((رصاصات الرّحمة)) قصّة واقعيّة بقلم المنتجب علي سلامي

((رصاصات الرّحمة)) قصّة واقعيّة بقلم المنتجب علي سلامي
((رصاصات الرّحمة)) قصّة واقعيّة بقلم المنتجب علي سلامي
 كنت أسكن مدينة طرطوس وأزور أهلي في قريتنا الغالية كلّ أسبوع تقريباً...
وفي سنة من السّنوات الماضية، اضطررت لأمر ما ،أن أقصد القرية التي أبني على سفح جبلها بيتاً متواضعاً مرّات في أسبوع واحد....
وحينما أصل بسيّارتي إلى غابة الصّنوبر السّاحرة المنتشرة أشجارها الشّامخةالخضراء على ضفّتي الطّريق الواسع المُتعرّج أوّل مدينة الشّيخ بدر ولمئات الأمتار عمقاً باتّجاه الوادي والجبل، كنت أرى مندهشاً كلّ مرّة تقريباً أنا ومن يرافقني حصاناً ضخماً جميلاً يشبه الحصان الأصيل الذي نراه في السّباق الرّياضيّ أوفي المسلسلات التّاريخيّة ،على جانب الطّريق وأحياناً وسطه وكأنّه يحاول الانتحار دهساً بالمركبات السّريعة العابرة للشّارع العام ذهاباً وإياباً ،ويفشل مرّات ومرّات بسبب وعي و انتباه السّائقين له وأنا أحدهم......
وكان منظره يثير الحزن والشّفقة فهو يتحرّك بثلاثة أطراف فقط ،لأنّ يده اليمنى مبتورة قطعت لسبب ما لم يعلمه أحد إلّا الله سبحانه....
كان المنظر مؤلماً لقلبي قبل عينيّ ويدفعني أنا وغيري لنتساءل بدهشة ماقصّة هذا الحصان الموجوع الذي يبدو أصيلاً!؟
كنت أتمهّل بالسيّارة ثمّ أكبحها على يمين الطّريق فوق التّراب والحصا، وأنا أتأمّل متحسّراً كما يفعل الكثيرون هذا الحيوان الخيل الذي مرّ ذكره عبر مراحل التّاريخ في الدّيانات السماويّة وفي قصائد الشّعراء وفي الحكايا وسواها.....  
كنت أعود بذاكرتي إلى حديث للنبيّ محمّد (ص)حفظته وكنت أعلّمه لتلاميذي:
( الخيل معقود بنواصيها الخير إلى يوم القيامة)...
 كان يُطلق صوتاً حزيناً يشبه الأنين ،ويحرّك برأسه يميناً ويساراً وإلى الأعلى والأسفل، وحول عينيه هالتان بلون أسود فاحم، والدّموع تسيل غزيرةً على وجهه باستمرار ،وكأنّه يتوسّل ممّن يصادفه طالباً المساعدة والنّجدة....
كانت حركته في تنقّله بطيئة مشوّهة بسبب عجزه الواضح...
والسيّارات تمرّ بجانبه وتتمهّل لحظات ليرى ركّابها هذا المنظر المُحزن الذي لم يتعوّدوه أو لتتفادى هذه المركبات حادثة صدمه ، وهو يحاول أحياناً بصعوبة قطع الشّارع العام.....
وفجأة وبعد أيّام لم أعد أرى هذا الحصان الشّاكي الباكي ،فسألت عنه ،فقيل لي: 
إنّ بضعة صيّادين للعصافير أشفقوا عليه حقّاً وهو في البريّة، وكأنّه بلا خوف يفتّش بغريزته عنهم وعن أسلحتهم الشّافية .....
فأطلقوا رصاصات الرّحمة من بنادقهم لتستقرّ في رأسه، ليريحوه من العذاب الشّديد والألم الملازم له والذلّ الواضح، بعد أن بالغ كما أكّدوا  في أنينه الحزين المُتضرّع الذي يسلب الأفئدة، وبعد أن أبى رافضاً طعامهم وشرابهم وكأنّه  البطل المُصاب في المعركة وقد وقع في الأسر  ،فقد اعتقدوه للوهلة الأولى أنّه يعاني من العطش والجوع...
وقد أدركوا أخيراً بإنسانيتهم أنّه يعاني  فقط من مرض الذلّ ، ويطالب من يراه متوسّلاً بأسلوبه الغريزيّ الأصيل أن يُشفى من هذا المرض اللعين وقد توصّلوا مجتمعين إلى علاج يريحه من مرضه الخطير.