يس العيوطي يكتب : الحرب جريمة .. جرائم الحرب نتيجة

يس العيوطي يكتب : الحرب جريمة .. جرائم الحرب نتيجة
يس العيوطي يكتب : الحرب جريمة .. جرائم الحرب نتيجة
 
يطلع علينا ميثاق الامم المتحدة بخداع لفظي يقول في ديباجته نحن شعوب الامم المتحدة وقد آلينا على انفسنا أن ننقذ الاجيال المقبلة من ويلات الحرب التي في خلال جيل واحد جلبت على الانسانية مرتين أحزاناً يعجز عنها الوصف...
الخداع يقبع فى الآتي: ليس بالآمم المتحدة شعوب بل دول. الشعب هو الاشخاص، والدولة هى السلطة. كان يجب ان يكون العنوان "نحن الدول الاعضاء بالامم المتحدة"
هل نجحت الامم المتحدة فى تحقيق ماوعد به الميثاق من انقاذ البشرية من ويلات الحرب؟ اذا نظرنا الى افغانستان وفلسطين واكورانيا وشبه القارة الهندية، نجد ان الرد على هذا السؤال هو لا!! نعم أنشأت الامم المتحدة قوات دولية للمحافظة على السلام. غير أن تلك القوات هي وحدات طوعية من دول تستطيع سحبها من ميادين الصراع ان حدث الصراع.
ينطبق على هذا الحال ما عبر عنه الشاعر بقوله: "أسد على وفى الحروب نعامة".
والسبب واضح وضوح الشمس. هل الامين العام للامم المتحدة القائد الاعلى لتلك القوات الطوعية؟ لا!! قالها المرحوم بطرس غالي حين ذكر أنه لايعرف مقدمة الدبابة من خلفها. وقالها الميثاق ذاته حين اعلن فى مادته الثانية "ليس فى هذا الميثاق مايسوغ للأمم المتحدة ان تتدخل فى الشئون التى تكون فى صميم السلطان الداخلي لدولة ما...".
ومن يقرر ما اذا كان الامر شأن داخلياً أو خارجياً؟ الدولة التي تنظر الى اي تحركات عسكرية خارج حدودها شأناً داخلياً ان وجدت فى تلك التحركات استعداداً لضربه استباقيه. ضرب الطيران الاسرائيلي مصر سنة 1956 حين طرد الرئيس جمال عبد الناصر القوات الدولية من الاراضي المصرية. واستعادت مصر سيناء من قبضة الاحتلال الاسرائيلي عام 1973 حين حطمت مصر خط برليف شرقي قناة السويس.
فى كل الحالات لم ترفع الامم المتحدة علما ولم تتخذ قراراً له اية نتيجة أو أي تاثير على الصراع. الدولة تقرر والامم المتحدة تسجل كأي محضر عام أمام أية محكمة فى القطر المصري. ومعنى هذا ان الامم المتحدة فى اغلب الاحيان مجرد مبنى وليس للمبنى معنى والجزاءات الدولية التي يفرضها مجلس الأمن على الدول التى تتخذ "الأعمال فى حالات تهديد السلم والإخلال به ووقوع العدوان" (عنوان الفصل السابع من الميثاق) لا أثر لها.
طوال فترة الجزاءات التي كانت مفروضه من الامم المتحدة على جنوب افريقيا أثناء فترة الأبارتهايد (الفصل بين الجنسين الابيض والأسود) طالب الاتحاد السوفيتي بضرورة مضاعفة الجزاءات... لماذا؟ لأن موسكو أصبحت غنى حرب من وراء الجزاءات أنها أيدت تلك القيود لتبيع السلاح الى الجانبين.
هذا مع العلم بأن روسيا هى أحدى الدول الخمس الاعضاء الدائمين لمجلس الامن وبيدهم سلاح الفيتو تناور به وتحاور لأنه لن يطبق عليها او على اية من الدول الأربعة الأخرى وهى: أمريكا وبريطانيا وفرنسا والصين.
زعمت هذه الدول الخمس بقدرتها على حفظ السلم والامن الدوليين. وهو زعم وهمي اذ ان تجارة السلاح وتجارة  تعكير صفو السلام هو جزء من اقتصادها القومي. الحرب هى الاوزة التى تبيض الذهب، ولايمكن ذبحها بل يجب تغذيتها بإستمرار إذ هي جزء من منظومة الاسلحة ذات الدمار الشامل. فازت تجارة الأسلحة الروسية لأن المهندس الروسي أستطاع أن يخترع أسلحة سهلة التركيب، سهلة التصويب، سهلة التدريب حتى في أيدي الفلاح المصري الأمي الذي لايقرأ ولايكتب.
