د.محمد فتحي عبد العال يكتب : مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في العصرين الفاطمي والمملوكي

د.محمد فتحي عبد العال يكتب : مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في العصرين الفاطمي والمملوكي
د.محمد فتحي عبد العال يكتب : مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في العصرين الفاطمي والمملوكي
كانت البداية للمراسم و الاحتفالات الصاخبة المصاحبة لعيد الفطر مع قدوم الفاطميين لمصر وكان التحضير للاحتفالات يبدأ من العشر الأواخر من رمضان  ويستهل الاحتفال باليوم الموعود بخروج موكب الخليفة  الفاطمي المعز لدين الله الفاطمي  من قصره  محاطا بالأبهة والعظمة وكان  المعز  يرتدي لهذه المناسبة الديباج واللباس الأبيض ويتقدم موكبه الجند وحملة الأعلام والناس من حوله تتعالى تكبيراتهم  وقد اختار المعز أن تكون الصلاة في ساحة مفتوحة خارج العاصمة وخارج  المصلى المخصص عند باب النصر وهي مسألة أصر عليها الخليفة حتى في أوقات الأمطار الغزيرة وتوحل المكان وكان   الخليفة الفاطمي يقف بالمصلين إماما وهي عادة ظلت ترافق العهد الفاطمي حتى في أصعب فتراته كالشدة المستنصرية فعلى الرغم من خروج زمام الحكم من أيدي المستنصر بالله في هذه الشدة إلا أنه بقي محافظا على أداء الصلاة بالناس في العيدين !!.
كان من عادة الخلفاء الفاطميين  زيارة  تربة الزعفران حيث ترقد جثامين أسلافهم ثم توزع الصدقات على الفقراء وتربة الزعفران حل محلها خان الخليلي الآن .
  في عهد الخليفة الفاطمي العزيز بالله أخذت الاحتفالات وجها أكثر جاذبية وإثارة مع إشراك الحيوانات في المواكب كالأسود والزراف والفيلة  فكان جنوده المشاركين في الحفل يجلسون على أسرة على ظهور الفيلة   وترافق المواكب فرق الموسيقى تصدح بأصوات بهية علاوة على ممارسة الألعاب البهلوانية والاستعراضات  والتي تخصص فيها طائفة من أهل برقة أطلق عليهم صبيان الخف وكانت هذه الألعاب والاستعراضات تقام في ساحة مفتوحة سميت رحبة العيد أمام القصر الفاطمي ليطل عليها الخليفة من نافذة قصره ومازالت هذه الرحبة قائمة بحي الجمالية  أمام مدرسة الأميرة تتر الحجازية.
كان توزيع الحلوى على الناس  من مظاهر الاحتفالات الفاطمية بالعيد ومنها  خشكنانج (حلوى على شكل هلال  من رقاق في وسطها اللوز أو الفستق) وبسندود أو كعب الغزال و الكعك علاوة على إقامة الأسمطة الحافلة بألوان شتى من الطعام وبكميات ضخمة ودعوة الناس من مختلف الطبقات لها  وقد أقيمت دارا خاصة بذلك عرفت بدار الفطرة ليأخذ الأمر شكل أكثر تنظيما في عهد الخليفة العزيز بالله وخصص لها ميزانية كبيرة وكان الناس يأكلون على قدر طاقتهم ويسمح لهم بحمل ما فاض معهم.
ومن الجدير بالذكر أن صناعة كعك العيد  سابقة على العهد الفاطمي فهي على الأرجح عادة فرعونية  حيث وجدت في مقابر الفراعنة  لكنها تسربت للعهود الإسلامية بمصر وذاع صيتها في الدولة  الطولونية والأخشيدية أيضا إلى حد أن وصل الأمر  لحشو أبو بكر المارداني، وكان وزيراً لكافور ولأبي منصور تكين التركي للكعك بالنقود الذهبية والتي عرفت بأنطونلة أو افطن له!!!.
ومن العادات الفرعونية الأخرى التي ظلت ملازمة للمصريين  بأعيادهم في العهود الإسلامية تناول الأسماك المملحة في عيد الفطر وهي عادة لا يشاركهم فيها سوى أهل جزر المالديف أو ذيبة المهل كما جاء ذكره عند الرحالة العربي المغربي ابن بطوطة.
