاريع ثقافية جديدة، وتبني بعض الأفكار الناجحة، فمن ينعزل بنفسه فالغالب أنه لا يتقدم لعدم وجود مستوى يقيس به نفسه عليه، فيظن أنه أفضل الموجود، وأن غيره أقل منه في البذل والعطاء، ولذا من عادة النبهاء الانفتاح على المدارس الثقافية الأخرى، ومحاولة الإلمام بأخبارها، والاتصال بمثقفيها.
إنّ الثقافة أساسُ تكوينِ الأمم، وبناءِ أمجادها، ومقياسٌ لنمو المجتمعات ورقيها!