وأهم هذه الأسلحة هي بندقية كلاشنيكوف. الرفيق كلاشنيكوف وضع في يد المقاتل فى مناطق الصراع لأنه أفضل وأكفأ من بندقية لى انفيلد الانجليزية التي تدربنا عليها فى مراحل الدراسة الثانوية أثناء الحرب العالمية الثانية.اندثرت لي انفيلد وصعدت الكلاشنيكوف مثلما صعدت سيارة فولكس فاجن الالمانية على سيارة الكاديلاك الامريكية ذات التعقيد فى القيادة والصيانة.
موسكو تعرف تماما ان NATO لن يهزمها فى اوكرانيا NATO مجموعة من 27 دولة، مصالحها متباينة وسيادتها متقلبة. والنظام الديمقراطي المرادف للقانون الدولي هو نظام ممزق يعتمد على الاصوات فى الانتخابات ولكن روسيا لها صوت واحد، صوت بوتين الذي يكمم الأصوات الأخرى.
يقولون هناك أزمة فى الديمقراطية فى العالم، أنظر مثلاً إلى المجر أو الفلبين أو حتى الهند. الهند كانت أكبر ديمقراطية فى العالم من حيث عدد السكان (أكثر من مليون من البشر) ولكن الرئيس ناريندا مودى هدم ذلك الصرح بنظرية "الهندوكية هي دين الهند" وكذلك الحال فى اسرائيل تحاول الصهيونية وصف اسرائيل بأنها الدولة اليهودية".
الديمقراطية تعتمد على الترغيب، والديكتاتورية تعتمد على التخويف. نجح الأحمق ترامب فى استغلال التخويف وآمن به أكثر من 73 مليون من الامريكيين، قال لهم "أقيموا الأسوار حول أمريكا" وقالة وزارة العدل الأمريكية لن تكون أمريكا ضحية للغزو البشري من الجنوب. وتضاعف عدد حراس الحدود الأمريكيين، وأختتطفوا الأطفال من أحضان أمهاتهم وفرقوهم في اكثر من 20 ولاية.
لذا انقلبت آية الديمقراطية الامريكية الى نظام يضع الجنسية الامريكية فوق اية جنسية أخرى ليسمونها ب "الاستثنائية الامريكية  EXCEPTIONALISM AMERICAN وقال الرئيس ريجان: "امريكا مدينة الضوء فوق جبل".
وفجأة توقفت قوافل الهجرة من امريكا الوسطى (جواتيمالا، هندوراس، السيلفادور) إذ صادروا اطفال اللاجئين واختفى العرف الامريكي الذى كتب فى اسفل تمثال الحرية فى مدخل ميناء نيويورك (مرحبا بالمساكين اللاجئين). وتضاءل بريق المصباح الذي تحمله السيده الفرنسيه اللتى تقف شامخه فى يدها المصباح يهدى سفن اللاجئين الى الجنة الامريكية.
تتشدق امريكا بمحاولتها مقاضاة (جرائم الحرب) وهي محالات نظرية لاعملية، محاولات تندد بجرائم الرب ولكنها لاتعترف بأن الحرب فى حد ذاتها جريمة. والجرائم الحلاب هي نتاج الحرب، والقانون الدولي يعترف بالحرب، غير انه يحاول تفتيتها. أي نعم لفيضان المياه طالما أقيمت السدود لحماية الأراضي السكنية والزراعية والصناعية من المياه الدافقه، معنى هذا علاج النتيجه لاعلاج مصدر الداء.
وأمريكا صريحة مع نظريتها. حتى الآن ترفض امريكا المصادقة على ميثاق روما لعام 1998 الذى أنشأ المحكمة الجنائية الدولية The International Crimnal Court  (ICC) لماذا؟  تخشى أن تصدر المحكمة أوامر احضار قضائي للعسكريين الامريكيين اللذي اقترفوا جرائم الحروب ،وحصل أوباما على جائزة نوبل للسلام، كان رئيس حرب A War President الفارق بينه وبين الرئيس جونسون مثلا هو ان اوباما رأى انه من الافضل عدم ترك بصمات اصابع امريكيه على الحروب.
كيف فعل هذا؟ حرب من الجو اى حرب المناطيد ولذا قتل المواطن الامريكي ذا الاصول العولقى المولود فى اليمن لقى صرعه ومعه ابنه على ارض اليمن، واختفى المنطاد الأمريكي وراء السحاب وأصبحت التكنولوجيا فى خدمة مجرم الحرب لأن مجرم الحرب هو نفسه صانع التكنولوجيا.