نعود مرة أخرى إلى العهد الفاطمي حيث تقام  الأسمطة  بالأيوان الكبير وكان يبلغ طول السماط ثلاثمائة ذراع وعرضه عشرة أذرع حافلا بالأطعمة ومتسعا لأعداد ضخمة من زوار الخليفة ككبار رجال الدولة والقضاة والأمراء وزعماء اليهود والأقباط ولا يخلو الحفل من تباري  الشعراء في إلقاء قصائدهم . وقد تدرج  الإنفاق في أسمطة العيدين ما بين أربعة آلاف دينار في بعض العهود الفاطمية إلى أن   وصل لمائة ألف دينار عينا في عهد الخليفة الآمر بأحكام الله وقد قصد بهذا الانفاق الكبير  المبالغة في إظهار جود الخلفاء الفاطمين وكسب محبة العامة لهم واسترضائهم وكان المسؤول عن تسجيل نفقات العيد  صاحب إيوان المجلس .
أما مديح الشعراء للخليفة الفاطمي إلى حد وصفه بالإلوهية فهو عادة سابقة على حضور الفاطميين إلى مصر فابن هانيء الأندلسي والذي وافته المنية قبل حضوره لمصر خنقا  قال في مدح المعز لدين الله الفاطمي في احتفالات عيد الفطر : 
جود كأن اليم فيه نفاشة ... وكأنما الدنيا عليه غثاء
ملك إذا نطقت علاه بمدحه ... خرس الوفود وأفحم الخطباء
هو علة الدنيا ومن خلقت له ... ولعلة ما كانت الأشياء
ليست سماء الله ما تروثها ... لكن أرضا تحتويه سماء
نزلت ملائكة السماء بنصره ... وأطاعه الإصباح والإمساء
وهو صاحب الأبيات الشهيرة أيضا :
ما شئت لا ماشاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
فـكأنـمـا أنـت النبي محـمـد وكأنـما أنصـارك الأنـصـار
  ومن مظاهر الاحتفال بعيد الفطر توزيع النقود على الناس وتوزيع الكسوات والحلل على موظفي الدولة على اختلاف درجاتهم وكانت الكسوة توزع على النساء تبعا لمكانتهن فزوجات الخليفة في البداية ثم عماته ثم بنات عمومته وكان ثمن الكسوة يصل إلى عشرين ألف دينار  لذلك لازم هذا العيد تسميته بعيد الحلل والموسم الكبير وقد وصل البذخ في الاحتفال بعيد الفطر إلى حد توزيع الإقطاعات في عهد الحاكم بأمر الله.
نأتي على ذكر العهد المملوكي والذي ارتبط بكثرة الخرافات لدى العامة والسلاطين على السواء كالتطير والتشاؤم من مجىء العيد يوم الجمعة لكونه علامة على زوال السلطان وحدث أن تصادف مجيء العيد يوم الجمعة في عهد السلطان الناصر أبو السعادات محمد بن الأشرف قايتباي وقد كان صبيا  فتحادث العامة  بأن ذلك نذير شؤم و علامة على زوال سلطانه وحاول السلطان أن يقنع قاضي القضاة الشافعي زين الدين زكريا أن يستبق العيد بيوم حتى لا يكون يوم الجمعة لكن القاضي رفض فاحتجب السلطان ولم يخرج للصلاة وقضى اليوم مع الأوباش واللصوص !! و لم يمنع حذر السلطان من بلوغ قدره  إذ سرعان ما انقلب الأمراء عليه بمعاونة خاله الظاهر قانصوه الأشرفي وقتلوه وتسلطن قانصوه مكانه لينقلب عليه الأمراء لضعفه  ففر قانصوه متنكرا في زي النساء لكنهم قبضوا عليه واقتادوه إلى سجن الإسكندرية    ونصبوا الأتابك الأشرف جان بلاط ثم العادل طومان باى ثم قانصوه الغورى .
 القليل من السلاطين المماليك من تمرد على هذا الزعم مثل الظاهر سيف الدين جقمق في إعلانه لعيد الأضحى يوم الجمعة كما أن الأشرف قايتباي مر بحكمه خمسة أعياد وافقت يوم الجمعة ومع ذلك ظل بالحكم أكثر من ثلاثين عاما ولكن ذلك لم يقنع العامة ولا ابنه أبو السعادات !!! .
أخذت  احتفالات المصريين بالعيد في الأزمنة المملوكية أشكالا متنوعة  بين زيارة المقابر وبين ركوب القوارب بالنيل وقد شهدت هذه الأزمنة شدة أحيانا وتراخي أحيانا فيما يتعلق بمشاركة النساء هذه الأجواء الاحتفالية خشية شيوع المفاسد والمعاصي .
ومن الطريف أن  شهد العصر المملوكي مصادفة عيد الفطر مع أعياد القبط عامي 1463 و1488 م وكذلك عيد وفاء النيل عام 1490م فكانت تتضاعف سعادة المصريين.
 
 
د.محمد فتحي عبد العال
كاتب وباحث وروائي مصري