عمرو الزيات يكتب : الدكتور سيد شعبان وحكايا القرية .. قراءة في قصة حارة المنسي أبو قتب

عمرو الزيات يكتب : الدكتور سيد شعبان وحكايا القرية .. قراءة في قصة حارة المنسي أبو قتب
عمرو الزيات يكتب :  الدكتور سيد شعبان وحكايا القرية .. قراءة في قصة حارة المنسي أبو قتب
 
           
لم يكن الدكتور سيد شعبان غافلا عن رسالة الأديب الفنان وهي تصوير البيئة التي يعيش فيها، ورسم معالم تلك البيئة كاشفا عن عادات وتقاليد أهلها؛ وما المبدع – في أي مجال من مجالات الفن-  بمعزل عن مجتمعه، بل هو نموذج يمثل هذا المجتمع.
الدكتور سيد شعبان هو ذلك القاص الضارب في عمق القرية، يبهرنا بهذا الضرب من سرده، وأحسب وأنا أطالع قصته هذه ( حارة المنسي أبو قتب ) أني وسط الحارة بكل جوارحي، أكتم أنفاسي خوفا من تلك الأوصاف التي برع  فيها ( عينه اليمنى بيضة ثعبان مزركشة بألوان زرقاء). 
تلك الأوصاف التي بنيت عليها النتيجة ( تخوف الأمهات صغارهن به حين يدخل الليل .... أنفه مسدود من الجهة اليسرى ) حتى كلبه لا ذيل له، أوصاف من شأنها أن تقذف الرعب في القلوب.
إن القاص يعتمد على حكايا الآباء والأمهات في القرية والحارة المصرية التي كانت ومازالت منهلا لكل الكتّاب المصريين؛ فقد وجدوا فيها مادة خصبة لا تفنى لرسم عالمهم القصصيّ، وفي رأينا أن الدكتور سيد شعبان أفضل من عبّر عن الحارة المصرية وما يدور فيها وما يحدث في أزقتها وخلف أبواب بيوتها العتيقة، تلك الحارة التي (تجرى الوشايات حاملة زيفا، يسيل لعاب المتشوفين لرؤية الوهم، وحارة المنسي أبو قتب ترمي بأفراخ الحمام إلى الفرن الذي لن يشبع يوما،
كلما هبت الريح اصابها الفزع، تبحث عن ملجأ في جوف المغارة التي تسكنها الحيات، يرسم كل ليلة شيطان البحر صورة تخادعهم، ينظرونها فينامون في خدر وقد زحف الدود إلى مخادعهم.
يوما ما ربما يكون متسربلا بثوب ولي الله ساكن المغارة ينبثق نور، تقوى تلك القلوب وتخرج الوهن ؛ تغير اسم الحارة طبعا لن يكون المنسي أبو قتب!) 
لا تعدم الموروث الثقافي الذي استلهمه في قصته موضوع حديثنا؛ فتشعر عندما تطالع هذه الأوصاف لهذا الرجل الغريب أنه كان يفكر في (أنياب أغوال) عند الملك الضليل؛ ولا غرو فأديبنا يرى نفسه مثله فهو يقضي عمره مطاردا لحكايا القرية والحارة المصرية، أو كان يردد قوله تعالى: ( طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ )
ثم تلك السخرية المريرة من واقع مجتمع نسي تاريخه، قمة المأساة والألم عندما ( يقسم الكبار أنه لص كبير أو أنه رجل غامض يتعاون مع جولدا مائير تلك العجوز التى شربت لبن أطفال مدرسة بحر البقر) الدكتور سيد شعبان يجيد توظيف التاريخ، وتلك سمة أصيلة في جميع كتاباته يتميز بها عالمه السردي، يعرف متى يضغط على جراحنا، وهو سلاح يستخدمه للسخرية من واقعنا التعس .....
يجبرك القاص على معايشة القصة وكأنك بطلها مستخدما صيغة المضارع، وإجمالا: فالرجل يرهقك وأنت تتبعه، ويعلم أنك ستشكره على تلك الرحلة المرهقة والممتعة في آن، تتمنى ألا يتوقف هذا الإبداع العجيب الغريب، وتلك العوالم الرحيبة التي لا يعرف أسرارها إلا هو ...