وجلس اوباما في مخبأه بالبيت الأبيض ومعه وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون حينما أطلق ضباط الهليوكوبتر الامريكي الرصاص على رأس اسامه بن لادن الذي اقام في ارض الباكستان. ثم اعلن اوباما للعالم في نشوة الانتصار "قتلنا بن لادن وواريناه قبره المائي في كفن ابيض احتراماً للشعائر الاسلامية". والهدف الثاني هو الحيلولة دون اقامة ضريح لاسامه بن لادن.
الغش صناعة المعتدي . اوباما فسر مقتله على اساس يفهمه الامريكي جيداً "الدفاع عن امريكا" وتغاضى العالم عن كل ذلك ،تلك الفعلة تمت على ارض الباكستان، البعيد عن الاراضي الامريكية بحوالي 7000 ميل ووصفها بأنها حرب ضد الارهاب اي حرب بلا حدود. كان بن لادن راعياً للارهاب، وقال لأمريكا ستدفع الثمن. ودفعت امريكا ثمناً باهظاً في احداث 9- 11. ولكن امريكا لم تجد فى الصراحة وسيلة لتبرير فعلتها. الجرم واحد من الجانبين، والتفسير مختلف من الجانبين.
لانجد نحن اساتذة القانون والسياسة فى امريكا اي نقاش مفتوح يفند توقيت شن امريكا الحرب او تسبيبها. هذا نقاش يعتبر معاداة لامريكا والمقولة الدينية بوجوب صقل السيوف كمحراث للارض الزراعية اصبح صقل السيوف كمناطيد جوية. والمنطاد هو السفينة بدون ربان. والأثر واحد ويقول علماء السياسة الامريكيين "علينا ان نجعل الحرب اكثر انسانية" (More Humane) وكيف يكون هذا والحرب في حد ذاتها جريمة باعتراف دولي فى محاكمات  نوربيرج عام 1954 ومحاكمات "طوكيو العسكرية" عام 1946.
امريكا ضربت اليابان بالقنابل النووية التى دمرت مدينة هروشيما وناجازكي عام 1945 وقضت على ارواح 70 الف مواطن في كل من المدينتين والان ترعى امريكا وتزيد حين يهدد بوتن باستخدام الاسلحة النووية او الكيماوية في حربه العدوانية ضد اوكرانيا. الواقع انه ليس لدينا حتى الان قوانين ضد الحرب. المحكمة الجنائية الدولية ليست محكمة بل مهزلة. هي جهاز مسيس لايمكنه الوصول اليه سوى عن طريق مجلس الامن الدولى، وهو طريق مسدود بالسد العالي المسمى الفيتو. لابد من احالة اية قضية من قضايا الحروب او الاخلال بالأمن والسلم الدوليين عن طريق مجلس الامن!! ياحلاوة؟ مجلس الامن به اعضاء دائمون 5 هم العصابة التي تدير الحرب العدوانية. ولم يحال الى المحكمة الجنائية الدولية حتى الان الا الرئيس السوداني السابق عمر البشير ورئيس كينيا وقالت الخرطوم: "لن نسلم رئيساً سودانياً الى كلاب المحكمة الجنائية الدولية. والغرب ضرب مصانع الاسبرين فى السودان!!" خرجت امريكا من سياسة الحياد بعد ان ضربت اليابان بيرل هاربور عام 1941.
وفجأة انتعش الاقتصاد الامريكي نتيجة تحويل مصانع السيارات الامريكية (فورد ) الى مصانع البوارج الامريكية التى تمكنت من انتاج بارجة كل يوم.
تحريم الحرب وتحريم الارهاب هما مجرد افكار غير مطبقة، وصفها الشاعر العربي حينما قال: "تكلم السيف فأسكت ايها القلم" وتحول اهتمام واشنطون من تحريم الحرب الى تحريم نتائج الحرب. وهنا نستشهد على هذه المغالطة الفكرية بإقتباس المثل الفلاحي المصري الذي يقول: "مش قادر على البغل، ولكنه قادر على البردعة".
مسألة جعل الحرب اكثر انسانية، تتناسى ان بدء الحرب هو بدء الجريمة ومحاولات اضفاء قوانين الانسان وقوانين التدخل الانساني الدولي جلاليب بيضاء مكتوب عليها "نحن سفراء الحرب الانسانية" هم أساتذة العدوان إذ ينسون ان الشروع في الحرب، وهي جريمة الحرب، وهي الشروع في العدوان ذاته ضد البشرية. نعم: القانون لايحمي الغبي ولكننا حتى الآن ليس عندنا قوانين ضد الحرب، ولكن عندنا الملايين من البشر الاغبياء .
الحرب في أوكرانيا هي فى الواقع الحرب العالمية رقم 3 وهي لانهاية متوقعة لها.